رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أحمد فريد 22 أكتوبر، 2019 0 تعليق

من ثمرات التوحيد والعقيدة الصحيحة


التوحيد أعظم أسباب السعادة وانشراح الصدر؛ لأنه أعظم درجات التأدب مع الله -عز وجل-، قال -تعالى-: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام:125)، وقال -تعالى-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر:22)، فالتوحيد هو أعظم أسباب السعادة، كما أن الشرك هو أعظم أسباب الشقاء، قال ابن القيم -رحمه الله-: «فالهدى والتوحيد مِن أعظم أسباب شرح الصدر، والشرك والضلال مِن أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه».

أعظم أسباب السعادة

     فالنطق بكلمة التوحيد مِن أعظم أسباب السعادة، كما يحكي أحد إخواننا من الدعاة الموفقين: «أن أحد أصحاب الأعمال والأموال بأمريكا كان عنده اكتئاب دائم، وحزن مستمر، وكان كلما دخل إحدى شركاته وجد موظفًا مبتسمًا؛ فسأله عن سبب سعادته؛ فأخبره بأن سبب سعادته أنه مسلم؛ فقال له: لو أسلمت أجد هذه السعادة؟ قال: نعم؛ فذهب به إلى إحدى المراكز الإسلامية، وشهد شهادة الحق، ثم أخذ يبكي بكاءً شديدًا؛ فسئل عن سبب بكائه؛ فقال: أول مرة أشعر بالسعادة!»؛ فسعادة القلوب في أن تتعلق بعلام الغيوب، وغفار الذنوب -عز وجل-؛ فمَن كمل توحيده كملت سعادته، ومَن نقص توحيده، نقصت سعادته في الدنيا والآخرة.

دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب

     دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ يَقِينًا مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَدْخُلِ النَّارَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه أحمد بسندٍ صحيح)، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «فإن حقيقة التوحيد انجذاب القلب إلى الله -عز وجل-، بأن يتوب من الذنوب توبة نصوحًا، فإذا مات على تلك الحال نال ذلك» إلى أن قال: «فإن قالها بإخلاص ويقين تام، لم يكن في هذه الحال مصرًّا على ذنب أصلًا؛ فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيءٍ؛ فإنه لا يكون في قلبه إرادة لما حرم الله، ولا كراهة لما أمر الله، وهذا هو الذي يحرم على النار، وإن كانت له الذنوب قبل ذلك؛ فإن هذا الإيمان وهذا الإخلاص، وهذه التوبة، وهذه المحبة، وهذا اليقين لا تترك له ذنبًا إلا محي كما يمحو الليل النهار؛ فإن قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأكبر والأصغر؛ فهذا غير مصر على ذنبٍ أصلًا؛ فيغفر له ويحرم على النار»، وقال ابن القيم -رحمه الله- في شرح حديث البطاقة: «يعفى لأهل التوحيد المحض ما لا يعفى لغيرهم، فلو أتى الموحد الذي أخلص توحيده لله -عز وجل- ربه -عز وجل- بقراب الأرض خطايا لأتاه الله -عز وجل- بقرابها مغفرة».

 المنع من الخلود في النار

     إن الذرة من التوحيد في قلب العبد تمنع خلوده في النار، وإذا كمل توحيده حرم على النار: قال الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (النساء:40)، وفي حديث الشفاعة: «ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيْرًا» (متفق عليه)، وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث؛ فاقرأوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:40)؛ فببركة التوحيد؛ فإن الذرة الواحدة منه تمنع مِن الخلود في النار، «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، نَفَعَتْهُ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِ، أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ» (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

لا يعامَلون معاملة الكفار

     أن أهل التوحيد لو دخلوا النار بذنوبهم، لا يعامَلون معاملة الكفار، ولا يخلدون خلودهم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ، وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ -أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ- فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا، أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ؛ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ قِيلَ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ؛ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ»؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: كَأَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ. (رواه مسلم)، وعن جابررضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يُعَذَّبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمًا ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ؛ فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الجَنَّةِ»، قَالَ: «فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الجَنَّةِ المَاءَ فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الغُثَاءُ فِي حِمَالَةِ السَّيْلِ ثُمَّ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

مذهب أهل الحق

     قال الإمام النووي -رحمه الله- في التعليق على حديث أبي سعيد رضي الله عنه : «وأما معنى الحديث فالظاهر -والله أعلم- من معنى هذا الحديث: أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود، لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال -تعالى-: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} (فاطر:36)، وكما قال -تعالى-: {لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} (طه:74)، وهذا جارٍ على مذهب أهل الحق، أن نعيم أهل الجنة دائم، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم.

إماتة المذنبين من المؤمنين

     وأما قوله صلى الله عليه وسلم : «وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ...» إلى آخره؛ فمعناه: أن المذنبين مِن المؤمنين يميتهم الله -عز وجل- إماتة بعد أن يعذبهم المدة التي أرادها الله -تعالى-، وهذه الإماتة إماتة حقيقية، يذهب معها الإحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار، من غير إحساس المدة التي قدرها الله -تعالى-، ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحمًا؛ فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة، ويلقون على أنهار الجنة؛ فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل، في سرعة نباتها وضعفها؛ فتخرج لضعفها صفراء ملتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك، ويصيرون إلى منازلهم، وتكمل أحوالهم؛ فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه (شرح النووي على صحيح مسلم).

أعظم أسباب المغفرة

     التوحيد هو من أعظم أسباب المغفرة، ولو وضعت منه ذرة على جبال السيئات لنسفتها نسفًا، قال الله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} (النساء:48)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

     وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ؛ فَيُنْشَرُ لَهُ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ؛ فَيَقُولُ: أَظَلَمَتْكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا، ثُمَّ يَقُولُ: أَلَكَ عُذْرٌ، أَلَكَ حَسَنَةٌ؟ فَيُهَابُ الرَّجُلُ، فَيَقُولُ: لَا؛ فَيَقُولُ: بَلَى، إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ، وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ؛ فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ، مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ، فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَة» (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، قال العلماء: هذا الرجل قام بالتوحيد حق القيام، ولكنه وقع في ذنوب دون الشرك؛ فنجا ببركة التوحيد.

سبب لتفريج الكربات

     التوحيد هو أعظم سبب لتفريج الكربات في الدنيا والآخرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا» (رواه أحمد، وصححه الألباني).

شرط لقبول الأعمال

     التوحيد شرط لقبول الأعمال الصالحة وانتفاع العبد بها في الآخرة: قال الله -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97)، وقال -تعالى-: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (الإسراء:19)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ» (رواه مسلم).

الانتفاع بالأعمال الصالحة

     إذا عمل العبد أعمالًا صالحة وهو على الكفر والشرك، ثم تاب وأناب وحقق التوحيد؛ فإنه ينتفع بهذه الأعمال الصالحة، ويعود إليه ثوابها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم ابن حزام لما سأله عن أعماله الصالحة قبل أن يسلم: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ» (رواه مسلم)، أي: أنه يرجع إليه ثواب عمله قبل الإسلام، ومنع ثوابها في الآخرة بسبب فقده لشرط التوحيد.

الأمان في الدنيا والآخرة

     التوحيد أعظم أسباب الأمان في الدنيا والآخرة: قال -تعالى- حاكيًا عن خليلة إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}(الأنعام:81-82)، وقد ثقل ذلك على الصحابة الكرام وقالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»؛ فبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم المراد به في هذه الآية ليس ظلم النفس، وإنما هو أظلم الظلم، وهو الشرك بالله -عز وجل-؛ فمهما سلم العبد من الشرك بالله، وأخلص توحيده لله -عز وجل-، كان له من الأمن والاهتداء بحسبه، وهذا الأمن ظاهر في المجتمعات المسلمة، ومفقود كله -أو جله- في المجتمعات الكافرة.

نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

     أهل التوحيد هم الذين ينالون شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ؛ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا» (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم : «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» (رواه البخاري)، بل ثبتت شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر مِن الموحدين، كما قال صلى الله عليه وسلم: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وهي التي أنكرها الخوارج.

يحرم مال العبد ودمه وعرضه

     التوحيد يحرم مال العبد ودمه وعرضه: قال النبي صلى الله عليه وسلم : «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّه» (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم في أعظم محفل شهدته البشرية، في حجة الوداع، وقد شهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة ألف: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا» (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» (رواه مسلم).

أهل الحياة الطيبة

     أهل التوحيد هم أهل الحياة الطيبة في الدنيا، والسعادة الأبدية السرمدية في جنة الله -عز وجل-، قال -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97)؛ فالحياة الطيبة في الدنيا وقف على أهل الإيمان والعمل الصالح، كما أن الضنك والشقاء، والهم والغم والحزن، وقف على أهل الشرك والإعراض عن الله -عز وجل-، قال -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طه:124-126)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلاَ انْتَقَشَ) (رواه البخاري).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك