رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 يوليو، 2020 0 تعليق

من درر الأعلام – أهمية العقيدة الصحيحة

 

الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالله بن جبرين

 

 

دين الإسلام الذي اختاره الله لهذه الأمة هو دينه الباقي، وهو دين الأنبياء كلهم، أولهم وآخرهم، أصله معرفة العبد ربه ودينه ونبيه، والاعتراف بالله -تعالى- ربًا وإلهًا ومدبرًا، وأصله أيضًا التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة بعد أن يعترف العبد بأن الله -سبحانه- رب الأرباب، ومسبب الأسباب، لا إله غيره، ولا رب سواه، يعقد المؤمن قلبه على ذلك عقدا محكما.

 

     هذا الاعتقاد يحمل المسلم على أن يتفانى في خدمة ربه وفي عبادته، وعلى أن يهجر في ذات الله كل عاص قرًيبا كان أو بعيدا، وعلى أن يرضي الله بسخط الناس كائنا من كان، وعلى أن يلتمس رضا الله بما ينفق، وبما يملك، ولو طلب منه ربه أن يبذل نفسه، أو أن يبذل ماله، لكان ذلك سهلا رخيصا عنده؛ ذلك لأنه يعلم أن رضا ربه فيه الفوز، وفيه السعادة، وفيه تحصيل خيري الدنيا والآخرة.

معرفة الله -تعالى

     ذلك كله يتوقف على العقيدة الصحيحة، التي هي معرفة الله -تعالى- بكامل صفاته، معرفته بما يستحقه من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وإثبات الأسماء الحسنى والصفات العلا، التي يستحق بها أن يعظم حق التعظيم، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، كما يستحق أن يعبد حق عبادته، ويطاع حق طاعته. تلك العقيدة إذا رسخت في القلب، وتمكنت منه فلن تزعزعها شبهة، ولن تزيلها قوة، مهما كانت العوائق، ومهما كانت الظروف.

عقيدة راسخة

     ولا شك أن هذه العقيدة لما رسخت في قلوب الصحابة -رضي الله عنهم- رأينا لها الآثار، فنزل فيهم قول الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

علامة الصدق والصادقين

     لقد علمنا أن كل من اعتقد هذه العقيدة، وثبتت في قلب ثبوتا راسخا رسوخ الجبال، أن ذلك يعرف بعمله، ويعرف أيضا بتفانيه في عبادة ربه وطاعته؛ بحيث لا تأخذه في الله لومة لائم، ولو دعي إلى أن يخرج من ماله ونفسه لما توقف أو تردد، هذه علامة الصدق، وعلامة الصادق في هذه العقيدة، روى ابن أبي حاتم عن الأعمش قال: لما نزلت: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} الآية. قال أناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو فعل ربنا لفعلنا، فبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لَلْإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي.

وروى ابن أبي حاتم أيضا عن شريح بن عبيد قال: لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {ولو أنا كتبنا..} الآية. أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل يعني ابن رواحة.

المؤمن الصادق

وهكذا كل مؤمن، ولكن كل مؤمن صادق، كل مؤمن مصدق، كل مؤمن قوي الإيمان، كامل الإيمان، يؤمن بأن ما عند الله خير وأبقى، ويؤمن بأن ربه هو الذي أعطاه، وهو الذي يملكه، وهو الذي طلب منه -سبحانه وتعالى- هذا الطلب فيهون عليه ذلك.

أصل العقيدة

     إذا فمعرفة العقيدة الإسلامية، التي هي عقيدة المسلمين وعقيدة السلف الصالح مهمة غاية الأهمية، أصل هذه العقيدة -كما قلنا- هو معرفة الله -سبحانه وتعالى- بأسمائه وصفاته، وهذا هو السبب في أن الرب -سبحانه- تعرف إلى عباده، فإذا قيل لك: بم عرفت ربك؟ فقل: بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار، والشمس والقمر وأكبر مخلوقاته السموات والأرض وما بث فيهما من دابة؛ بل ومن مخلوقاته: خلق جنس الإنسان، فلا شك أن هذه من أكبر الآيات الدالة على أن الخالق على كل شيء قدير، وإذا كان هو الخالق لهذا الخلق فإنه - كما قال ابن كثير -: الخالق لهذه الأشياء، هو المستحق للعبادة، يعرفه العباد ويصفونه بصفات الكمال.

فيصفونه بأنه هو السميع الذي لا يحجب سمعه شيء، ولا تشتبه عليه الأصوات، وبأنه البصير الذي لا يستر بصره حجاب، وبأنه يرى عباده أينما كانوا، ويرى كل شيء، ولا تخفى عليه من عباده خافية.

وبأنه العليم الذي يعلم كل ما حدث وكل ما يحدث، ويعلم كل كبير وصغير، وبأنه الرحيم بعباده، وبأنه العزيز ذو انتقام، وبأنه صادق الوعد، وبأنه مالك الملك، وبأنه كامل الصفات له الصفات الكاملة التي أثنى بها على نفسه -سبحانه-، ووصفه بها رسوله.

تأثير العقيدة على القلوب

     فيصفونه بذلك، ويتعلمون هذه الصفات من أدلتها، وإذا عرفوا أدلتها لا شك أن يكون لذلك تأثير في قلوبهم بعد رسوخها، بأن تنطلق ألسنتهم بذكره، وتخشع قلوبهم لهيبته، وتشتغل أبدانهم كلها بطواعيته -سبحانه-، ويعرفون ما يحبه فيتقربون إليه بكل محبوب، ويعرفون ما يكرهه ويبغضه فيبتعدون عنه غاية البعد، ويعرفون أسباب رضاه فيأتونها، وذلك هو السبب في التركيز على علم العقيدة.

تعلم العقيدة

فاهتم أخي المسلم بعلم العقيدة حتى ترسخ وتثبت في قلبك، ثم تقوم بنشرها بين إخوانك المسلمين ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وتعرف بذلك صادق العقيدة من غيره الذي يعبد الله على شفا جرف.

قدْر الله -تعالى

     واعلم أن كل من رأيته مقصرا في الطاعة، أو كل من رأيته مرتكبا لشيء من المعاصي، فإن ذلك لنقص قدر ربه في قلبه، فلا شك أن لقدر الله -تعالى- وعظمته في القلب تأثيرًا، فإذا نقص قدره في القلب ظهرت المعاصي، وظهر التقصير في الطاعات، وظهر ارتكاب شيء من المكروهات أو من المحرمات، فهذه علامة واضحة على كمال الإيمان وثبوته، ورسوخه في القلب، أو نقصانه. وهذا هو السبب في تركيزنا على علم العقيدة؛ فليهتم المسلم بأمر عقيدته، وليعرف فوائدها، وليتعبد ربه بموجبها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك