من الذي يصدر الإشاعات؟!
دخلت إلى ديوانية، فقال أحدهم: سمعت يا شيخ بتغيير الدوائر الانتخابية، وأن حكم من اقتحم المجلس كذا وكذا، وأنهم سيأتون بفلان وزيرا وبدأ يسرد عليّ، فقلت له: عذرا على المقاطعة من الذي أخبرك؟ فقال: يقولون!
اتصلت بثلاثة من النواب السابقين الحاليين وأقصد أعضاء في مجلسي 2009 و2012! فقلت: ما الجديد؟ فسردوا لي الإشاعات نفسها . فقلت: أنتم نواب يفترض بكم الدقة والتأكد وألا ترددوا الإشاعات ، فقال أحدهم: الحكومة عودتنا على هذا الشيء، فهي تصدر الإشاعات لقياس النبض، فإذا رأت المسألة قوية تركت وإلا استمرت!
الإشاعة تنبت الشر لأنها كذب، وخطر لأنها تدخل في آفات اللسان، وشر كبير لأنها توغر الصدور وتؤجج نار الفتن وتهدر الأموال وتضيع الأوقات وتورث الحسرة وتحزن القلب.
الواجب علينا جميعا التثبت، وألا نسمح لألسنتنا أن تنقل ولا لهواتفنا أن تنقل ولا لأقلامنا أن تكتب؛ لأننا حتما سنحاسب على كل لفظ أو كلمة، وعلينا جميعا التفكر في عواقب الإشاعة. والكويت لا تتحمل مزيدا من الصراعات والأزمات، وعلينا الظاهر في التعامل، وقد كرر معالي وزير الإعلام أكثر من مرة أن الجهات العليا ستطبق قرار المحكمة وأنه لا يريد مزيدا من الأزمات والصراعات ولكنها صفحة طويت. فهذا الكلام رأيناه وسمعناه في الوسائل الإعلامية بالصوت والصورة.
فلنتعامل بسلامة الصدر؛ لأن المستفيد الأول والأخير من هذه الصراعات والإشاعات هم الأعداء الذين يتربصون بنا الدوائر، وانظروا إلى ما حولكم، فالمنطقة تشهد تصعيدا واستعدادا لإشعال فتنة قادمة، والله أعلم متى ستكون ومتى ستنتهي وكم هي الخسائر؟ ونقول: اللهم سلم.. فهل يعقل أننا فقط نفكر في أنفسنا ولا نفكر في الماضي والحاضر والمستقبل ونتعلم من الحوادث والتاريخ؟! ولا أعتقد أن هناك تصعيدا لدى السلطة التنفيذية، فهم أهل خبرة واسعة وتجارب يتعلم منها الجميع، فواجبنا التثبت وإرجاع الأمر إلى أهله من أهل الاختصاص لعلاجه بحكمة وحنكة وتريث حتى لا تعاد الأخطاء، فلنعطهم فرصة.
والتثبت له طرائق كثيرة:
- أولا: إرجاع الأمر لاهل الاختصاص، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: ينبغي للعباد إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة، ما يتعلق بسرور المؤمنين أو الخوف الذي فيه مصيبة، عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي والعلم والعقل الذين يعرفون المصالح وضدها.. فإذا رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك، فإن رأوا أن فيه مصلحة ولكن فيه مفرقة تزيد على المصلحة لم يذيعوه.
- ثانيا: التفكر في محتوى الإشاعة التي قد تحمل في طياتها الكذب أو جس النبض كما يقولون، فهل ننقاد إليها ونجعلها من المسلمات؟! ولو أعطينا أنفسنا ولو لحظات للتفكر لتغير الوضع، قال تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم}.
- ثالثا: الناقل للإشاعة عُدَّ من الفاسقين، فهل يرضى المسلم بهذا الحكم؟! فمجرد النقل دون التأكد من صحة المنقول موجب للفسق، ففي حديث مسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع».
- رابعاً: التفكر في عواقب الإشاعات وخطورتها، وكم فتكت بأمم وكم توارث الناس العداوة بسببها، قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}، فالإشاعة خسارة للدولة وللأفراد وذهاب للأخلاق وتوارث العداوة والكراهية وإساءة الظنون وتلف للقيم والمبادئ وجرح للناس.
فيا إخواني وأخواتي علينا بوضع حد لهذه الإشاعة سواء كان المصدر وزيرا أم من الأسرة أم أي شخص في منصب قيادي أم كان نائبا سابقا أو حاليا، فعلينا أن نكف ألسنتنا وأقلامنا عنها، وعلينا التعامل بالظاهر ويستعد المسلم لأحسن الأحوال وأسوأ الأحوال ويكون على يقظة مستمرة: «فالمؤمن كيّس فطن», والمؤمن ليس بالخبّ ولا الخب يخدعه كما بين الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فبضاعة الإشاعة بضاعة مزجاة وليست من السياسة في شيء، فهل أنتم منتهون؟!
لاتوجد تعليقات