من تريد أن يمثلك في مجلس الأمة؟
لما أجاز العلماء الدخول في المجالس النيابية، كان شروطهم من أهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإغلاق أبواب الشر والفساد، والتعاون مع ولي الأمر لتحقيق المصلحة العامة، والحفاظ على أمن البلاد ورعاية العباد.
فمن يمثلك يفترض أن يقوم علـى خدمة إخوانه، ويأخذ قراراته بموضوعية وعدل وتجرد، ويحدوه في ذلك مرضاة الله -عز وجل- والسير على تحقيق الهدف الأسمى وهو: العمل على تحصيل مصالح المسلمين وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.
ويلتزم بالشرعية في كل جوانبه الحياتية، ويتحمل هذه الأمانة، ويكون قدوة حسنة، ويتحمل النقد البناء، ويتصف بالصدق والصدع بالحق ولين الجانب حتى يقود المسائل بإتقان وإخلاص إلى بر الأمان، ويتمتع بالخلق القويم وسعة العلم، ويكون على درجة كبيرة من الكفاءة والجدارة، ويحيط به إخوانه من أهل الخبرة والرأي والبصيرة، ويتمثل قول الصديق رضي الله عنه: «أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني؛ وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه».
ولما ولي الفاروق رضي الله عنه أسس نظاماً مستقلاً، وعينّ فيه الفقهاء الذين يحملون السمعة الطيبة والسيرة الحسنة، ووضح لكل واحد منهم واجباته واختصاصاته وسلطانه، ووضع الحساب على كل من يخل بواجباته، وأمرهم أن تتسم ولاياتهم على الناس بالرحمة والرخاء. و أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان يختار من المستشارين من يحمل الأمانة والذكاء والإلمام بالأمور والشجاعة في الرأي وحسن السيرة والخلق, وجاء في كتابه إلى الأشتر النخعي عندما ولاه مصر ما يأتي:
1- الحب والرحمة: «وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم».
2- الابتعاد عن المحاباة: «أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك أو من خاصة أهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإنك إلا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع أو يتوب».
3- إرضاء الجماعة: «وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعملها في العدل، وأجمعها لرضا الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة».
4- اصطفاء المستشارين: «ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك عن الأمور، ولا حريصا يزين لك الشر بالجور؛ فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى، يجمعها سوء الظن بالله».
5- توفير الحوافز: «ولا يكن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء؛ فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة، وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه».
6- توظيف ذوي الكفاية: «ثم انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختيارا، ولا تولهم محاباة وأثرة؛ فإنهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة، والقدم في الإسلام؛ فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أغراضا، وأقل في المطامع إشرافا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرا».
7- الرقابة والمساءلة: «تفقد أعمالهم، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية، وتحفظ من الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك، اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة، ووسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمة».
8- سياسة الأجور: «ثم أسبغ عليهم الأرزاق؛ فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرك، أو ثلموا أمانتك».
9- الاتصال بالرعية: «لا تطولن احتجابك عن رعيتك؛ فإن احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل».
10- تقدير الأمور: «وإياك والعجلة بالأمور قبل أوانها، أو التساقط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوهن عنها إذا استوضحت، فضع كل أمر موضعه، وأوقع كل عمل موقعه».
ولقد ذكر الماوردي بعض الصفات لمن يتولى الوزارة، منها: «الأمانة؛ حتى لا يخون، وقلة الطمع؛ حتى لا يرتشي، وأن يسلم فيما بينه وبين الناس من عداوة وشحناء، ذكورا لما يؤديه إلى الخليفة وعنه، ذكيا فطنا، صادق اللهجة؛ حتى يوثق بخبره، وألا يكون من أهل الأهواء».
فنسأل الله أن يولي علينا خيارنا ولا يولي علينا شرارنا، وأن يعيننا على حسن الاختيار.
لاتوجد تعليقات