رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد الجسار 2 ديسمبر، 2021 0 تعليق

من الحقوق التي عظمتها الشريعة – طاعة ولي الأمر في المعروف

  

إن من أعظم الحقوقِ التي جاءت شريعتنا الإسلاميةُ ببيانها، والتأكيدِ عليها، والتذكيرِ بها، والتحذيرِ من مخالفتها: حقَّ ولي الأمر، فقد جعل اللهُ طاعةَ ولي الأمرِ تابعةً لطاعته -سبحانه- وطاعةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ} (النساء 59)، قال الإمامُ النوويُّ -رحمه الله-: «المراد بأولي الأمر مَنْ أوجبَ اللهُ طاعتَه من الولاةِ والأمراء، هذا قولُ جماهيرِ السلفِ والخلفِ مِن المفسرينَ والفقهاءِ وغيرِهم».

     {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}، هذا الخطابُ الربانيُّ موجهٌ إليكم أيها الناس، أمر اللهُ -عز وجل- بطاعته وطاعةِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وعطف على هذين الأمرين العظيمين بطاعة ولي الأمر، فلو لم يكن في طاعة ولي الأمر إلا أنه طاعة لله -تعالى- لكفى، فكيف وفي ذلك أيضا مصالحُ الدين والدنيا.

ضرورة وجود إمام يقود الأمة

      لقد اتفق العقلاء في كل الأمم على ضرورة الائتمام بإمام يقود الأمة، اتفقت على هذا الأمرِ كلُّ المجتمعاتِ والأمم، بل حتى في عالم الحيوان: الوحوشُ تسير، والطيور تطير بقائد يقودها، إنها الفطرةُ الصحيحة. ولذلك جاءت هذه الشريعةُ العظيمةُ تؤكدُها: فالإمامةُ ضرورةٌ دينيةٌ ودنيوية. فطاعةُ ولي الأمر أصلٌ من أصول العقيدة الصحيحة؛ لأنه لا دينَ إلا بجماعة، ولا جماعةَ إلا بإمامة، ولا إمامةَ إلا بطاعة.

وجوب طاعة ولي الأمر

      ولذلك فقد كان السلف -رحمهم الله- يولون هذا الأمرَ اهتماما خاصا نظرا لما يترتبُ عليه من حفظِ البلادِ وأمنِ العباد، وهو تطبيقٌ عمليٌّ لوصيةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، الذي قال: «عَلَى المَرْءِ المُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيما أحَبَّ وكَرِهَ، إلَّا أنْ يُؤْمَرَ بمَعْصِيَةٍ». متفق عليه. فطاعةُ وليِّ الأمرِ واجبةٌ على كل مسلمٍ، سواءً أمره بما يوافقُ طبعَه أم لم يوافقه، وإلا فما فائدةُ الأمرِ بالطاعةِ إنْ كانت فيما أحبه الإنسانُ فقط؟!، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «عَلَيْكَ السَّمْعَ والطَّاعَةَ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ، ومَنْشَطِكَ ومَكْرَهِكَ، وأَثَرَةٍ عَلَيْكَ» رواه مسلم. أي: تجبُ طاعةُ ولي الأمر فيما تحبه النفسُ وتكرهه، حتى لو كان في ذلك أَثَرَةٌ دُنيويةٌ عليك.

السلف وطاعة ولي الأمر

وإنَّ سلف هذه الأمةِ كانوا يدركون هذا الأصلَ العظيم، ويطبقون هذا المنهجَ القويم مع ولاةِ أمرِ المسلمين، وكانوا ينظرون إلى المصلحة العامة، وعواقبِ الأمور:

الطاعة عند الإمام أحمد بن حنبل

فهذا الإمام أحمدُ ابنُ حنبلَ -رحمه الله- يُسجنُ ويؤذى، ومع ذلك فعندما جاءه نفر من الوجهاء يستشيرونه في تركِ طاعةِ وليِّ الأمرِ، أنكر عليهم الإمامُ أحمدُ ونهاهم عن ذلك، وقال: «لا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصا المسلمين، ولا تسفكوا دماءَكم، ولا دماءَ المسلمينَ معكم، انظروا في عاقبة أمركم، ولا تعجلوا».

الطاعة عند ابن تيميةَ

     وهذا شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله- قد أوذي في الله، وسجن مرارا، ومع ذلك كان يُحَذِّرُ من الخروج على ولي الأمر، ويُحَذِّرُ من نزع اليد من طاعة ولي الأمر، وكان -رحمه الله- يقول: «المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروجَ على الأئمة». وقال -رحمه الله-: «لا يكاد يُعرفُ طائفةٌ خرجت على ذي سلطانٍ إلا وكان في خروجها من الفسادِ ما هو أعظمُ من الفسادِ الذي أزالته».

المنفعةُ للعباد والبلاد

     إن الاتفاقَ على طاعةِ ولي الأمر فيه المنفعةُ العامةُ للعباد والبلاد، فبطاعته تتفق الكلمة، ويسود الأمن بإذن الله، وإن الإنسان يحتاج إلى تذكيره دائما بما عليه من الواجباتِ لكي يؤديَها فيَسلم، ولا يُقصرَ فيها فيأثم. وأما الحقوقُ فعادةُ النفسِ البشريةِ أن تطلُبَها دون أن يُطلبَ منها ذلك؛ ولذلك جاءت النصوص الشرعيةُ تُذكّرُ الرجالَ بحقوق النساء عليهم، وجاءت تُذكّرُ النساءَ بحقوق أزواجِهن عليهن، وجاءت تُذكّرُ الوالدين بحقوق أولادهم، وتُذكّرُ الأولادَ بحقوق الوالدين عليهم، وهكذا.

النصح لولي الأمر

     فيجب أن نؤدي ما علينا، فإننا عن ذلك مسؤولون، ولنعلم أن من حق ولي الأمر أن ننصح له، ونعينه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قالوا: لِمَنْ؟ قالَ: للهِ، ولِكِتابِهِ، ولِرَسولِهِ، ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ» رواه مسلم. قال الحافظ ابنُ رجب -رحمه الله- عن معنى النصيحةِ لأئمةِ المسلمين: «حبُّ اجتماعِ الأمةِ عليهم، وكراهةُ افتراقِ الأمةِ عليهم، والتدينُ بطاعتِهم في طاعةِ الله -عز وجل».

 

إعانتُهم على ما حُمِّلوا القيامَ به

ومن النصيحةِ لأئمة المسلمين إعانتُهم على ما حُمِّلوا القيامَ به، وجمعُ الكلمة عليهم، وإسداءُ المشورةِ النافعةِ لهم، والدعاءُ لهم بالصلاح والتسديدِ في الأمر، فإن الدعاءَ لهم هو من أعظم النصحية، وهو دأب سلفكم الصالح. قال الفضيلُ بنُ عياض -رحمه الله-: «لو كان لي دعوةٌ ما جعلتها إلا في السلطان».

الاجتماع حول ولي الأمر

     إن الاجتماعَ حول ولي الأمر فيه القوة والمنعة، كما أن التفرق والتنازع فيه الضعف والفشل، والعياذ بالله. قال -تعالى-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال 46)، أي تذهبَ قوتُكم ودولتُكم. قال عبدُاللهِ بنُ مسعود - رضي الله عنه -: «يَا أَيُّهَا الناسُ! عليكم بالطاعَةِ والجماعَةِ، فإِنَّها حَبْلُ اللهِ الذِي أَمَرَ بِهِ، وَإِنَّ مَا تَكْرَهُونَ في الجماعَةِ خيرٌ مِمَّا تُحِبُّونَ في الفُرْقَةِ».

وَحدة المجتمعِ أمانةٌ

إنَّ وَحدةَ المجتمعِ أمانةٌ في أعناقنا، ويجب علينا جميعا أنْ نَحْرُسَ هذه النعمة، وأن نستشعرَ دائما نعمةَ الأمن والأمان، فقد حُرِمَها كثيرٌ من الأوطان، فعليكم بالوَحدةِ والتماسك، والسمعِ والطاعة، فإنَّ يَدَ اللهِ مع الجماعة. فاللهم أدم علينا نعمة الأمن والأمان، وألف بين قلوبنا، واحفظ إمامَنا ووليَّ أمرنا، وكن معه بالتأييد والتسديد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك