رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر التربوي 30 يوليو، 2017 0 تعليق

من أهم مرتكزات العملية التربوية – فهم شخصية الطالب ومعرفة ميوله

 

أهم نقطة ترتكز  عليها العملية التربوية هي فهم الطالب، أي: فهم شخصيته، ومعرفة ميوله، وتشخيص عيوبه، حتى يسهل على المربي تناول هذه الشخصية بالتربية على بصيرة وهدى، لا أن يكون الأمر بطريقة عشوائية.

لذلك تبرز عندنا تساؤلات عدة منها:

ماذا نعني بفهم الطالب؟

والجواب على هذا السؤال ينتظم في أربعة أمور، وهي:

1- فهم شخصية المتربي:

     يحتاج المربي أن يفهم شخصية كل مترب؛ لأنه يتعامل مع نفسيات بشرية مختلفة ولذلك نقول: إن مهمة المربي أصعب من مهمة الطبيب؛ لأن الطبيب يتعامل مع أعضاء بشرية لها التركيبة العضوية والجسدية نفسها، أما المربي فإنه يتعامل مع نفوس بشرية وبالتالي فهي متفاوتة ومتباينة.

2- معرفة الميول:

وهذه الميول قد تكون محمودة وقد تكون مذمومة، والمطلوب من المربي إن كانت الميول محمودة أن ينميها، وإن كانت مذمومة أن يعالجها بصبر ورفق ولين.

3- تشخيص العيوب:

     قد يكون عندك طالب متميز داخل المحضن التربوي إلا أن به عيوبا عدة! كأن يكون فاقدا للشخصية بنفسه، أو غير قادر على المواجهة، أو يميل للانطوائية، أو أنه مندفع ومتهور، أو يغلب عنده الجانب الحركي على الجانب الإيماني، أو العكس، وغيرها من العيوب، وهنا يبرز دور المربي في تشخيص هذه العيوب، ثم تحديد العلاج، ثم مباشرة العلاج مع المتربي تدريجيا حتى يتم القضاء على هذه العيوب تماما.

4- حصر خصال الخير والأخلاق الحميدة:

     في الاتجاه الآخر يحتاج المربي أن يتعرف إلى إيجابيات شخصية المتربي لتنميتها وتطويرها وتوظيفها؛ فقد يكون عندك طالب داخل المحضن التربوي له صوت ندي، أو صاحب فصاحة وبلاغة، أو له شخصية متحركة محبوبة عليها بوادر القيادة، أو آخر جريء مقدام يتحمل المسؤولية ويتبنى القضية، وغير ذلك من الخصال الطيبة والبارزة؛ فيكون دور المربي في هذا الجانب هو اكتشاف هذه الإيجابيات، ثم تطويرها وتنميتها، ثم توظيفها بعد ذلك التوظيف الصحيح داخل العمل الدعوي.

لماذا نحتاج أن نفهم الطالب؟

ونجمل الجواب عن هذا السؤال في أربع نقاط، وهي:

1- للانتقاء: فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: «إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة» (متفق عليه)، أي: الطاقات محدودة، وليس كل الناس بالكفاءات نفسها والقدرات، فمن ثم ينبغي على المربي اختيار من يصلح لإعطائه مزيدا من الجهد والتركيز للحصول على الثمرة المرجوة. وقد كان هذا ديدن سلفنا في اختيار تلاميذهم ومن يحيطونهم برعايتهم وعنايتهم، يقول الحافظ ابن جماعة -رحمه الله-: «كان علماء السلف الناصحون لله ودينه يلقون شبك الاجتهاد لصيد طالب ينتفع الناس به في حياتهم ومن بعدهم».

2- للتوظيف والتكليف: فالناس تتفاوت في الإمكانات والقدرات تفاوتا من عند الله، ومن ثم يختلف ما يناسبهم من العمل باختلاف قدراتهم وإمكاناتهم.

     وهناك عناصر ثلاثة يتحدد على ضوئها ما يصلح له المتربي من العمل، وهي: «ميول المتربي - إمكاناته- احتياجات العمل الدعوي» فينبغي أن يتحدد مسار المتربي وفق هذه العناصر جميعها، وليس فقط كما يحدث في كثير من الأحيان أن نعتد العنصر الأخير فقط! بل الصحيح اعتداد الجميع.

3- لتحديد طريقة مثلى للتعامل تراعي الفروق الفردية:

إن توحيد أسلوب التعامل مع الشخصيات بأنواعها أمر غير صحيح؛ إذ إنه يفترض التطابق والتساوي في النفسيات والعقول، وهذا غير متحقق!

     بل النفس الواحدة متغيرة، كما أن العقول أيضا متفاوتة، والمربي الذي يتعامل مع مجموعة من المتربين ينبغي عليه أن يراعي ذلك في تعامله معهم، وأول خطوة في هذا الاتجاه: فهم هذه الشخصيات والعقول وتحليلها، ثم بعدها نحدد أسلوب التعامل مع كل شخصية حسب طبيعتها.

     فانظر إلى توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم - للصحابة: يقول لعبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-: «نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل»، وقال للأعرابي عندما أخبره أنه لن يزيد على المكتوبات: «أفلح إن صدق» وهذا يدل على فهم هذه الشخصيات، وفهم الفروق الفردية بينها.

4- لمعرفة التغير التربوي في مستوى المتربي وتقويمه من فترة لأخرى:

     وذلك للتأكد من أن العمل التربوي يحقق أهدافه، علي أن يتم ذلك وفق معايير موضوعية تقاس عليها المعلومات المتحصلة من تحليل شخصية المتربي ورصدها ومتابعة تطورها، مع ملاحظة عدم الاقتصار  على جوانب محدودة مثل: الجانب العلمي والجانب الفكري، مع إهمال بقية الجوانب مثل: المستوى الإيماني والأخلاقي والحركي.

كيف نفهم الطالب؟

نستطيع فهم الطالب من خلال أمور عدة:

1- الاحتكاك:

     فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم - حريصا على الاحتكاك بالصحابة -رضي الله عنهم- فكان يتفقدهم، ويسأل عن أحوالهم، ويعود مريضهم، ويشاطرهم أفراحهم وأحزانهم، وهكذا. والهدف هو الاحتكاك والمعايشة عن قرب حتى يفهم شخصيات هؤلاء الصحابة، فبالاحتكاك والمعايشة تتضح جوانب من الشخصية يصعب أن تتضح بغيرهما.

     ولتوضيح ذلك أكثر نضرب مثالا: في كل خلاف بين زوجين لو سأل أحدهما لقال لك -غالبا-: إنه قد اكتشف في شريكه عيوبا لم يكن يعلمها من قبل، ولو علمها ما اقترن به! فلو قارنت بين ذلك وبين حالهما في بداية الزواج لوجدت أنهما لم يتزوجا ابتداء إلا بعد أن اقتنع كل منهما بالآخر، ورضي به بعد سؤال وتمحيص، فما الذي طرأ؟

إنها المعرفة الناتجة عن الاحتكاك والمعايشة.

لذلك من المهم جدا إشراك الشباب في الأنشطة والاحتكاك بهم والتعايش معهم حتى تستطيع أن تفهم شخصياتهم ومميزاتهم وعيوبهم وأخطاءهم، ثم تتخذ الإجراءات اللازمة لكل ذلك.

2- الكلام والحوار:

فاللسان يعبر عن صاحبه ويبين حاله، ومهما تحفظ الرجل فلا بد أن يظهر لسانه حاله ولو بعد حين؛ إذ اللسان يغرف من القلب، وما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على قسمات وجهه وفلتات لسانه.

فاللسان بحق ترجمان العقل والنفس.

وكان أحد العقلاء يسأل تلامذته ويستنطقهم ويشجعهم على السؤال، فرأى يوما أحد تلامذته صامتا، فقال له: تكلم حتى أراك.

أيها المربي، تعود أن تسمع من الشباب.

أيها الأب في البيت، تعود أن تسمع من أولادك.

أيها المعلم، لا تتكلم أكثر مما تسمع من الطلبة.

3- الملاحظة:

مما يعينك أيضا على فهم المتربي الملاحظة؛ فأنت في المحاضن التربوية ترى شابا شجاعا، وآخر كريما، وآخر متفلتا وهكذا.

ويمكنك معرفة ذلك عن طريق ملاحظتك لأفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم.

فرق شاسع بين شاب يقول لك: «بعد إذنك، سآخذ هذا الشيء» ويأخذه ويمضي قبل الإذن له! وشاب يقول لك: «بعد إذنك، سآخذ هذا الشيء» وينتظر أن تقول له: «تفضل». ولكي تفهم الشخصية التي أمامك يجب أن تلاحظها.

     فانظر -مثلا- إلى ملاحظة النبي -صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- وكيف استنبط أنه سيكون من المتميزين في المستقبل، فيروي لنا هذا الموقف عبدالله ابن مسعود -رضي الله عنه- فيقول: «كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر، وقد فرا من المشركين، فقالا: «يا غلام، هل عندك لبن تسقينا؟» فقلت: إني مؤتمن، ولست بساقيكما. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل؟»، فاعتقلها النبي -صلى الله عليه وسلم -  ومسح الضرع ودعا، ثم أتى أبوبكر بصخرة مُنقَعِرة، أو مُنقَّرة، فاحتلب منها، فشرب وشرب أبوبكر -رضي الله عنه - وشربت، ثم قال للضرع: «اقلص»، فقلص فأتيته بعد ذلك، فقلت علمني من هذا القول، قال: «إنك غلام معلّم». فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد». فانظر كيف لاحظ النبي -صلى الله عليه وسلم - في ابن مسعود -رضي الله عنه- حرصه واهتمامه بالعلم والحفظ، فعلمه سبعين سورة، فصار من علماء الأمة الذين حفظوا عليها دينها.

     وانظر  إلى ملاحظة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لهذا الشاب؛ فعندما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد:24)، قال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها! حتى يكون الله -عز وجل- يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر -رضي الله عنه - حتى ولي فاستعان به».

4- طلب التوفيق من الله:

     أكثر شيء يسهل عليك عملية فهم المتربي قبل كل ما ذكرناه هو طلب التوفيق من الله -عز وجل-  حتى لا تركن إلى نفسك وإلى قدراتك، فقد حكى الله -تعالى- عن نبيه هود -عليه السلام- أنه قال: «وما توفيقي إلا بالله} (هود:88)، قال ابن القيم -رحمه الله-: «أجمع العارفون بالله على أن الخذلان أن يكلك الله إلى نفسك، ويخلي بينك وبينها، والتوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك».

لذلك ما أحوجنا في العمل الدعوي والتربوي إلى طلب التوفيق من الله -عز وجل-! حتى نحسن فهم المدعوين والمتربين.

قيل لمعاذ بن معاذ: «كيف أثرت في الناس؟ قال: كنت أدعوهم بالنهار وأدعو لهم بالليل» فالموفق من وفقه الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك