رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ د.إبراهيم بن محمد الحقيل 23 يوليو، 2017 0 تعليق

من أسباب الثبات على الحق- تدبر القرآن والدعاء بالثبات ونصرة الدين وكثرة ذكر الله تعالى

 

تحدثنا في المقالات السابقة عن أهم الأسباب التي تؤدي إلى كثرة الانتكاس في الناس، وتقلب قلوبهم، وتغير مناهجهم، وانتقالهم من فكر إلى فكر، ومن منهج إلى آخر، بل من الاستسلام لله -تعالى- ولشريعته إلى التمرد عليه وعلى شريعته، نتكلم اليوم عن أسباب التثبيت على الحق.

 فمن رحمة الله -تعالى- بعباده أنه لما ابتلى أهل الحق بفتنة أعدائهم لهم، وتسلطهم عليهم، وانقلاب بعض إخوانهم على مناهجهم؛ فإنه -سبحانه- بين أسباب الثبات على الحق ليحافظ عليها من أراد الثبات، ومن تلكم الأسباب:

قراءة القرآن بتدبر

      ففيه قصص الثابتين على الحق للاقتداء بهم، وقصص الناكصين للحذر من سلوك مسلكهم قال الله -تعالى-: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(النحل:102)، وقال -تعالى-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} (الفرقان:32).

نصرة الدين

     نصرة الدين بشتى أنواع النصرة بلسانه أو قلمه أو يده والدفع عن الإسلام؛ فإن فاته شرف الجهاد في سبيل الله -تعالى- بيده، فلا يفوته شرف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه من الجهاد، وخير وسيلة للدفاع هي الهجوم، ومن كان ناصرا لدين الله -تعالى- فإنه يستحيي أن ينقلب عليه، والله -تعالى- وعد من نصر دينه بالنصر، والمنصور يثبت على الحق ولا ينقلب عليه، قال الله -تعالى-: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}(الحج:40)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7).

الدعاء بالثبات

     الدعاء بالثبات؛ له أثر عجيب في ذلك، ذلك أن القلوب بيد الله -تعالى- قال الله -تعالى-: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ}(البقرة:250)، وقال -تعالى-: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ}(آل عمران:147)، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ».

الاستعاذة من الكفر والنفاق

     الاستعاذة بالله -تعالى- من الكفر والنفاق؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله -تعالى- من الكفر وهو معصوم منه،وإذا خرج من منزله تعوذ من الزلل والضلال والظلم والجهل، وكان يتعوذ بالله -تعالى- من الحور بعد الكور، قال الترمذي في معناه: «إِنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ، أَوْ مِنَ الطَّاعَةِ إِلَى المَعْصِيَةِ، إِنَّمَا يَعْنِي الرُّجُوعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الشَّرِّ».

فعل المأمورات واجتناب المحظورات

فعل المأمورات، واجتناب المحظورات؛ فإن الشيطان يزين للعاصي تسويغ معصيته بالدين، قال الله -تعالى- في العاصين من بني إسرائيل {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (النساء:66).

      مع السعي الجاد في طاعة الله -تعالى- وكثرة عبادته؛ فأهل الكهف لما سعوا إلى طاعة ربهم، وهربوا من شرك قومهم أعانهم الله -تعالى- على ما أرادوا، وثبتهم عليه، وقص الله -تعالى- علينا خبرهم لنتأسى بهم في الثبات {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}(الكهف:13)، والصحابة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحديبية طائعين لله -تعالى- ثبتهم الله -تعالى- على إيمانهم قال الله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}(الفتح:4)، مع مجاهدة النفس على الإيمان والطاعة، والبعد عن المحرمات {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69)، فوعد الله -تعالى- بهدايتهم متى ما جاهدوا أنفسهم، وخصهم بمعيته، لأنهم محسنون.

قراءة سير السلف

     قراءة سير السلف من الثابتين على الحق {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}(هود:120)؛ ولذلك قص النبي صلى الله عليه وسلم على خباب رضي الله عنه سير الثابتين قبلهم لما شكوا إليه ما يلقون من الأذى، ومنه قصة الساحر والغلام والكاهن، وقول الغلام لما خدت الأخاديد «يا أمه اصبري فإنك على الحق».

تعاهد القلب وملئه بمحبة الله تعالى

     تعاهد القلب وملئه بمحبة الله -تعالى- ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن ذلك يدفع للثبات والتضحية؛ فالوالد من فرط محبته لولده يفديه بحياته، ومحبة الله -تعالى- أكبر وأسمى من محبة الولد؛ لما لله -تعالى- من أفضال كثيرة على العبد، ولحاجة العبد الدائمة إلى العبودية لله تعالى.

 8- كراهية الكفر وأهله واستحضار عاقبتهم دائما، كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ».

التواصي بالحق وبالصبر

     التواصي بالحق وبالصبر؛ فإن الله -تعالى- استثني من الخسران من تواصوا بهما، قال -تعالى-: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر:3)، وقال -تعالى-: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ} (البقرة:45)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة:153)، وكذلك الصلاة والمحافظه عليها كما في الآيات الأخرى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا حزبه أمر صلى.

كثرة ذكر الله تعالى

كثرة ذكر الله -تعالى-: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} (الرعد:28)، وطمأنينتها سبب لثباتها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(الأنفال:45).

11- لزوم التقوى؛ فبها ينال العبد برهاناً ونوراً وفرقاناً يعرف به الحق من الباطل؛ فلا يلتبس عليه كما قال تعالى-: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} (البقرة:282)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}(الأنفال:29)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}(الحديد:28)؛ فمن علمه الله -تعالى- ورزقه فرقاناً، وجعل له نوراً فلن يزيغ أو يضل أو يضعف.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك