من المستحيلات- بين المتسبب والمسؤول في كارثة منى؟
يخلط الناس بين المتسبب والمسؤول في الحوادث عموماً فإلقاء اللوم على المسؤول سهل ولكن البحث عن المتسبب صعب! إذا استوعبنا هذا عرفنا تماما الموقف المناويء ضد السعودية في حادثة منى الأخيرة.
فأعداء السعودية يلقون اللوم كاملا على المسؤول وهي السعودية، أقصد المسؤول عن أمن المكان وحفظ الحجاج، ولا يفكرون قدر أنملة في المتسبب للحادثة، وهذا غريب جدا! وهم بهذا لا يستهدفون غالباً إلا شيئين: الأول صرف الأنظار عن المتسبب الحقيقي وحمايته! والثاني: الضغط على السعودية لأهداف سياسية. وكلا الأمرين يجب رفضهما وبشدة، ليس من الحكومات والجهات الرسمية فحسب بل من كل مسلم؛ لأن هذا عبث بأقدس الأماكن حرمة عند المسلمين.
فيجب على المسلمين بمختلف مستوياتهم، حكاما ومحكومين أن يحترموا البيت الحرام ويعظموه، وأن يتجنبوا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، من الظلم والتعدي على الحجاج أو المعتمرين أو غيرهم؛ لأن السيئة فيه عظيمة كما أن الحسنات فيه مضاعفة، فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}(الحج: 25)، ومن يرد أي يهم ويقصد؛ فإذا كان من همَّ بالإلحاد وظلم في الحرم أو أراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعل الجريمة ذاتها؟
وبالتالي يجب أن يعرف المسلم أن التعدي على الناس وإيذاءهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل يعد من الكبائر.
ودعونا نقرب الصورة أكثر.. ما التصرف مع من بال في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ هل نلقي باللوم على الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وهم شهود على الحادثة أم على المتسبب نفسه وهو الأعرابي؟
الجواب نجده في الحديث الشريف من خلال فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله[: مه مه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تزرموه، دعوه». فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله -عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن». فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. (أي صبه عليه).
إذاً المتسبب الحقيقي للـ(الجريمة) هو الأعرابي (الجاهل) وليس (المتعمد)؛ لذا تعامل معه صلى الله عليه وسلم بحِكمة ورفق، أما لو كان معاندا ومكابرا لاختلف الأمر..
تماما كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع معاوية بن الحكم السلمي لما تكلّم في الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم موضحا: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»..هنا جاءت ردة فعل الصحابي معاوية -رضي الله عنه- على نصح النبي صلى الله عليه وسلم له قائلا: «فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما كَهَرَني ولا ضربني ولا شتمني»، ومعنى ما كهرني: أي ما انتهرني.
ومثال المعاند، ما ذكر عن (بُسْرُ بنُ راعي العِير) الذي دعا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تشل يده بعد أن رفض الانقياد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، والرواية: أنَ رجلا أكل عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشمالِه. فقال: «كُلْ بيمينِك» قال: لا أستطيعُ قال «لا استطعتَ» ما منَعَه إلا الكِبرُ. قال: فما رفعَها إلى فِيه.
لذا فعلى السعودية أن تعرف المتسبب، وأن تحمله المسؤولية الكاملة، فإن كان جاهلا فله أسلوب، وإن كان متعمدا فهناك العقوبة الرادعة، ومن العقوبة المنع من الحج والعمرة والدخول إلى السعودية، وللسعودية أن تتخذ كافة الإجراءات التي تحفظ أمن الحجيج والمعتمرين وسلامتهم.
ولا يمكن لأحد أن يلوم السعودية فيما تتخذ وتفعل حفاظا على ضمان إقامة المناسك، فكما أن المساجد لا تصلح لشيء من هذا الأذى، إنما هي لذكر الله -عز وجل- والصلاة وقراءة القرآن، فكذلك الحرم المكي، لا يصلح للمظاهرات ولا الصراخ ولا مضايقة الحجاج؛ فهو أفضل المساجد وأقدسها.
لاتوجد تعليقات