رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: عبدالوهاب السنين 9 أغسطس، 2018 0 تعليق

من أسباب موت القلب

استكمالاً لما تحدثنا عنه في المقال السابق عن أمراض القلوب، وذكرنا أن القلب يمرض ويموت، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، ويتحول الإنسان بعد موت القلب إلى دابة، لا همَّ لها إلا الأكل والشرب، وذكرنا أن هناك أسبابا عديدة لمرض القلب، ذكرنا منها الغفلة، والنسيان، والتعالي، والغرور، وسوء الظن، وكثرة الوقوع في المعاصي، واليوم نكمل هذه الأسباب.

عدم التثبت

     من الأمور التي تؤدي إلى جفاف القلب ومرضه: عدم التثبت، اليوم تأتينا الأخبار متوالية، متسارعة، من كل حدب وصوب، وهناك من الناس من إذا سمع خبرًا طار به كل مطار، وسعى في نشره وبثِّه بين الناس، قبل أن يتثبت من صحته ومن جدوى نشره، وهذا من الأخطاء الكبيرة التي يحصل بسببها الاختلاف والافتراق.

فالعاقل اللبيب لايتكلم إلا إذا تثبت من صحة كلامه؛ فإذا ثبت لديه صحة الكلام نظر في جدوى نشره؛ فإن كان في نشره حفز للخير واجتماع وألفة نشره وأظهره، وإن كان الأمر بخلاف ذلك كتم الأمر وستره.

ولقد ورد النهي أن يحدّث المرء بكل ما سمع، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع».

أصحاب العقل والرزانة

     والتثبت من صفات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة؛ فإنها من صفات أصحاب الرعونة والطيش، التثبت فضيلة، والنقل من الناس دون تثبّت رذيلة، والتثبت دليل على رجاحة العقل وسلامة التّفكير، أما العجلة؛ فدليل على نقص في العقل وخلل في التفكير؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ». أخرجه البيهقي وحسنه الألباني.

خطورة كبيرة على المسلم

     ولا شك أن نقل الأخبار بغير تأكد من صحتها، فيه خطورة كبيرة على المسلم، ولقد أرشدنا ربنا إلى المنهج الصحيح عند سماع الأخبار؛ فقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}؛ فأمر الله -عز وجل- بالتبيّن عند نقل الخبر، والتبيّن معناه التثبّت وعدم الاستعجال في نقل الخبر، وينبغي الوعي بخطورة التّسرّع في نقل الأخبار، ولاسيما في زمن وسائل التواصل الاجتماعي التي تنتقل عن طريقها الأخبار بسرعة كبيرة.

اختلاق الخبر والكذب فيه

     والأشنع من التّسرّع في نقل الأخبار، هو اختلاق الخبر والكذب فيه وإشاعته؛ فهذا إثمه عند الله عظيم، والخبر إذا كان متعلقاً بأعراض الناس، أو يترتب عليه إضرار بحق أشخاص أو جهات؛ فكتابة عبارة (منقول) و(كما وصلني)، لا تعفي صاحبها   من المسؤولية.

أنت مسؤول عما تفعله

     فنقل الخبر والقول إن العهدة على من أرسله، هذا غير صحيح؛ فأنت مسؤول عما تفعله، أما إذا كان الخبر لا يتعلق بأعراض الناس أو حقوقهم وإنما هو أمر من الأمور العادية، وقال: (بلغني) أو (منقول)؛ فهذا أرجو ألا يكون فيه بأس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس مطية الرجل زعم»، يعني كلما حدث بحديث قال: والله زعموا، يعني هؤلاء أو تكلم هؤلاء هذا ما يشفع لك أبدًا عند الله أن تنقل شيئًا من وسائل الاتصال المعروفة، هذه الوسائل التي بين أيدينا وتجعلها مصدرًا ثابتًا، مصدرًا كأنه حقيقة.

     ولذلك اسمع كلام هذا الرجل، وهو أبو شُريح يتكلم لعمر بن سعيد، يقول: ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعته بأذني (انظر إلى كلام أهل العلم كلام أهل الدين) يقول: سمعته بأذني ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به.

عدم التثبت مرض

     وعدم التثبت مرض يجعل من السامع لهذه الأخبار هدفا، ولاسيما إذا كان في وضع مسؤولية من المسؤوليات، يصبح هدفا لهؤلاء المغرضين، هدفا يتوجه إليه أصحاب القيل والقال، وأصحاب الإشاعات، وأصحاب الكلام الذين لا هم لهم إلا نقل الأخبار، بل أقول: يتفننون في نقل الأخبار، وكأنهم يفعلون هذا من باب إثارة الفتنة، ويقولون: نحن فعلنا، ونحن قمنا بهذه الأفعال قاصدين هذا الضرر على المجتمع، وعلى الفرد.

كثرة الضحك

     ومن أسباب موت القلب أيضًا كثرة الضحك؛ فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه بقوله صلى الله عليه وسلم: «إياك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه». رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني، والضحك المذموم الإكثار منه ما كان مصحوبا بصوت ويسمى القهقهة؛ وذلك لما يترتب عليه من آثار سيئة، كموت القلب وذهاب الهيبة، وضياع الوقت.

     قال الإمام الماوردي في كتابه: (أدب الدنيا والدين): وأما الضحك؛ فإن اعتياده شاغل عن النظر في الأمور المهمة، مذهل عن الفكر في النوائب الملمَّة، وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار، ولا لمن وصم به خطر ولا مقدار، روى أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إياك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه». ورُوي عن ابن عباس في قوله -تعالى-: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}(الكهف: 49) إن الصغيرة الضحك، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثر ضحكه قلت هيبته، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا ضحك العالم ضحكة مجَّ من العلم مجة.

وعن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكثروا الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب»،

     قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة ارض بما قسم الله تكن غنيا، وكن ورعا تكن عبدا لله، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما، وإياك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب، والقهقهة من الشيطان، والتبسم من الله».

وعن يحيى بن أبي كثير قال: قال سليمان بن داود -عليهما السلام- لابنه: يا بني لا تكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تستخف فؤاد الرجل الحكيم، وعليك بخشية الله -عز وجل-؛ فإنها غاية لكل شيء.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك