رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 13 يونيو، 2017 0 تعليق

من أهم أهداف الصيام – ترويض النفس وتكفير الذنوب وتقوى الله والشفاعة يوم القيامة

 

للعبادات الشرعية التي يؤديها المسلمون غايات وأهداف، أراد الله -تعالى- من عباده أن يعلموها ويفهموها؛ ليصلوا إليها، ويحققوا مراد الله منها، ومن تلك العبادات صيام شهر رمضان، فإن له أهدافاً ينبغي أن يضعها المسلم نصب عينيه، كي يقصدها بقلبه وعمله.

بلوغ التقوى

      قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، فالصيام وسيلة لبلوغ التقوى، بل عبادة الله كلها وتوحيده وسائل للوصول إلى التقوى، كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:21)، والأخذ بالدين والكتاب وسيلة لبلوغ التقوى، قال -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 63)، والتقوى كما عرفها طلق بن حبيب: «هي أن تعبد الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تتجنب معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله».

فالغاية من الصيام هي التقوى وليس الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة فقط، بل الله -تعالى- غني عن صيام هذه الطائفة، كما قال صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس الله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري، وقال أيضاً: «ورُبَ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» رواه أحمد.

     والصيام في نفسه من أعظم ما يحجب عن ارتكاب المحرمات، ويصد عن مواقعتها، فقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة ] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم - مرتين - والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»، وفي رواية: «الصيام جنة من النار» أخرجها النسائي.

الثواب الجزيل

كما قال صلى الله عليه وسلم  فيما يرويه عن ربه في الحديث السابق: «الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها»، قوله: «الصيام لي وأنا أجزي به» يدل على عظمة العطاء؛ فإن الكريم إذا قال: أنا أعطيه بنفسي، دل على عِظم العطية.

ترويض للنفس

     الصوم ترويض للنفس وتعويد لها على الانقياد لله -سبحانه وتعالى- ولرسوله [ عن الصيام عن الأكل والشرب والنكاح في وقت معين، ويتعود من ذلك منع نفسه من الشهوات المحرمة في سائر الأوقات؛ لأن نفسه أصبحت مطيعة له، ولأن الشيطان أقدر على النفس الشهوانية الحيوانية، فإذا انقطعت عن شهواتها ضاقت مجاري الشيطان ومداخله على النفس، وقد جاء في الحديث الصحيح: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» متفق عليه.

الصيام يشفع لصاحبه

لحديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: أي رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان». رواه أحمد.

تكفير الذنوب

صيام رمضان يكفر الذنوب لقوله صلى الله عليه وسلم : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر». رواه مسلم، وذلك مشروط باجتناب كبائر الذنوب كما في الحديث؛ إذ لابد لها من توبة خاصة بها، وقوله صلى الله عليه وسلم : «من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه». متفق عليه.

إيماناً: أي أنه ينبغي على من يصوم رمضان أن يكون مؤمناً بفرضيته ووجوبه.

واحتساباً: أن يكون محتسباً للأجر، فيكون صيامه إخلاصاً الله لا تقليداً لمجتمعه وأهله وعاداتهم.

بلوغ شهر رمضان نعمة فاغتنمها

قال معلى بن الفضل: كانوا أي (السلف) يدعون الله -تعالى- ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: اللهم سلمني رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.

     بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرؤي في المنام سابقاً لهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أليس قد مكث هذا بينهما سنة فأدرك رمضان فصامه وصلى كذا وكذا سجدة في السنة؟ فلما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض». رواه البيهقي بسند صحيح، فمن رُحم في شهر رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزود فيه لمعاده فهو ملوم.

وكم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله، فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومؤمل غداً لا يدركه. إنكم لو أبصرتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.

     خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فقال فيها: «إنكم لم تخلقوا عبثاً، ولن تتركوا سدى، وإن لكم مَعاداً ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحُرم جنة عرضها السموات والأرض، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون؟ كذلك حتى ترد إلى خير الوارثين. وفي كل يوم تشيعون غادياً ورائحاً إلى الله قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب وفارق الأحباب، وسكن التراب، وواجه الحساب، غنياً عما خلف، فقيراً إلى ما أسلف، فاتقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذنوب أكثر مما أعلم عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه». ثم رفع طرف ردائه وبكى حتى شهق، ثم نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات رحمة الله عليه.

     وقد جاءت آيات بينات محكمات في كتاب الله المجيد، تحض على الصيام تَقَرُّباً إلى الله عز وجل، وتبين فضائله، كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب  آية 35، وقوله جل شأنه: {وأن تّصٍومٍوا خّيًرِ لَّكٍمً إن كٍنتٍمً تّعًلّمٍونّ} (البقرة: 481).

وقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في الثابت من السنة أن الصوم حصن من الشهوات، ومن النار جنة، وأن الله تبارك اسمه خصه بباب من أبواب الجنة، وأنه يفطم الأنفس عن شهواتها، ويحبسها عن مألوفها، فتصبح مطمئنة، وهذا الأجر الوفير، والفضل الكبير تُفصِّلهُ الأحاديث الصحيحة الآتية أحسن تفصيل، وتبينه أتم بيان:

الصوم جُنَّة

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم  من اشتدت عليه شهوة النكاح ولم يستطع الزواج بالصيام، وجعله وجاءً لهذه الشهوة، لأنه يحبس قوى الأعضاء عن استرسالها، ويُسكن كل عضو منها، وكل قوة عن جماحها ويلجمها بلجامه، فقد ثبت أن له تأثيراً عجيباً على حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة.

لهذا كله قال -صلى الله عليه وسلم -: إن الجنة محفوفة بالمكاره، وأن النار حُفَّت بالشهوات، فإذا تبين لك أيها المسلم أن الصوم يقمع الشهوات ويكسر حدتها، وهي التي تقرب من النار، فقد حال الصيام بين الصائم والنار، لذلك جاءت الأحاديث مصرحة بأنه حصن من النار، وجنة يستجن بها العبد من النار:

قالصلى الله عليه وسلم : «ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك وجهه عن النار سبعين خريفاً». متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم : «الصيام جنة يستجن بها العبد من النار» أخرجه أحمد بسند صحيح.

وقال صلى الله عليه وسلم : «من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض». أخرجه الترمذي.

الصوم يدخل الجنة

علمت أيها الأخ الطائع، وفقك الله لطاعته، وأيدك بروح منه، أن الصوم يباعد صاحبه من النار، فهو إذن يدنيه من بحبوحة الجنة. فعن أبي أمامة ] قال: قلت يارسول الله، دلني على عمل أدخل به الجنة، قال: «عليك بالصوم، لا مِثْلَ له». أخرجه النسائي بسند صحيح.

3- يُوفى الصائمون أجورهم بغير حساب.

4- للصائم فرحتان.

5- خُلُوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

     ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقى ربه فرح بصومه». متفق عليه.

وفي رواية للبخاري: «يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها».

وفي رواية لمسلم: «كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مئة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك».

الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما

قال صلى الله عليه وسلم : «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الصيام والشهوة، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، قال: فيشفعان». أخرجه أحمد بسند حسن.

الرَّيَّان للصائمين

عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق، فلم يدخل منه أحد، (فإذا دخل آخرهم أُغلق، ومن دخل شرب ومن شرب لم يظمأ أبداً)». متفق عليه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك