من توفيق الله -تعالى- للعبد أن يجعله ملجأ للناس وسببًا لقضاء حوائجهم
من القواعد الأصولية والفقهية المهمة التي تدور عليها أحكام السياسة الشرعية، قاعدة اعتبار القدرة والعجز، وقاعدة تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما، وقاعدة ارتكاب أخف المفسدتين لتفويت أشدهما، وقاعدة اعتبار المآلات، وسيكون لنا مع هذه القواعد وقفات تربوية وفوائد إيمانية وفقهية، واليوم مع قاعدة اعتبار القدرة والعجز.
لقد اقتضت حكمة الله وسنته في خلقه المفاضلة بينهم في الشرف والمال والمنزلة والجاه، قال -تعالى-: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا}.
ومن صور تسخير العباد بعضهم لبعض: تسخيره للموفقين من عباده في قضاء حوائج إخوانهم، وتفريج كربهم، ومساعدة محتاجهم، وإعانة ضعيفهم، والمتأمل لنصوص الكتاب والسنة يجدها جاءت مرغبة وحاضة في الحث على قضاء حوائج الخلق، ومن ذلك قوله -تعالى-: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا}.
الترغيب في قضاء الحوائج
أما السنة فهي مليئة بالترغيب في قضاء الحوائج وإعانة المحتاج، كما في الحديث قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ -عزَّ وجلَّ- سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه؛ ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له ؛ ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ».
سنته العملية - صلى الله عليه وسلم
وأما سنتة العملية - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانت مليئة بحوائج الخلق حتى قبل أن يوحي الله إليه، فها هي ذي خديجة -رضي الله تعالى عنها- تسكن من خوفه عندما جاء فزعا من هول ما رأى في غار حراء؛ حيث قالت -رضي الله تعالى عنها-: «والله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
توفيق من الله -تعالى- للعبد
ومن توفيق الله -تعالى- للعبد أن يجعله ملجأ للناس، وسببا لقضاء حوائجهم، يفرج همهم، وينفس كربهم، ويغيث ملهوفهم، وينصر مظلومهم، كان بعض السلف يقول: «إن من فضل الله عليك حاجة الناس إليك»، وهذا المعنى الجليل حينما استشعره الأولون كانوا يتنافسون على قضاء الحوائج، ويتزاحمون على تفريج الكرب، حتى لو أدى بهم الأمر إلى الإشقاق على أنفسهم، وبذل المال والجاه لغيرهم، ورد في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة».
منافع جمَّة وفوائد عدة
وإن لقضاء الحوائج منافع جمه وفوائد عدة، ينال المرء بها ثمرتها في الدنيا والآخرة، فمن ذلك عظم الأجر المترتب على قضاء الحوائج، وتأييد الله له بالإعانة والتوفيق في الدنيا والآخرة، فالجزاء من جنس العمل، قال - صلى الله عليه وسلم -: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه»، ومن الفوائد تسخير الله لقاضي الحوائج من يقضي له حوائجه، ويعينه إن هو احتاج الى ذلكِ، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: «صاحب المعروف لا يقع، فإن وقع وجد متكأ».
صور عديدة وأمثلة كثيرة
ولقضاء الحوائج صور عديدة وأمثلة كثيرة، فيدخل فيها الشفاعة، وبذل الجاه، وإعانة المحتاج، وبذل الصدقة لمستحقيها، وقضاء الديون، والإصلاح بين الناس، والنصح للخلق، ورفع الظلم عنهم، وغيرها كثير مما يحصل فيه النفع للمسلمين.
اصطفاء من الله -تعالى
واعلموا - رحمكم الله - أن من سخره الله لقضاء حوائج الخلق فقد اصطفاه من بين سائر الخلق لمهنة عظيمة، ووظيفة جليلة، ينبغي لكل واحد أن يسعى في تحصيلها، وأن يجتهد في أن يكون من أهلها، وعلى من صنع له معروفا ألا ينسى شكر الله الذي سخر له من الخلق من يعينه، كما أن عليه ألا ينسى شكر من أحسن إليه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ»، وذلك بأن يثني عليه بالخير، فقد روى الترمذي عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا. فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاء».
لاتوجد تعليقات