رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.أحمد فريد 4 أبريل، 2016 0 تعليق

من أنواع التربية الواجبة- التربية على العفة والاستعفاف

مما ينبغي أن يتربى عليه الشباب المسلم الذي يستهدف إقامة المجتمع المسلم، وإعادة الخلافة على منهاج النبوة، التربية على العفة والاستعفاف.

الطريق إلى العفة:

فمن أراد الوصول إلى هدف سام ينبغي له أن يسلك الطريق الموصلة إليه، وأن يأخذ بأسباب تحصيله، فما هي الأسباب الموصولة إلى العفة؟

وبمعنى آخر: كيف يكون الاستعفاف؟ الذي هو طلب العفة. وهذه جملة أسباب بحسب الاجتهاد لا الحصر:

1- تقوية الإيمان:

فإذا ضعف إيمان العبد صار لا يتورع عن المعاصي والشبهات، ويتكاسل عن الطاعات الواجبات: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق وهو مؤمن..» (رواه البخاري: 6806، ومسلم 1031.

     فإذا كانت شجرة الإيمان ضعيفة في قلب العبد، فإنها لا تثبت إذا أتتها عواصف الشهوات أو الشبهات، فمن أراد الثبات على الإيمان والبعد عن معصية الملك الديان فعليه بتقوية شجرة الإيمان وإحياء وازع التقوى، واستشعار مراقبة الله -عز وجل- له، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ۖ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الحديد: 4).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان درجة الإحسان: «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فهو يراك» (رواه البخاري (5، 4777)، ومسلم (8، 9). مهما استشعر القلب حلاوة الإيمان والمراقبة فإنه يستحي من مخالفة أمره، وارتكاب نهيه:

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل                                           خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة                                                     ولا أن ما يخفى عليه يغيب

راود رجل أعرابية في ليلة شديدة الظلمة، وقال لها: «والله، ما يرانا إلا الكواكب، فقالت: فأين مكوكبها؟!».

والتقوى: هي علم القلب بقرب الله سبحانه.

2- إحياء الآداب الإسلامية:

كآداب النظر والخلطة والاستئذان: فإذا أهمل العبد هذه الآداب الإسلامية دخل عليه الشر، فمن أطلق لحظاته دامت حسراته.

قال بعضهم:

كل الحوادث مبدؤها من النظر                                         ومعظم النار مستصغر الشرر

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها                                      فعل السهام بلا قوس ولا وتر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها                                              في أعين الناس موقوف على خطر

يسر مقلته ما ضر مهجته                                                  لا مرحبا بسرور عاد بالضرر

     وكذا البعد عن أماكن الاختلاط والفجور، والتبرج والسفور، ومخالطة أصحاب الشهوات، والمعرضين عن طاعة رب الأرض والسماوات، فإن في خلطة هؤلاء ترغيبا في الدنيا الدنية والشهوات الدنيوية، أما مخالطة أهل  الزهد والورع والرغبة في الآخرة، فإنها ترغب فيما عند الله من نعيم، وتزهد في زينة الدنيا الفانية.

     وكذا مراعاة الآداب الاستئذان، فلا يهجم على أحد بغير استئذان، ولا يقف أمام الباب عند الاستئذان، حتى لا تقع عينه على عورة غافلة، وقد قدمنا في باب التربية على الآداب النبوية والسنن المصطفوية هذه الآداب بشيء من الإسهاب، فلا نطيل بذكرها، والله الهادي.

3- البعد عن المثيرات الجنسية:

قال الدكتور عبدالله ناصح علوان: «من المسؤوليات الكبرى التي أوجبها الإسلام على المربي أن يجنب ولده ما يثيره جنسيا، ويفسده خلقيا، وذلك حينما يبلغ سن المراهقة، وهو السن الذي يتراوح ما بين العاشرة إلى البلوغ.

     ولقد أجمع علماء التربية والأخلاق على أن مرحلة المراهقة هي من أخطر المراحل في حياة الإنسان، فإذا عرف المربي كيف يربي الولد، وكيف ينتشله من أوحال الفساد وبيئات الانحلال، وكيف يوجهه التوجيه الأمثل: فعلى الأغلب أن الولد ينشأ على الخلق الفاضل، والأدب الرفيع، والتربية الإسلامية السامية». (تربية الأولاد في الإسلام (2/523)).

- فمن المثيرات الجنسية التي ينبغي أن يتجنبها الشباب: أماكن التبرج والتهتك والسفور، كالأسواق، والشواطئ، وأماكن اللهو والمتنزهات.

- من المثيرات الجنسية : الصور الفاضحة التي تمتلئ بها الجرائد والمجلات التي يقوم عليها تجار الشهوات، الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا.

- ومن ذلك المسلسلات الهابطة والأفلام الساقطة التي تعرض على شاشة التلفاز والفيديو وأجهزة استقبال البث المباشر التي تنقل إلى بيوت المسلمين الحياة الغربية العفنة التي مات فيها الحياء، وذهبت الغيرة، وضاعت الأخلاق، واختفت معاني الشرف والمروءة، وصار الناس أضل من البهائم: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ}(محمد: 12).

فإذا ألف الناس رؤية المتبرجات والمتهتكات، ورؤية الاختلاط الماجن بين الرجال والنساء، فإنهم لا يستقبحون القبيح، ولا ينكرون المنكر، فينبغي أن يصون المسلم سمعه وبصره وجوارحه من كل ما يثيره، حتى يحيا حياة عفيفة طاهرة مطمئنة نظيفة.

     ومن أجل منع الإثارة الجنسية، أوجب الإسلام على المرأة إذا بلغت سن الرشد الالتزام بالحجاب عند خروجها، وجعل للعورة حدودا؛ فلا يكشف من المرأة ما يثير فتنة، ولا يظهر شيئ من حسن أو جمال، وجعل لباس المرأة لا يصف الجسم، ولا يشف عنه، قال صلى الله عليه وسلم : «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» والحديث رواه مسلم (2128). تربية المراهق، ص: 109.

     وقال النووي: «هذا الحديث من معجزات النبوة؛ فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان، وفيه ذم هذين الصنفين، قيل: معناه كاسيات من نعمة الله، عاريات من شكرها، وقيل: تستر بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه، وقيل: معناه تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها، أما مائلات، فقيل: معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه، مميلات، أي: يُعلِّمن غيرهن فعلهن المذموم» شرح  النووي على صحيح مسلم (14/956).

4 - التبكير بالزواج:

عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (رواه البخاري (5065)، ومسلم (1400).

     فإذا بلغت الفتاة سن الزواج، وتقدم لها من هو كفء لها، فعلى وليها أن يبادر بتزويجها، وكذا الشاب إذا كان عنده مؤن الزواج، أو يملك والده أن يزوجه، فعليه أن يبادر إلى تزويجه، فإن الزواج أغض للبصر، وأحصن للفرج، وإن لم يفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

     يقول الدكتور بدير محمد بدير: حثت السنة المطهرة على المسارعة يتزويج الشباب؛ فالزواج سبب من أسباب الاستقرار النفسي والإشباع الغريزي الفطري عن طريق نظيف مشروع، وذلك حتى يسلم الشباب من الانحلال الخلقي، وشيوع الفاحشة، والاتصال الحرام، وتفشي الأمراض الفتاكة بين الشباب، تلك الأمراض التي تقضي على النسل، وتوهي القوة، وتنشر الوباء، وتكون سبب العداوة والبغضاء. (منهج السنة النبوية في تربية الإنسان. ص: 119).

     ويقول الدكتور عبدالعزيز بن محمد النغيمشي ما ملخصه: «وهكذا نجد أن الإشباع الغريزي حاجة ملحة في مرحلة المراهقة، وأن النضج المبكر يقتضي الإشباع المبكر، ويكون ذلك بالزواج المبكر، والزواج المبكر هو الأصل والطريق الطبيعي الفطري لتلبية الحاجة العزيزية، والشوق والميل إلى الجنس الآخر؛ بسبب هذه الحاجة الملحة، والأسباب الأخرى أمر يُقعِّدُه المنهج الإسلامي ويؤصله، وبين الأسلوب الناجح في إشباعه وتوجيهه، وقد سبقت الإشارة إلى أن المنهج الإسلامي منهج فطري واقعي في كل مطالبه وتشريعاته» (المراهقون.. دراسة نفسية إسلامية للآباء والمعلمين والدعاة. ص: 87 - 88 دار طبية).

5- اختيار الصحبة الصالحة:

     التي ترشد إلى الخير وتعين عليه، وتحذر من الشر وتمنع منه؛ فمن أراد سلامة دينه ودنياه، وصيانة نفسه وعفتها وكرامتها؛ فعليه بالانضمام إلى رفقة صالحة تؤنسه في غربته، وتعينه على طاعته، فليس شيء أنفع للعبد من مجالسة الصالحين والنظر إلى أفعالهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة».

فمن وفق للصحبة الصالحة أخذت بيده إلى طريق العفة والنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، ومن سقط في رفقة فاسدة أضاعت عليه دنياه وآخرته، ولم ينل منها إلا الصفقة الخاسرة والتجارة البائرة.

     يقول الأستاذ محمد حامد الناصر: «ولعظم الأثر الذي تحدثه الرفقة، ووضوح هذا التأثير في شخصية الصديق وسماته صار المربون والمجربون يعرفون المرء من رفقائه وجلسائه، ويقومونه بمعرفتهم لأصدقائه وقرنائه، وقد جاء في الأثر: وإياك وقرين السوء، فإنه به تعرف.

ونادى الحكماء باستخدام هذا المقياس الدقيق للتعرف على شخصية الإنسان وشمائله، حتى قال بعضهم:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه                               فكل قرين بالمقارن يقتدي

(تربية المراهق في رحاب الإسلام، ص: 248، ط. دار رمادي للنشر، ودار ابن حزم).

6 - ومما يعين على العفة: التسامي والاستعفاف، عملاً بقول الله -عز وجل-: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}(النور: 33). ويقول النبيصلى الله عليه وسلم : «ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه وجاء» (رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400).

     والمقصود بالتسامي والاستعفاف هو أن يجتهد المسلم بكل طاقته في العبادة والطاعة والدعوة إلى الله -عز وجل- وأن يكثر من الصيام الذي يكسر الشهوة، وتذل به النفس، فيقوى عليها المؤمن ويطوعها لله -عز وجل- والنفس إن لم تشغلها بالحق، شغلتك بالباطل والمعاصي، وقد وعد الله من سلك طريق العفة والاستعفاف بتيسير أمر الزواج الذي يشبع فيه العبد نفسه بما شرعه الله -عز وجل- وأحله، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}(النور: 33).

     قال الدكتور عبدالله ناصح علوان ما ملخصه: فالتسامي هو أن تنفس عن نفسك بجهد روحي، أو عقلي، أو قلبي، أو جسدي، يستنفذ هذه القوة المدخرة، ويخرج هذه الطاقة المحبوسة بالالتجاء إلى الله، والاستغراق في العبادة، أو بالانقطاع إلى العمل، والانغماس في البحث، أو بالجهد الجسدي والإقبال على الرياضة، والعناية بالتربية الدينية، أو البطولة الرياضية. (تربية الأولاد في الإسلام 1/593).

7 - ومما يعين على العفة، معرفة بعض المواقف الإيمانية في العفة والاستعفاف:

     كموقف نبي الله يوسف - عليه السلام - وعفته عن امرأة العزيز، وهي التي راودته عن نفسه، وهو في بيتها، وغلقت الأبواب، وقالت: هيت لك، فاعتصم بالإيمان، ولجأ إلى الله الرحمن، وقال{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (}(يوسف: 23).

ومن ذلك قصة مرثد بن أبي مرثد الصحابي رضي الله عنه ، عندما دعته عناق للزنا، فأبى، وقال: يا عناق إن رسول الله قد حرم الزنا، وانظره مفصلا عند أبي داود (2051).

وغير ذلك من الموافق الإيمانية الشريفة، وقد ذكرنا جملة من ذلك في كتاب: (مواقف إيمانية) فلا نطيل بإعادة ذكرها. والله المستعان.

وللحديث بقية إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك