رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 14 ديسمبر، 2020 0 تعليق

من درر الأعلام – شبهـات حول السنة – الشبهة الثانية:


الشيخ: عبدالرزاق عفيفي

 - رحمه الله -

 

من حفظ الله لدينه وفضله على عباده أن هيأ لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم- من يحفظها وينقلها ويعلمها، وينافح عنها وينفي عنها الدخيل، ويدحض شبهات المبطلين ويفندها، وامتدادًا لجهود مجلة الفرقان في نصرة الإسلام والعناية بمصدريه العظيمين (القرآن الكريم والسنة النبوية)، ننشر هذه السلسلة للعلامة الكبير الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله-، التي كتبها قديما في تفنيد شبهات أعداء السنة وخصومها، واليوم نجيب عن شبهة رد الأحاديث بحجة أنها أحاديث آحاد.

 

     الذين يعترضون على بعض الأحاديث: يؤمنون بما تواتر من الأحاديث، لفظا ومعنى، وهو عدد قليل من الأحاديث؛ كحديث: «من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار» أو الأحاديث المتواترة معنى، كأحاديث رؤية الله -تعالى- وأحاديث المسح على الخفين، وأحاديث عذاب القبر ونعيم القبر.

يؤمنون بمثل هذا: إما لمجيئه في القرآن، وإما لتواتره في السنة، وإما لوجوده في الاثنين معاً. لكنهم لا يؤمنون بأحاديث الآحاد؛ وذلك لأنهم يرون أنها لا تفيد إلا ظنا غير غالب.

فيردون أمثال هذه الأحاديث ولا يحتجون بها أصلا، أو يحتجون بها في الفروع دون الأصول.

أما شبهتهم في رد حجية (حديث الآحاد) فهم يقولون: إن الراوي يخطئ ويصيب، وإن الراوي قد يكون عدلا فيما يظهر، وهو كذاب أو منافق في باطن أمره.

ويقولون: إن عمر بن الخطاب رد على أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما- حديثه في الانصراف بعد الاستئذان ثلاثا.

فيقولون: هذا عمر بن الخطاب لم يقبل رواية صحابي جليل لحديث، فهذا يدل على أن في رواية الواحد دخنا، وأنه مثار تهمة فلا نعمل به حتى يتأيد بغيره، وقد ورد مثل هذا عن علي بن أبي طالب -]- في أعرابي.

الجواب عن هذه الشبهة:

وهذا وأمثاله يرد عليه بأمرين:

الأمر الأول: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  لم يكذبه إنما أراد:

1 - أن يتثبت من جهة.

2 - وإلى جانب التثبت: خاف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن يجترئ الناس على سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فأظهر لهم القوة حتى يحتاطوا لأنفسهم عند البلاغ، فلا يبلغ إلا وهو واثق مما يتكلم به، هذا جانب بدليل أنه قبل خبر الواحد في مرات أخر:

- قبل خبر الواحد في إملاص المرأة (الإجهاض).

- ثم الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمد خبر الواحد، فكان يرسل رسولا واحدا بكتابه. وما أدرى أولئك أن هذا صادق في أن هذا كتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وليس عندهم بصمة له، ولا عندهم صورة لخاتمه.

     ما الذي يدريهم بأن دحية الكلبي رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ وكيف لزمهم البلاغ؟ وكيف أصيب كسرى بعذاب من عند الله حينما مزق الكتاب؛ كيف لزمتهم الحجة؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل الواحد إلا وهو يعتقد أن الحجة تقوم به، وهذا أمر معلوم بالضرورة من إرسال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفرادا إلى جهات لنشر الدعوة وإقامة الحجة، وقد أرسل معاذ بن جبل - رضي الله عنه - ليقضي، ويكون أميرا في اليمن، وأرسل عليا - رضي الله عنه - وأرسل أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه .

القصد: أن إرسال الواحد من الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تكرر مرات، وهو لا يرسله إلا إذا كان يعتقد أن الحجة تقوم به، وأن خبره يجب أن يصدق.

والمهم فيه أن يتخير عدلا، أمينا، صادقا، وأنه يقوى على البلاغ.

وليس من المهم أن يكون عددا بدليل أنه أرسل فردا فردا إلى دول، وليس إلى أفراد، وفى أصل الدين وهو العقيدة وليس في الفروع فقط.

فهذا بيان من النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتج به على قبول خبر الواحد، ضد هؤلاء الذين يتهمون الراوي إذا كان واحدا، وإن كان: - عدلا، ضابطا. - مع اتصال الإسناد. ومع عدم مخالفة من هو أوثق منه.

- ومع عدم الوقوف على علة قادحة يرد بها الحديث.

هذا العمل من الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم، وكذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبل خبر الواحد مرات عدة، فلماذا يتمسكون بهذه القصة، ولا يتمسكون بغيرها وغيرها أكثر منها؟

الأمر الثاني: طبيعة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه .

     عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان عنده قوة في التثبت وكان يجتهد ويستوثق أكثر، لا لأنه متهم لمن استوثق في خبره، كما جاء في حادث التحقيق مع سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - لما كان- في العراق- أميرا وقاضيا وقائد السرية، وإماما في الصلاة وخطيبا في الجمعة، اشتكاه أحد العراقيين إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وكتب إليه كتابا؛ يقول فيه: «إنه لا يخرج بالسرية، ولا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يحسن الصلاة»، فأرسل شخصا يحقق في الموضوع، مع أنه واثق من سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، لكن لا يريد الفتن ولا القلاقل، ويريد أن يستوثق أكثر، وفعلا حقق داخل المساجد ومر على أناس هنا وهناك، فكلهم يثنون خيرا على سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، إلا المكان الذي فيه بؤرة الفساد والرجل الذي بلغ فانتصب له، فحكى الكلمة نفسها وسعد يسمع، فقال: «اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره، وأدم فقره، وأكثر عياله، وعرضه للفتن» رواه البخاري. أربع دعوات نظير أربع تهم وجهها الرجل إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، فطال عمر الرجل، وكثر عياله، ودام فقره، وكبر في السن حتى صار وهو يمشي في الطريق ينظر إلى النساء بعين خائنة، وقد سقط حاجبه على عينه، فيقال له: ما بك وقد شبت؟ فيقول: مسكين، أصابتني دعوة سعد. وهذا عمر بن الخطاب «لما استخلف ستة» أخرجه البخاري. حينما طعن، وأيس من أن يبقى، فقالوا: استخلف، فقال: لا أحملكم حيا وميتا، ولما ألحوا عليه استخلف ستة يختارون من بينهم خليفة، واستجاب لهم في الجملة، ثم جعل من الستة سعدا - رضي الله عنه -، ثم قال: اعلموا أني لم أعزله لشكي فيه ولا اتهاما له، ولهذا رضي به خليفة باختيارهم إياه، ثم إذا لم تصبه نصحهم بأن يستشيروه، وأن يرجعوا إليه فيما يبرمون من أمور الدولة.

فهذا يدل على اتجاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في قبول خبر الآحاد.

والقصد أن هذا جواب لاعتمادهم على طلب عمر من أبي موسى الأشعري - رضي الله عنهما-، أن يأتيه بآخر يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث.

 

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك