رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رضا الخطيب 11 يوليو، 2017 0 تعليق

من ثمرات التوحيد على النفس- التربية على العدل

 

لا يخفى على عاقل ما آل إليه حال أمتنا من الذل ومن الضعف ومن الفقر؛ فقد ذلت بعد عز، وضعفت بعد قوة، وافتقرت بعد غنى، وصارت مستباحة الجانب مهضومة الجناح، وتسلط عليها من لايدفع عن نفسه، وتكالب عليها أعداؤها من كل حدب وصوب؛ لكن عباد الله  إذا أردنا أن تعود الأمة إلى عزها ومجدها كسالف عهدها فلا صلاح لها ولا فلاح إلا بما صلح به أولها؛ فقد صلح أولها بتحقيق العبودية لله التي لاتستقيم إلا على ساق التوحيد.

ومن ثمرات التوحيد أنه ينير القلب؛ فالقلب يستنير بنور التوحيد. وينشرح له الصدر، ويجعل للحياة معنى وحلاوة، بل إن لا إله إلا الله! إذا خرجت من قلب صادق تقلب الحياة رأسا على عقب، تجعل النفس من لا شيء إلى كل شيء، انظر لصحابة رسول الله -رضوان الله تعالى عليهم- ولاسيما الموالي.

     هذا بلال، عبد حبشي، ليس له من الأمر شيء، فأصبح بلا إله إلا الله المؤذن الأول، ورجلا من أهل الجنة، وسيدا من سادات الإسلام تهتز له القلوب، ذكر عمر فضل أبي بكر فجعل يصف مناقبه ثم قال: «وهذا سيدنا بلال حسنة من حسناته» بأي شيء ارتفع ووصل بلال إلى هذه المرتبة؟ بلا إله إلا الله، بكلمة التوحيد، تلك الكلمة التي وقرت في قلبه التي كان يعبر عنها بقوله: «أحد، أحد» وهو يسحب على رمضاء مكة، فكان يقول عندما يُسأل عن شدة العذاب وتحمله كان يقول رضي الله تعالى عنه: «كان عندي حلاوة الإيمان ومرارة العذاب، فامتزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان، فاستعذبت العذاب في ذات الله» كان مولى من الموالي، فلما آمن بالله، وقف في وجه أسياد مكة يتحداهم بلا إله إلا الله، فرضي الله -تعالى- عنه وأرضاه يوم أن نصر ذلك العبد، ورفع اسمه، وأعلى مكانته بلا إله إلا الله.

     وانظروا لحال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ألم يتقلد سيفه -كما في بعض السير- ليقتل رسول الله[؟ امتلأ قلبه حقدا وبغضا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وإذا به بعد لحظات يشهد أن لا إله إلا الله، فينقلب ذلك القلب ويتغير الحال -فيا سبحان مقلب القلوب!- يصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من كل شيء، بل حتى من نفسه كما قال، ويتحول ذلك القلب القاسي المتجبر إلى قلب لين رقيق كثير الخشية والبكاء، ومن لا شيء إلى ثاني رجل بعد أبي بكر.إنها شمس التوحيد لامست شغاف القلوب؛ فتجلت بها ظلمات النفس والطبع، وحركت الهمم والعزائم.

تربية النفس على العدل

     فمن أظلم الظلم أن يكون الله هو الذي أوجدك، فيخلق ويحسن الخلق، وينعم ويحسن الإنعام، ويتفضل -سبحانه- عليك بكل شيء، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (النحل: 18)، ثم بعد ذلك كله نقابل ذلك بالنكران والجحود، فنجعل له ندا نمتثل لأمره ونحبه من دون الله، بل نخافه ونرجوه، بل ربما صُرف له شيء من العبادة من دون الله، فأين من يعبد الحجر؟ وأين من يطوف بالقبر؟ وأين من يتوسل بالضعفاء والمساكين؟ بل أين من يذهب للسحرة والمشعوذين؟ بل أين من ملكت الدنيا قلبه؟ سبحان الله! الذل والانكسار لأمثال هؤلاء، الطواف وصرف الأموال واللجوء والاستغاثات لهؤلاء، وتنصرفون عن الخالق -سبحانه وتعالى- الذي أنعم وقدر، وخلق وأحسن وتفضل عليك، أليس هذا هو الظلم العظيم؟ {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ}(الرحمن: 60)؟ ولذلك كان أعظم ذنب عُصي الله به هو الشرك بالله، {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(لقمان:13)، وكما قال الحق عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} (النساء: 48).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك