رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 17 مارس، 2019 0 تعليق

من أعظم الواجبات على الأمة – صيانة جناب التوحيد من العقائد المنحرفة


صيانة التَّوحيد عن الأخطار التي تحيق به من أعظم الواجبات على الأمة؛ فالمسلم يجب عليه أن يحرس عقيدته من كُلِّ ما يصادمها، ولا سيما في ظل الأخطار المتعددة التي تحيط بها وتهددها، ومن ذلك ما يتعلَّق بالعقائد الأجنبية التي دخلت على المسلمين، وتمثل في حقيقتها صورة من صورٌ الوثنيات والشِّركيات والشَّعوذة والدَّجل، ومنها ما سمي بعلوم الطاقة وغيرها من العلوم الزائفة التي تناسى القائمون عليها أنَّ الله -سبحانه وتعالى- هو مدبِّر الأمر: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (الأعراف: 54)، كما تناسوا بأنَّ الغيب المطلق لله لا يعلمه إلَّا هو؛ قد استأثر بعلم المستقبل، واختصَّ ذلك بنفسه:  {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} (النمل: 65)، وللتعرف على هذه الأخطار وما يتعلق بها من علوم التقت الفرقان د. فوز الكردي -عضو هيئة التدريس بجامعة جدة.

- ما تقييمك لمستوى الوعي بخطورة العقائد المنحرفة في مجتمعاتنا العربية؟

- ما يزال الوعي بخطورة العقائد المنحرفة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا يتناسب مع حجم الخطر وحقيقة الضلال، ولكنه بفضل الله يتزايد بعد افتضاح كثير من أساليب المروجين لهذه العقائد، وعودة بعض من انغمسوا فيها إلى الحق بفضل الله، وزاد أكثر بعد أن تجلت مخاطرها ومحاذيرها على النفس والدين والعقل والمال والعرض؛ فقد انتشرت أخبار الطوائف الروحانية التي مارست هذه التطبيقات ولم تصل إلى السلام والرقي الذي تدعيه، بل تعدت وقتلت أنفسا كما في طائفة (أوشو) في أمريكا، والطوائف التي انتحرت كما حصل في اليابان، ونشرت الصحف أخبار فلان وفلان من باعة الوهم الذين أكلوا أموال من أملوهم بالشفاء والسعادة وهما، ونرى في البرامج ووسائل التواصل نماذج من ادعاءات مقابلة أرواح أموات، وخزعبلات العوالم الموازية وغيرها مما يدل على لوثات عقلية وتخبط فكري كبير، كما وأن نزع بعض المدربات والمعالجات بالطاقة لحجابهن بدعاوى الترقي في الوعي الروحي أبرز لكثير من الناس حقيقة هذه التطبيقات وكشف عقائدها المنحرفة التي تريد أن تجعل الإنسان إله نفسه وتنشر الإباحية في العالم.

- ما قصة علوم الطاقة؟ وكيف دخلت إلى بلادنا وتأثر بها المسلمون؟

- فلسفة الطاقة هي مزيج من العقائد والطقوس البوذية والهندوسية والطاوية ممزوجة ببعض الفرضيات والنظريات العلمية مع قليل من نصائح وحقائق صحيحة، تلقفها الغرب المتعطش للروحانيات من الهندوسية والبوذية ثم صدرها للعالم في قوالب معاصرة، وأظهروها بوصفها تطبيقات حيوية محايدة للتطوير والعادة والصحة.

     وانتشارها بين المسلمين كان بتأثير الغالب على المغلوب من وجه، ولتَخفِّيها في صورة تطبيقات حيوية محايدة، بل بعضهم ألبسها ثياب الدين، ولوى أعناق نصوص شرعية وسياق أحداث تاريخية، ودلس في أخبار وروايات وحقائق لتظهر متوافقة مع ظواهر هذه التطبيقات والممارسات.

     كما أن غفلة كثير من المسلمين عن تطبيق دينهم بمنهجه الكامل الذي يراعي الجسد والروح والعقل، والفرد والمجتمع، ويصل الدنيا بالآخرة في منهج رباني فريد، واقتصارهم في فهمه على أنه مجرد عبادات مطلوبة لم يفهموا روحها ولا حقيقتها، ولم يحسنوا ظاهرها فضلا عن باطنها، كل ذلك جعلهم يتلقفون تطبيقات علوم الطاقة المتلونة والواعدة بتلبية حاجاتهم وإيصالهم لمبتغاهم.

- الكثير من مروجي علوم الطاقة يدعون أنه لا توجد فتاوى صريحة تُحَرِّم هذه الممارسات، فهل هذا الكلام صحيح؟

- بداية: الفتوى لا تحل حرامًا ولا تحرم حلالا، ثم إن المفتين يفتون حسب تصورهم لما يستفتى عنه؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، وتطبيقات فلسفة الطاقة وممارساتها تُعرض مدلسة ملبسة بظاهر من الثبوت العلمي، وبادعاءات توافقها مع الدين الحق ونصوصه، فتشتبه على غالب عوام الناس وكثير من المفتين، فضلا عن كونها توجهت في بداية دخولها للعالم الإسلامي للدعاة وطلبة العلم بدعوى أنها وسائل حديثة تساعد في التغيير والإقناع وتطوير الذات؛ فانخدع بها كثيرون، وامتهنها بعضهم وحاول (أسلمتها ) بما أضافه إليها من متشابه النصوص وأدلة من السيرة، كذلك هي متنوعة متلونة ليست شيئًا واحدًا، وليست مجالا معروفًا، بل تداخلت في مجالات الحياة كلها من استشفاء ورياضة وتطوير وترفيه وجمال وثقافة وغيرها.

     ومع هذا فقد عرف حقيقتها عدد من العلماء، وبينوا جذورها ومتعلقاتها ولوازمها، وأفتوا بحرمتها،كفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء والبحوث العلمية في السعودية فيما سمي العلاج بطاقة الأسماء الحسنى، وفتوى فضيلة الشيخ محمد الحمود النجدي، وفضيلة الشيخ صالح الفوزان في البرمجة اللغوية العصبية، وكذا فتوى فضيلة الشيخ عبدالكريم الخضير والشيخ البراك وغيرهم، وقد جمعت الأخت الكريمة خلود الشويش السالم غالب هذه الفتاوى في إصدار إلكتروني، تجدونه على الرابط التالي http://t.co/cqHfUbmBfj .

- ما  سر انخداع الناس بهذه العلوم الزائفة، وأسباب انتشارها بينهم في الوقت الحالي؟

- هذه العلوم قدمت للناس على أنها وصفات معاصرة علمية وتجريبية من الحضارات المختلفة، تمكنهم من تجاوز مشكلاتهم، وتطوير ذواتهم، والوصول إلى ما ينشدون من الصحة والسعادة والنجاح.

     وعدتهم بالثراء والحرية، ووعدتهم بالسلام الداخلي والطمأنينة، وزعمت أنها تمكنهم من تجاوز قدراتهم المحدودة وحرياتهم المصادرة ليصبحوا قادرين على التغيير والتأثير بطرائق خفية سرية في الكون وفي المحيطين بهم، بل إنهم سيحدون من الحروب، وسينشرون السلام، ويقودون العالم إلى نعيم سرمدي بقوة أفكارهم وجذب عقولهم!

- على من تقع المسؤولية في مواجهة هذه الظاهرة؟

- تقع مسؤولية مواجهة هذه الظاهرة على الجميع، على العلماء والدعاة؛ فهم حملة العلم وهم حماة الدين الذي يعمل مروجو برامج الطاقة والوعي على اجتثاثه بعلم أو بجهل، وتقع على الساسة والمسؤولين؛ فهم حماة الأمن الذي تروج هذه البرامج للمساس به عبر طوائفها وتنظيماتها الباطنية، وتقع على المربين والمعلمين الذين يعمل هؤلاء على سرقة جهودهم وتشتيت الأجيال في متاهات الوهم والضلال.

     ومن جانب آخر لما كان عصرنا عصر الفردية والمسؤولية الشخصية فإن مسؤولية مواجهة هذه الظاهرة تقع على عاتق كل شخص ليحمي عقله ودينه؛ ومن هنا لزم تعليم الناس أسس التفكير الناقد الصحيح الذي يميزون به الحقائق من الدعاوى، والحق من الباطل.

- بصفتك أستاذة جامعية للعقيدة كيف تقيمين واقع المناهج في مدارسنا ومدى حمايتها لأبنائنا من المناهج والعقائد الوافدة؟

- الحديث في هذا ذو شجون؛ فالمناهج بحاجة إلى مراجعات مستمرة لمواكبة المتغيرات السريعة والمتلاحقة، ولعل أهم ما أرى ضرورة وضعه أمام أعيننا في هذه المراجعات مما يتعلق بهذا الموضوع: تضمين المناهج مهارات التفكير العلمي الناقد، وتأصيل مناهج البحث العمي الصحيح لنخرج أجيالا عصية على الخرافة نابذة للوهم.

     كما أن معرفة حقيقة الأديان الشرقية وتلوناتها وتطبيقاتها والحركات الباطنية العالمية يجعلهم واعين لما يدوار حولهم، عارفين بحقيقة ما يعرض عليهم على أنه مجرد تطبيقات حياتية عامة بينما هو طقوس وعبادات دينية كاليوجا والتأمل والتنفس التجاوزي والماكروبيوتيك والفينغ شوي وغيرها.

- ماذا عن البرمجة اللغوية العصبية؟ وهل هي داخلة في هذه العلوم؟

- البرمجة اللغوية العصبية برنامج انتقائي؛ فكثير من تدريباتها مسروقة من علوم إدارية ونفسية لا حرج في تطبيقها منفصلة، لكن البرمجة بوصفها برنامجا متكاملا ينبع من فكر باطني يستهدف الاستغناء عن الإله.

- يسمي بعضهم البرمجة اللغوية العصبية بتقنيات الدماغ، فهل ترقى لمستوى العلم التجريبي المثبت علميًا أم أنّه مجرد ترويج لتدريباتها؟ 

- الأوساط العلمية في الغرب نبذتها، ورد على خرافاتها وعلى تجاربها غير العلمية كبار علماء النفس هناك، وهذه الأسماء من وجه دعاية، ومن وجه آخر تعطي تقنيات حقيقية لإفساد الفكر والعقل في ظاهر حسن.

- كثرت بعض العبارات مثل: ثق بنفسك، وأيقظ العملاق الذي بداخلك، وقرر من تكون! فما رأيك في هذه العبارات؟

- هذه العبارات هي جزء من مخرجات البرمجة اللغوية العصبية، وأصل في جوهر أهداف حركة العصر الجديد المصممة والمسوقة لهذه البرامج؛ لذا أؤكد أن الهدف النهائي لهذه البرامج هو ما يمكن تلخيصه في الجملة الآتية «كيف تستغني بنفسك عن أي مصدر خارجي؟»، ونجد عند الناس اليوم  رغبة في التغيير وصناعة شيء ما؛ لذلك نجد من يتعلق بنظريات تنمية المواهب والتغيير للأفضل.

- كيف تنظرين إلى مفهوم التغيير؟

- التغيير برأيي مطلب فطري في أصله لإبعاد السأم والوصول إلى النجاح والاستكشاف وغيره، ولكن كأي مطلب إذا لم يحدد له أهداف ومسار ضل وتشعب بأصحابه؛ فتغيير أنفسنا للأفضل دومًا وتطوير مهاراتنا أمر مهم يتماشى مع معنى العمل والتنافس واغتنام الحياة بالخيرات، أما مجرد التغيير ولو إلى الأسوأ فهذا بلا شك سفه، وقد شهدت دورات تنمية المواهب ونظريات تطوير المهارات المختلفة قفزة هائلة في العصر الحديث؛ من حيث تقنينها وكتاباتها والتدريب عليها، وأعتقد أنها يمكن أن تكون نافعة جدًا للناس، وكل ما في الأمر أن يحذروا من البرامج التي تدعي التطوير وهي عقائد وافدة مدمرة.

- يقول بعضهم: إن ترديد كلمة أنا غني, أنا قوي، أنا سعيد, سأشفى, سأتعافى، لها أصل ديني، فديننا يحثنا على التفاؤل ويندب له، فما تعليقك على ذلك؟

- لنطور أنفسنا على هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم-، وعلى المنهج المرضي عند الله -عز وجل- لندعُ الله ونبتهل، ولنشمر ونجتهد متبعين لا مبتدعين؛ فلي أعناق النصوص ومحاولة الاستدلال على كل ضلالة بالدين منهج سلكه أناس فتشعبت بهم السبل في دروب الضلالة؛ فالحذر الحذر!

- بعضهم يقول: أنتم للأسف ترفضون كل مستحدث وافد من الغرب وتهاجمونه بحجة أنه يتعارض مع الدين، ويمس العقيدة فقط لا غير، فما تعليقكم؟

- المستحدثات والوافدات من الغرب أنواع نقبل منها ما لا يتعلق بالعقيدة والدين، أما ما يتعلق بالفكر والدين والعقيدة فنعم نرفضه باستعلاء، وعبارات تطوير الذات التي كثرت الدعوة إليها وإلى اقتناء كتبها (ما لها وما عليها) فلا أرى بأسا بعبارة تطوير الذات؛ فعلى ظاهر معناها تطوير القدرات والإمكانات والعمل ونبذ الكسل، مع ملاحظة ضرورة الانتباه للمصطلح واستخدامه والسياق الذي ورد فيه في عصر  (حرب المصطلحات) والاستخدام الباطني للألفاظ المجملة.

- ما الحلول المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة؟

- لعل أول الحلول وأهمها:

- أن تتعاون الجهات المختصة المعنية بالصحة والتدريب والأمن والتربية على التحذير من هذه الظاهرة والأخذ على أيدي من يروج وينشر ويعالج ويدرب على هذه الفلسفات وتطبيقاتها المتنوعة.

- إغلاق المراكز والقنوات ومنع دخول أقطابها وعرَّابيها لنشر فكرهم وضلالهم بين أبناء المسلمين.

- توعية الناس بالأساليب الصحيحة التي يصلون بها إلى ما يريدون من الصحة والسعادة والنجاح من الأساليب العلمية والمناهج الشرعية وتسهيل تمكينهم منها وتدريبهم على منهجها في حياتهم.

- توعية الناس بخطر هؤلاء الأدعياء ليكون الجميع معا في مواجهة هذه الظاهرة.

- نشر الكتب والمواقع والدراسات الغربية والعربية التي تبين حقيقة هذه الممارسات وأصولها وأهدافها وتفضحها.

- هل من كلمة أخيرة؟

- نحن -بفضل الله عز وجل- بالكتاب والسنة رواد التدريب على منهج السعادة والنجاح والتميز، فلنثق بمنهجنا، ولنقدم هذا الخير للبشرية؛ فهي متعطشة إليه، بدلا من تلقف شطحات الأذهان ووصفات الكهان، والله ولينا وهو المستعان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك