من تساؤلات منكري السنة
إنكار السنة يعد كفرا مخرجا من الملة؛ لأن السنة هي المبينة للقرآن والشارحة له، بل وفيها أحكام تشريعية ليست في القرآن. ومن كان يؤمن بالقرآن فلا بد من أن يؤمن بالسنة؛ لأن الله -تعالى- يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، ويقول -سبحانه وتعالى-: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80)، ويقول -عز وجل-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل:44)، والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً.
ولا شك أن ظاهرة إنكار السنة ازدادت بعد أن انفتح العالم بعضه على بعض، وكثرت وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشرت معها الثقافات المختلفة طيبها وخبيثها، وهؤلاء يثيرون ما بين فترة وأخرى مجموعة من التساؤلات تحمل على الشك عند فاقدي الأهلية من الشباب الذي قد ينشغل عن تحصيل العلم الشرعي. ومن أهم هذه التساؤلات التي تستهدف التشكيك:
أولاً: قولهم ليس البخاري عربياً فكيف كتب الأحاديث باللغة العربية؟
وللجواب نقول: ينبغي أن يتذكر السائل دائماً أن الإسلام لم يوجه للعرب فقط بل للعرب والعجم جميعا؛ فليس من الغريب بعد ذلك أن ينبغ في الدين غير العربي؛ لأن الجميع مأمور بالتعلم والجد والاجتهاد، ثم إن البلاد التي كان فيها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم لم تكن جميعها عجمية بل كان بعضهم عربا وآخرون عجماً، وكانت اللغة العربية فيهم كاللغة الرسمية بعد انتشار الإسلام في هذه البلدان، كما أن اللغة العربية قد نبغ فيها غير أهلها؛ فهذا سيبويه الذي تعلم العرب منه العربية كان فارسي الأصل، وتعلم العربية وأجادها حتى صار من أعلم الخلق بها.
ثانياً: النبي ينهى عن التدوين فلماذا دونتم السنة؟
يقول منكرو السنة: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تدوين السنة ورغم ذلك فإننا نجد رجال السنة النبوية لم يلتفتوا إلى ذلك ودونوها، وكان ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ» رواه مسلم. وللإجابة عن هذا التساؤل نقول: أولاً: إن الذين نقلوا السنة هم الذين نقلوا هذا الحديث، ويعرفونه جيداً فلا يستساغ عقلاً أن يكون نقلهم له دليل إدانة لهم وإثباتا لتجرئهم على رسول الله [ بل نقلوه وهم يعلمون أن المعنى ليس كما يقوله منكرو السنة ولو كان كذلك ما نقل رجال الحديث -حفظهم الله- دليل إدانتهم للناس. بل أجمع المحدثون ومن قبلهم الصحابة -رضي الله عنهم- أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مطلقاً، بل كان في بداية نزول الوحي حتى لا يختلط شيء بالقرآن؛ ولذا فإنه في الحديث ذاته يقول: «من كتب عني شيئاً غير القرآن». ثانياً إن قبلتم بنقل أهل السنة لهذا الحديث فقد ألزمتم أنفسكم بقبول نقلهم لفهم الصحابة له حين وجه الخطاب لهم من رسول الله [ والرواية التالية توضح ان النهي عن كتابة الحديث والقرآن سويا: روي الإمام مسلم والإمام أحمد أن زيد بن ثابت دخل علي معاوية فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه، فقال له زيد: إن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه فمحاه معاوية. وزيد بن ثابت ومعاوية -رضي الله عنهم- من كتبة الوحي. وأخيراً فإن في الحديث ما يدل على أن النهي ليس مطلقاً وأن ذلك كان لعدم اختلاط القرآن بغيره وذلك في قوله: «وحدثوا عني ولا حرج» فأمرهم بالتحديث وهذا دليل وجود السنة التي دونت بعد ذلك.
ثالثاً: ليس في القرآن ما يدل على أن هناك سنة للنبي صلى الله عليه وسلم
يقول منكرو السنة إن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له سنة، ونحن مطالبون فقط بالعمل بما جاء في القرآن، وللجواب عن ذلك نقول: أولاً: إن الإجمال الموجود في القرآن فيما يخص العبادات دليل على أن تركها كان لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في السنة؛ فالصلاة والزكاة والحج مما لم يأت في القرآن بيان كيفيته، بل قال صلى الله عليه وسلم : «صلوا كما رأيتموني – السنة- أصلي» وقال [: «خذوا عني مناسككم». فلما قلنا لهم ذلك قالوا: إن الصلاة وما كان مثلها نقل لنا بالتواتر العملي وليس بالسنة؛ فأثبتوا بأنفسهم بذلك السنة الفعلية للنبي [؛ فلما قيل لهم وكيف تعلم الصحابة ما يقولونه في السجود والركوع والصلاة السرية؟ ليس من سبيل إلا أن يكون النبي قال لهم إذا كنتم في الصلاة السرية فافعلوا كذا وفي الركوع والسجود قولوا كذا وكذا، وهذا إثبات للسنة القولية أيضاً. ثانياً: إن القرآن الكريم يقرر -بما لا يدع مجالاً للشك- أن ما ينطق به النبي [ وحي من الله -تعالى-؛ فقد جاء في سورة النجم قول الله -عز وجل-: {ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى}. وقال -سبحانه-: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
رابعاُ كيف نثق في أحاديث كثر فيها الوضع؟
يقولون إن وجود أحاديث موضوعة مكذوبة يشكك في بقية الأحاديث وللجواب عن ذلك نقول: لقد قيض الله -تعالى- لهذا العلم أناساً كشفوا الكذَبةّ والمدلسين، بكتب مستقلّة صنّفت في الضعفاء الذين يستوعبون الوضاعين تلقائياً، كما فعل العقيلي في كتاب الضعفاء، وابن الغضائري في كتاب الضعفاء، والبخاري في الضعفاء الصغير، والنسائي في كتاب الضعفاء والمتروكين، وابن داوود الحلي في القسم الثاني من كتاب الرجال، وابن حبان في كتاب المجروحين، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الضعفاء، وابن حجر في كتاب طبقات المدلّسين، وغيرهم من العلماء الذين تفرّغوا للبحث في أحوال الضعاف -ومنهم الكذابون والوضاعون- مجوّزين فضحهم أمام المسلمين، تقديماً للمصالح الإسلامية الكبرى على حماية الحقوق الشخصية لهؤلاء.
أضف إلى ذلك أن تأسيس علوم الحديث كانت بكتب مستقلّة صنّفت في الضعفاء الذين يستوعبون الوضاعين تلقائياً.
أضف إلى ذلك أن تأسيس علوم الحديث قد هدف إلى معرفة أنواع الأسانيد من الاتصال والانقطاع والإرسال والرفع والوقف والتدليس والعنعنة والإدراج والقلب وغير ذلك الكثير، وظلّ هذا العلم عظيماً نافعاً، يكشف أحوال الأسانيد بعد التئام رواة السند فيها، كما كان علم الرجال ينظر في أحوال رجال السند، لكن كلاً على حدة غير ملحوظين في هيئتهم الاتصالية التي جمعهم السند فيها. فوجود الوضاعين ليس مسوغاً لرد الصحيح طالما كان للمسلمين علم يثبتون به الصحيح ويتخلصون به من الموضوع والمكذوب.
خامساً: إذا حكم القرآن بكفر الصحابة فكيف نثق فيهم؟
يقول منكرو السنة: إنهم يردون الحديث؛ لأن الذين نقلوه هم الصحابة الذين أثبت القرآن ارتدادهم في قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين} آل عمران: 144
وللإجابة عن ذلك نقول: أولاً: إن الصحابة والتابعين الذين يرفضون نقلهم للحديث هم الذين نقلوا القرآن الذين قبلوه، فإن قبلوا القرآن وجب عليهم قبول السنة، وإن طعنوا في نقلة السنة فإنهم يطعنون في نقلة القرآن بالضرورة؛ لأنهم واحد. ثانيًا: إذا كانت الآية التي يستدلون بها تعني تكفير الصحابة فكيف ينقل الصحابة -رضوان الله عليهم- تكفير القرآن لهم بأنفسهم؟! ثالثاً: إن القرآن الكريم لم يقل ذلك عن الصحابة بل حكم بعدالتهم ورضوان الله عليهم في أكثر من موضع في القرآن الكريم وهذا الآية كانت عن ضعاف الإيمان والمنافقين في غزوة أحد حين ارتدوا بعدما أشيع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل، والدليل من الآية نفسها {وسيجزي الله الشاكرين} ينسف قول منكري السنة بأنها تعني الصحابة جميعاً. وتؤكد على بقاء أقوياء الإيمان على إيمانهم وهم الشاكرون المعنيون في الآية.
سادساً: لو سلمنا بصدق الصحابة فبعضهم أنكر حجية السنة
يستدلون على ذلك بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الوضوء من القيء: «لوكان واجباً لوجدته في كتاب الله»، وهو حديث باطل يقول عنه الإمام الدارقطني -رحمه الله تعالى-: «لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السكن، وهو متروك الحديث»؛ فالصحابة جميعاً أجمعوا على حجية السنة، وكلهم كان مقتفياً أثر النبي صلى الله عليه وسلم بلا تقصير، وقد حكت النصوص عنهم ما يدلل على شدة تعلقهم بالسنة النبوية؛ فقد خلعوا نعالهم في الصلاة لما رأوا رسول الله يخلعها، ونزعوا خواتيمهم الذهبية حين نزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسر أبو بكر وعمر ساقيهما في قصة الجلوس على البئر حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وأحبوا ما أحبه الرسول، وكرهوا ما كره، وأمضى أبو بكر جيش أسامة رضي الله عنه وقال: ما كان لي أن أحل لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم . فالصحابة الذين نقلوا القرآن هم الذين نقلوا السنة التي هي وحي من الله تعالى.
أخيراً ينبغي على الشباب ألا يتعرضوا لافتراءات منكري السنة قبل التأهب والتأهل فإن دواء العيّ السؤال، والحمد لله رب العالمين
لاتوجد تعليقات