رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود طراد 30 يوليو، 2019 0 تعليق

من خصائص القرآن الكريم – الإعجاز البياني واللغوي


أنزل الله -تعالى- كتابه الكريم بلغة العرب، وجعل أعظم تحدٍ وإعجاز في لغته وبيانه؛ فقال -سبحانه-: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً}(الإسراء: 88)، وجعل من إعجازه لهم أيضاً عدم وجود اختلاف بين آياته وموضوعاته؛ فقال -سبحانه-: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}(النساء: 82)، وقد أثبتت الوقائع التاريخية هزيمة من يعتقد في القرآن غير ذلك؛ فصار من المسلم به أنه لا يوجد خطأ في القرآن؛ لأنه كتاب معصوم، ولاسيما فيما يتعلق بلغته وبيانه؛ لأن إعجاز القرآن للعرب كانت في تلك اللغة.

لماذا تحداهم الله؟

     من أخص خصوصيات القرآن الكريم أن الله -تعالى- لمَّا أنزله على عبده المصطفى لم يجعل له عوجاً؛ فقال -سبحانه-: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيما لينذر بأساً شديداً من لدنه}(الكهف: 1- 2)، ومن تمام النعمة على العرب، أن أنزل الله القرآن عربياً حتى يتمكنوا من فهمه؛ فقال -سبحانه-: {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}(يوسف: 2)، وقال -تعالى-: {كتاب فصلت آياته قرآنا عربياً لقوم يعلمون}(فصلت: 3)، وحتى لا يظن العرب أن الكتاب بلغتهم فيستطيعون أن يكتبوا مثله، قال الله -تعالى- لهم: {فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}(البقرة: 23)، وهنا يتم إغلاق الباب على مقالة الكافرين والمغرضين بأن هذا الكتاب اكتتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فليس فيه شيء معجز، وهذه هي الحكمة، أن يكون الكتاب شاهدا ومثبتاً لنفسه، أنه لم يكتبه بشر، وأنه وحي من الله -تعالى- وإن عجز البشرية على الإتيان بمثله دليل على هذا العجز .

كيف يدلس المغرضون ؟

     إن من يزعم أن في القرآن أخطاء لغوية أحد رجلين: إما أن يكون قليل البضاعة اللغوية، أو لا حظ له فيهاً أصلاً؛ فيقع بجرأته غير المسؤولة في خطأ جسيم وظلم عظيم، وإما أن يكون مغرضاً يستهدف تشكيك الناس في الكتاب المبين، وفي النهاية نؤمن بأن الله -تعالى- متم نوره، ومما يؤكد لك هذا المعنى أن من يروج لتلك الأخطاء المزعومة ليسوا من أهل اللغة ومتخصصيها؛ فأهل اللغة الحقيقيون هم الذين يردون على هذين الصنفين: قليل البضاعة والمدلس؛ لعلمهم أن اللفظ القرآني لا يخرج عن وجه من وجوه العرب، ولو وجد العرب أنفسهم خطأ في القرآن لتناقلت صفحات التاريخ ذلك الاعتراض؛ وذلك لم يقو مؤرخ على إثباته.

كيف ينصب القرآن المفعول ؟

     في قوله -تعالى-: {قال لا ينال عهدي الظالمين}(البقرة: 124)، يقول المعترض: كيف يقول الله (الظالمين)، والصحيح أن الفاعل يرفع فيكون (الظالمون) والجواب: أن الإعراب كما يلي: لا: نافية، و ينال: فعل مضارع، وعهدي هي الفاعل المرفوع تقديراً، والظالمين مفعول به، ولو تدبر المعترض في المعنى لعلم أن العهد هو الذي لم يشمل الظالمين؛ فكان العهد فاعلاً و ( الظالمين ) مفعولاً منصوباً، وقد جاءت قراءة أخرى بلفظ: (الظالمون) لتكون كلمة (عهدي) مفعولا به مقدما، و(الظالمون) فاعل مؤخر، والمعنى في الرفع والنصب واحد؛ لأن النيل مشتمل على العهد وعلى الظالمين.

كيف ينصب المعطوف على المرفوع ؟

     درس الشاب الصغير في اللغة أن المعطوف على المرفوع يكون مرفوعاً، وأن المعطوف على المنصوب يكون منصوباً؛ فلماذا لم يرفع في القرآن المعطوف على المرفوع في قوله -تعالى-: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء}(البقرة 177)، والجواب: يقول علماء اللغة ومنهم الفراء والأخفش: (الموفون) معطوفة على (من) في قوله: {ولكن البر من آمن}؛ فمَن اسم موصول؛ فكأنه قال: لكن البر المؤمنون الموفون، وأما كلمة (الصابرين) فقد نصبها؛ لأن العرب تنصب على المدح والذم؛ كأنهم يريدون بذلك إفراد الممدوح أو المذموم، فهو لغة من لغة العرب.

كيف يضع الفعل المضارع مكان الماضي؟

     في قول الله -تعالى-: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}(آل عمران: 59)، ألم يكن من المفترض أن يقول: «ثم قال له كن فكان»؟ والجواب: أن من لغة العرب التعبير عن الماضي بالمضارع إذا عرف المعنى لاستحضار صورة التكوين، وقوله -تعالى-: {كن}، تعبير عن تعلق القدرة بتكوينه؛ فالفعل الماضي يعني أنه خلقه حتى لو كان قد مات في لحظة خلقه، وأما التعبير بـ (كن فيكون)؛ فدلالتها استمر وجوده حتى أنجب من أنجب من ذكور وإناث، وما بث منهما من آباء البشر وأمهاتهم كما قال -سبحانه-: {وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء}.

كيف يكون خبر المؤنث مذكراً ؟

     في قوله -تعالى-: {إن رحمة الله قريب من المحسنين}(الأعراف: 56)، كيف يقول قريب ولم يقل قريبة من المحسنين؟؛ إذ المعلوم أن كلمة (رحمة) مؤنثة؛ فيكون الخير بذلك مؤنثاً؟ والجواب: أن المضاف (كلمة رحمة) تكتسب التذكير من المضاف إليه (لفظ الجلالة)؛ وذا عند علماء النحو صورة متكررة في اللغة، وقيل إنها أصلاً لا تذكر؛ لأنها أضيفت إلى لفظ الجلالة، بل لمعنى آخر وهو أنه -سبحانه وتعالى- أراد بالرحمة المطر أو الثواب؛ فعاد النعت عليه مذكراً، وقيل هو على النسب أي ذات قرب، كما يقال: امرأة طالق وليس طالقة.

لماذا عبر عن المثنى بالجمع؟ (خصمان اختصموا)!

     جاء في سورة الحج قوله -تعالى-: {هذان خصمان} (وهذه الكلمة مثنى)، لكن الله قال عنهما: {اختصموا}، ولم يقل (اختصما)، وهذه الآية أيضاً مثل قوله -تعالى-: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}(الحجرات: 9)، والجواب: أن كل خصم من الخصمين عبارة عن فريق فيه عدد من الأشخاص؛ فكان الجمع (اختصموا) حملاً على المعنى، وكذلك الطائفتان، كل منهما تتكون من عدد من الأشخاص؛ فقال الله عن الطائفتين {اقتتلوا} حملاً على المعنى أيضاً.

سؤال: هل تحكم قواعد اللغة على القرآن أم العكس ؟

      بعد هذه الأمثلة التي سقناها نريد أن نؤكد على أمر مهم جداً، وهو أن قواعد اللغة إنما تم وضعها لخدمة القرآن الكريم؛ فلم تكن يوماً حاكمة عليه، مع اليقين الثابت بأن القرآن لم يكن إلا عربياً معجزاً؛ ومما يدل على هذا المعنى أن نشأة علم النحو، إنما كانت بإشارة من سيدنا علي رضي الله عنه  لأبي الأسود الدؤلي، وقيل بإشارة من سيدنا عمر رضي الله عنه ، وقيل بسبب حادثة عرضت لأبي الأسود نفسه، وهو أحد التابعين -رحمه الله-؛ فوضع النحو لخدمة اللسان العربي، ولخدمة القرآن الكريم، ومع ذلك نناقش من يزعم الخطأ في القرآن لأحد أمرين: إما أن يكون طالباً فيتعلم، أو مدلساً فيُفضح تدليسه وكذبه، وليس أشرف في العلوم من علم ينتسب إلى كتاب الله -تعالى.

حكم تعلم العربية

إن تعلم العربية من الفروض الكفائية على الأمة، وهذا خاص بما هو علم وقواعد، لكن يجب على كل مسلم أن يتعلم من اللغة العربية ما يؤدي به ما افترض الله عليه من القراءة والذكر؛ لأن ذلك لا يجوز بغير العربية عند الجمهور.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك