من تراجعات الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (1)
باسم الله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد: فبعيداً عن الإطالة في المقدمات أودّ أن أدخل مباشرة في أول مواضيع هذه السلسلة - المُبَيَّن عنوانها أعلاه - حول تراجع الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن قوله في بعض المسائل، وقد آثرتُ أن تكون أولى هذه المسائل مسألة يدور حولها شيء من اللغط في هذه الأيام, ومن أسباب ذلك أن الدكتور الفاضل فهد الخنة حفظه الله نقل عن الشيخ ابن عثيمين – وغيره من أهل العلم رحمهم الله - كلاماً يدور مضمونه حول التكفير المطلق لمن وضع تشريعاً وقانوناً عاماً مخالفاً للشرع يحمل الأفراد على التحاكم إليه، والدكتور فهد حفظه الله – وإن كان صادقاً في نقله عن الشيخ رحمه الله وأميناً – لكن فاته أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد تراجع عن ذلك القول في فتوى مؤرخة بتاريخ 22 ربيع الأول عام 1420 هـ، وسأنقل نصها بعد نقل قوله الأول الذي نقله د.فهد الخنة وفقه الله:
1 – النص الذي نقله د. فهد الخنة وفيه القول الأول للشيخ رحمه الله:
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه: نرى فرقاً بين شخصٍ يضع قانوناً يخالف الشريعة ليحكم الناس به، وشخصٍ آخر يحكم في قضية معينة بغير ما أنزل الله؛ لأن من وضع قانوناً ليسير الناس عليه وهو يعلم مخالفته للشريعة، ولكنه أراد أن يكون الناس عليه فهذا كافر، وقال رحمه الله في موضع آخر: فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق(1).
2 – نص تراجع الشيخ رحمه الله عن القول السابق:
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وأما إذا كان – أي: الحاكم - يشرع حكماً عاماً تمشي عليه الأمة، يرى أن ذلك من المصلحة، وقد لُبِّس عليه فيه: فلا يكفر أيضاً؛ لأن كثيراً من الحكام عندهم جهل في علم الشريعة، ويتصل بهم من لا يعرف الحكم الشرعي، وهم يرونه عالماً كبيراً فيحصل بذلك المخالفة، وكذلك إذا كان يعلم الشرعَ ولكنه حكم بهذا، أو شَرَع هذا، وجعله دستوراً يمشي الناس عليه؛ يَعتقد أنه ظالم في ذلك، وأن الحق فيما جاء به الكتاب والسنة: فإننا لا نستطيع أن نكفِّر هذا(2).
ويقول رحمه الله: «وغالبُ حُكام المسلمين اليوم ليس عندهم علمٌ بالشرع، فيأتيهم فلانٌ يُموِّه عليهم، ألَم ترَ إلى أنَّ بعضَ علماء المسلمين المعتبرين قال: جميع مسائل الحياة ليس للشرع فيها تدخُّل! واشتبه عليهم الأمر، وقد قال هذا رجالٌ نشهدُ لهم بالصلاح، ولكن تَلَبَّس عليهم».(3) اهـ
وهذه العبارة الواضحة من الشيخ يستخلص منها: أن من وضع دستوراً أو تشريعاً منافياً للشرع مع جهله بحكم الشرع، أو مع اعتقاده أن حكم الله خيرٌ من حكمه، أو مع اعتقاده أن ذلك التشريع ينسجم مع الشريعة الإسلامية، فإنه لا يكون كافراً, وسواء سُمِّيَ كلامه الأخير (تراجعاً) أو سمي (تفصيلاً) إلا أن ظاهره يخالف الحصر الوارد في قوله السابق: «فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع».
وأيضاً فقد وجه الشيخ رحمه الله في هذه الفتوى الأخيرة نصيحةً أنقلها من باب الفائدة لنفسي ولإخواني القراء الكرام، حيث قال الشيخ رحمه الله: استمعت إلى شريط مسجل باسم أخينا أبي الحسن في مأرب، ابتدأه بالسلام عليَّ فأقول: عليك السلام ورحمة الله وبركاته.
وما ذكره من جهة التكفير؛ فهي مسألة كبيرة عظيمة، ولا ينبغي إطلاق القول فيها إلا مع طالب علم يفهم ويعرف الكلمات بمعانيها، ويعرف العواقب التي تترتب على القول بالتكفير أو عدمه، أما مع عامة الناس ؛ فإن إطلاق القول بالتكفير أو عدمه في مثل هذه الأمور يحصل فيه مفاسد.
والذي أرى أولاً: ألا يشتغل الشباب بهذه المسألة، وهل الحاكم كافر؟! أو غير كافر؟! وهل يجوز أن نخرج عليه؟! أو لا يجوز؟!
وعلى الشباب أن يهتموا بعباداتهم التي أوجبها الله عليهم أو نَدَبَهم إليها، وأن يتركوا ما نهاهم الله عنه كراهةً أو تحريماً، وأن يحرصوا على التآلف بينهم والاتفاق...إلخ كلامه رحمه الله.
ومن الأمور التي قد يكون لها صلةٌ بموضوعنا: أمرٌ لم يسبق ذكره مكتوباً - حسب علمي - وهو أن الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - قد قرأ الدستور الكويتي مرتين, فكان مضمون ما فهمتُه مِن جوابِه الذي نقله لي أحد مشايخي الأجلاء عمن سمعوا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، وكانوا مجموعة من مشايخنا الفضلاء في الكويت: أن دستور الكويت ممتاز ويحقق عدداً من المقاصد الشرعية والاجتماعية، باستثناء القليل من مواده التي ذكر الشيخ أنها مخالفة للشرع، فهذا ما تيسر ذكره في المقالة, والله أعلى وأعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
1- لقاء الباب المفتوح (الشريط: 6، السؤال: 22)، مجموع فتاوى ورسائل الشيخ (2/ 114).
2 - كلمة مفرغة من شريط للشيخ رحمه الله بعنوان «التحرير في مسألة التكفير» وقد نقلها الشيخ بندر العتيبي في كتابه حول الحكم بغير ما أنزل الله ص69.
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تراجع في عام 1420هـ عن الفتوى التي نقلها عنه د. فهد الخنة.
3- من شريط: فتاوى الأكابر في نازلة الجزائر.
لاتوجد تعليقات