رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. محمد احمد لوح 25 نوفمبر، 2017 0 تعليق

من أسباب عدم قبول الحق اتباع الهوى

إن الناظر إلى دور العلماء في تقديم المنهج الحق وتقدير واقع الأمة وإقامة بنائه الفكري والاجتماعي، يجد أن البون شاسع بين ما نحن فيه وما يجب أن نكون عليه؛ ذلك لأن المنهج العلمي الذي استنبطه علماؤنا من الوحي السماوي تم على أساسه تقسيم قضاياه إلى قسمين: الأول: خاص بمسائل العلم الجلية المعلومة من الدين بالضرورة؛ فمن لم يقبلها بعد البلوغ وصف بأنه رافض للحق، والثاني: خاص بالمسائل الدقيقة التي قد يعذر المكلف بجهله، وهذا المنهج الذي تعاملت به طبقات الأمة كان رحمة وهدى وخيرًا للبشرية؛ حيث لم يحكموا على المخطئين بحكم واحد ولم يزجوا بهم  في هوة الضلال، بل حكموا على كل بما يستحق؛ فمن وقع في الخطأ لجهله وعدم قيام الحجة عليه فهو معذور، ومن أبى وعاند بعد قيام الحجة وصف بالضلال ورفض الحق، وحكم عليه بحسب ذلك، ورفض الحق يكون بأسباب كثيرة نذكر من أهمها اتباع الهوى.

أصل الضلال

      وأصل الضلال اتباع الظن والهوى، كما قال تعالى- فيمن ذمهم: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى}، وهذا وصف للكفار؛ فكل من له نصيب من هذا الوصف فله نصيب من متابعة الكفار بقدر ذلك النصيب، وقال -تعالى- في حق نبيه صلى الله عليه وسلم : {والنجم إذا هوى، ماضل صاحبكم وما غوى . وما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحى يوحى مع}؛ فنزهه عن الضلال والغواية، اللذين هما: الجهل والظلم، فالضال هو الذي لا يقبـل الحق، والغاوي الذي يتبع هواه، وأخبر أنه لا ينطق عن هوى النفس، بل هو وحى أوحاه الله إليه؛ فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى، ومتبع الهوى لابد أن يضل، سواء عن علم أو عن جهل، فإنه كثيرا ما يترك العلم اتباعا لهواه، ولابد أن يظلم إما بالقول أو بالفعل؛ لأن هواه قد أعماه، قال -تعالى-: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون}، وقال -تعالى-: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا، كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون}؛ فاتباع الهوى هو أصل الضلال والكفر، ومعلوم أن ذلك يتفاوت تفاوتا عظيما؛ فمنه ما يوصل إلى ما ذكر، ومنه ما هو أقل من ذلك، وكل من خالف الحق لا يخرج عن اتباعه للهوى أو الاعتماد على الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، كما قال -تعالى-: {إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس}؛ فإن كان يعتقد أن قوله صحيح وله فيه حجة يتمسك بها فغايته اتباع الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، وتكون حجته شبهة فاسدة مركبة من ألفاظ متشابكة مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، فإذا ميز الحق فيها عن الباطل زال الاشتباه.

الاعتبار بقصص القرآن

      ومما يجب أن يعلم أن الله -تعالى- لم يقص علينا في القرآن الكريم قصص السابقين إلا لنعتبر بها؛ لما فيها من الحاجة إلى ذلك؛ ولما فيها من المصلحة، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا ما يقع لنا وما يكون فينا على ما وقع من السابقين وحصل لهم من جراء ذلك، ولولا أن في نفوس كثير من الناس أو أكثرهم ما كان في نفوس المكذبين للرسل، لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا نشبهه بقول أو فعل أو سجية كامنة في النفس تنتظر الخروج، ولكن الواقع مثل ما قال الله -تعالى-: {وكذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم}، وقوله -تعالى-: {وكذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون}، وقال -تعالى-: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك}، وقوله -تعالى-: {يضاهئون قول الذين كفروا من قبل}، أي قولهم يماثل قول من سبقهم بالكفر ويشابه، والعاقل إذا تعرف على أحوال النفس كان حذرا من الشهوة الخفيـة، قال شداد بن أوس : يا بقايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية، قيل لأبي داود السجستاني: ما الشهوة الخفية؟ قال: حب الرئاسة؛ فهي خفية تخفى على الناس، وقد تخفى على صاحبها.

علامات حب الرئاسة

     ومن علامات ذلك محبة من يعظمه بقبول قوله أو الاستماع له أكثر من غيره، وإن كان ذلك الآخر أطوع لله وأتقى، وهذا يوجد كثيرًا حتى في المنتسبين للعلم!! فتجد بعضهم يحب من يعظمه ويطيعه دون أن يحب من هو نظيره في العلم أو أفضل منه، وإن كانا على منهج واحد، ثم يحصل من هذا وصفه ظلم وعدوان لمن خالفه في هواه، أو ربما لمن قام ببعض ما يجب عليه الله من نشر علم أو دعوة إلى الله ؛تعالى-؛ فيقف في وجهه صادا عن الحق أو ملبسا الحق بالباطل كفعل علماء اليهود، كما قال -تعالى- عنهم: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون}، ثم تجده يرمي من خالفه بالألقاب المكروهة المنفرة التي تخالف أمر الله ورسوله ابتغاء التفرقة وابتغاء الفتنة، وهو في ذلك يزعم أنه مصلح ودافع للفساد، كما قال الله عن فرعون: {ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}؛ فهو يزعم أنه هو المصلح والمحافظ على الدين الحارس له من التغيير والتبديل، وأما موسى فإنه ممن يسعى لتغيير الدين والفساد في الأرض!! وهكذا تقلب الحقائق لدى أهل الأهواء ومبتغي العلو في الأرض فيصبح المفسد مصلحا والمصلح مفسدا.

الإخلاص والتجرد لله

      والواجب على كل من يتكلم في أمر من أمور الدين أن يكون مخلصا لله متجردًا للحق، وغالبًا على نفسه بالمجاهدة عن اتباع الهوى، وما تميل إليه من حظوظها الدنيوية، كحب الثناء والظهور وكثرة الأتباع، أو ما هو أسوأ من هذا كله، وهو الحصول على شيء من حطام الدنيا .

       ومن هذه صفته فهو المعني بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «من طلب علما مما يبتغي به وجه الله -تعالى- لا يطلبه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة»، ومقابله ما قاله أبو عثمان النيسابوري: «من أمَّر السنة على نفسه قولا وفعلا، نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة»؛ لأن الله يقول: {وإن تطيعوه تهتدوا}.

نوع من الشرك

      فاتباع الهوى نوع من الشرك كما قال بعض السلف : «شَرُّ إلهٍ عبد في الأرض الهوى»؛ فهو يضل الإنسان عن الحق وإن كان يعرف ذلك، فإذا صار الهوى هو القائد والدافع صار أصحابه شيعا، يتعصب كل واحد لرأيه ويعادي من خالفه، ولو كان الحق أمامه واضحا؛ لأن الحق ليس مطلوبه!! وبذلك يذلون وتذهب ريحهم، ويفشلون أمام كل عمل أرادوه؛ لأنهم صاروا متفرقين تتحكم فيهم الأهواء؛ ولذلك تجد هؤلاء كلما علم أحدهم أن من يخالفه قد تكلم في مسألة أو موضوع تجده يبادر إلى الرد عليه دون تأمل في قوله وتلمس لوجه الصواب، بل يعمى عن هذا المقصد ويبذل جهده في تضليل مخالفه، وتفنيد رأيه بما يستطيع، ولو برأي تافه وتعسف بغيض، مع أن الذي يوجبه الإسلام هو محاورة المخالف والاطلاع على دلائله، ووزنها بميزان الكتاب والسنة، ثم يكون ذلك هو القاضي في النزاع، كما قال -تعالى-: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر له}؛ فأوجب رد كل ما حصل فيه نزاع إلى الله والرسول؛ لأن قوله : {في شيء} نكرة تعم كل ما أحدث نزاعاً وإن قل، وبين أن الرد إليهما هو مقتضى الإيمان، فإذا لم يرد النزاع إلى الله والرسول؛ فمفهوم ذلك انتفاء الإيمان أو كماله عمن فعل ذلك . والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد وفاته، وذلك بإجماع العلماء، وكل هذا المقصود منه حسم النزاع وإنهاؤه ليحصل الوئام والاتفاق؛ فإن هذا من أعظم مقاصد الشريعة الإسلامية، وبذلك يتم القضاء على جزء كبير من العوائق المانعة من قبول الحق.

اختلاف أهل العلم

      وأهل العلم يختلفون في بعض مسائل العلم وهم متحابون مجتمعون على الحق، معتصمون بحبل الله، كما كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض أحكام الشرع ولا يدعوهم ذلك إلى أن يكونوا شيعا كل فريق يعادي الآخر، كما يحصل اليوم لكثير من يزعم أنه من أهل العلم- مثل اختلافهم في إرث الجد مع الإخوة، وفي جواز بيع أمهات الأولاد، وفي المشركة، وفي الطلاق قبل النكاح، وفي مسائل في البيوع، وغير ذلك كثير كل واحد يخالف الآخر، ومع ذلك كانوا متوادين متناصحين، رابطة الأخوة الإسلامية قوية بينهم؛ لأن اختلافهم لم يكن في الأصول والمناهج، بل كان في المسائل.

      قال الشاطبي -رحمه الله-: كل مسألة حدثت في الإسلام؛ فاختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء، ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنابز والتنافر والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء، وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية، وهي قوله -تعالى- : {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا}؛ فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها، ودليل ذلك قوله -تعالى-: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} فإذا اختلفوا وتقاطعوا، كان ذلك الحدث أحدثوه من اتباع الهوى؛ فالإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف، فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك