رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. خالد آل رحيم 15 أكتوبر، 2017 0 تعليق

من أسباب الانحراف الفكري- عدم فهم قضية . . . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

المنكر يكون بإيجاد فعل نهت الشريعة عنه، وقد يكون بترك  فعل أمرت الشريعة بفعله

 

يلاحظ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظروفنا الحاضرة متعين بالقلب للجميع وباللسان في كثير من الأحيان، وباليد بالشروط الشرعية

 

الإنكار باليد مشترط بوجود القدرة وعدم ترتب مفاسد أكبر

 

د. خالد آل رحيم                 باحث وكاتب مصري

 

تحدثنا في المقال السابق عن أهم الأسباب المؤدية للانحراف الفكري لدى الشباب، وهي عدم فهم قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهمًا صحيحًا، ونكمل الحديث عن الحسبة وأهم الآداب والضوابط التي وضعها العلماء والفقهاء التي لابد أن يتحلى بها المحتسب.

تعرف الحسبة في اللغة بأنها من العد والحساب، وتأتي بمعنى طلب الأجر والمثوبة من الله -عزوجل- أما في الاصطلاح؛ فقد عرفها جمهور الفقهاء بأنها: ولاية دينية يقوم ولي الأمر - الحاكم - بمقتضاها بتعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف إذا أظهر الناس تركه، والنهي عن المنكر إذا أظهر الناس فعله، صيانة للمجتمع من الانحراف، وحماية للدين من الضياع، وتحقيقا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقا لشرع الله -تعالى.

أهم الآداب والضوابط التي وضعها العلماء والفقهاء التي لابد أن يتحلى بها المحتسب:

الإخلاص

وهذا ينبغي للمسلم في كل أحواله وليس للمحتسب فقط والأدلة على  ذلك كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله -تعالي-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّـهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}، وحديث النبي[: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه». متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب]، ومنها أقوال العلماء أن الله -تعالي- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وللسنة موافقاً.

الصبر

قال -تعالى-: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}، وقال -تعالى- على لسان لقمان: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

الحلم

فعن أبي هريرة ] أن أعرابيا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله[: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوباً من ماء - أو سجلا من ماء -  فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» رواه البخاري.

قال العلماء: وهكذا هي أخلاق النبوّة رحمةً وهدى وتلطّفاً وشفقة ليضرب لنا أروع الأمثلة الدعويّة والتربويّة ويتمثّل لنا حكمة الدعوة قولاً وعملاً والحاصل أن النبي[ قدّم لنا درساً بالغ الأهمّية في أحوال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعرفة طبائع الناس ومراعاة نفسيّاتهم، لتظلّ الذكرى الطيّبة والمشاعر الجميلة في نفوس المدعوّين وما يترتّب عليه من قبولهم للحق والهدى.

الرفق

قال تعالى-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}؛ فعن جرير] مرفوعاً: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله» (مسلم)، وقال[: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه».(مسلم)، قال النووي: أؤمر بالمعروف في رفق فإن قُبل منك حمدت الله -عز وجل- وإلا أقبلت على نفسك، وقال الإمام أحمد: والناس يحتاجون إلي مداراة ورفق في الأمر بالمعروف  بلا غلظة، قال: كان أصحاب ابن مسعود] إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون: مهلاً رحمكم الله، وسئل -رحمه الله-: عن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟   

فقال: يأمر بالرفق والخضوع،  ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيكون يريد أن ينتصر لنفسه.

تعريف المُنكَر

قال ابن تيمية: المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله[، وأعظمه الشرك بالله وهو أن يدعو مع الله إلهاً أخر كالشمس،  والقمر، والكواكب، أو ملك من الملائكة، أونبي من الأنبياء، أو رجل من الصالحين، أو أحد من الجن، أوتماثيل هؤلاء، أو قبورهم، أو غير ذلك مما يدعى من دون الله أو يُستغاث به أو يُسجد له .

ومن المنكر ما حرمه الله كقتل النفس بغير حق، وأكل أموال الناس بالباطل بالغصب، أو الربا، أو الميسر، والبيوع، والمعاملات التي نهى  رسول الله[ عنها،  كذلك قطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وتطفيف الكيل والميزان، والإثم والبغي بغير الحق، وكذلك العادات المتبوعة التى لم يشرعها الله ورسوله (انتهي).

قال عبد الكريم زيدان: والمنكر يكون بإيجاد فعل نهت الشريعة عنه، وقد يكون بترك فعل أمرت الشريعة بفعله؛ فيكون المنكر بهذا الاعتبار  ذا وجهين:

الأول: إيجابي ويتمثل في إيجاد الفعل المحظور شرعاً

الثاني: سلبي ويتحقق بترك الفعل المطلوب شرعاً إي: المعروف (انتهي)

يتضح من كلام أهل العلم وتعريفهم للمعروف وللمنكر أن كل دعوة لما يحبه الله ويرضاه فهو أمر بالمعروف  وكل نهي نهي  الله عنه فهو نهي عن منكر؛ فليست هذه الفريضة محصورة في إزالة المنكر باليد؛ فهذا خطأ بين (أسس للأبحاث).

   شروط المُنكَر

وللمنكر شروط ثلاثة لابد من توافرها وهي:

أن يكون ظاهراً بدون تجسس

قال الدكتور ياسر برهامي: سواء عن طريق البصر، أم السمع، أم غيرها من الحواس حتى لو غلب على الظن الاستسرار بها، إلا ما ظهرت أمارته أو آثاره ويكون في تركه حرمة يفوت استدراكها؛ فيجوز الإقدام والكشف مثل أن يخبره من يثق به أن رجلاً خلا برجل ليقتله أو بامرأة ليزني بها.

قال الماوردي: وأما مالم يظهر من المحظورات فليس للمحتسب أن يتجسس عنها ولا أن يهتك الأستار حذراً من الاستتار بها.

أن يكون قائماً في الحال

فما لم يقع بعد من المنكرات لا يجوز فيها الاحتساب بغير الوعظ والإرشاد إذا ظهرت بوادره وما وقع من المنكرات فالعقوبة عليه من حد أو تعزير لولى الأمر ومن يقوم مقامه، وأما ما كان واقعاً في الحال فيغير بحسب الإمكان بدرجات التغيير المختلفة على ترتيبها (انتهي).

أن يكون غير مختلف فيه اختلافاً سائغاً.

قال الدكتور عبد الكريم زيدان: ويشترط فى المنكر أن يكون مما اتفق الفقهاء على اعتباره منكراً حتى لا يحتج المحتسب عليه بأن ما يفعله جائز على رأي بعض الفقهاء، وإن كان غير جائز على رأي المحتسب، والواقع أن الخلاف إما أن يكون سائغاً وإما ألا يكون سائغاً ولكل حكمه.

أولاً: الخلاف السائغ: يمنع من الاحتساب على رأي بعض الفقهاء، وقال آخرون: يجوز للمحتسب أن ينكر على فاعل المنكر المختلف فيه بشرط أن يكون المحتسب مجتهداً.

ثانياً: الخلاف غير السائغ: وهو الخلاف الشاذ أو الباطل الذي لا يعتد به لعدم قيامه على دليل مقبول، كالذي يخالف صريح القرآن، أو السنة الصحيحة المتواترة، أو المشهورة، أو إجماع الأمة، أو ما علم من الدين بالضرورة؛ فمثل هذا الخلاف لا قيمة له ولا يمنع من المحتسب من الإنكار أوالاحتساب.

درجات إنكار المنكر

ودرجات إنكار المنكر أربع درجات ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالي- فقال :-

الأولي: أن يزول ويخلفه ضده

الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته

الثالثة:أن يخلفه ما هو مثله

الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه

فالدرجتان الأوليان مشروعتان والثالثة موضع اجتهاد والرابعة محرمة (انتهي).

قال ابن تيمية -رحمه الله-: ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر، وإذا كان هو من أعظم الواجبات والمستحبات لابد أن تكون  المصلحة فيها راجحة عن المفسدة؛ إذ بُعثت الرسل ونزلت الكتب {وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَاد}، بل كل ما أمر به الله فهو صلاح وقد أثنى الله على الصلاح  والمصلحين والذين آمنوا وعملوا الصالحات وذم المفسدين فى غير موضع؛  فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته لم تكن مما أمر الله، وإن كان قد ترك واجب وفعل محرماً (انتهي).

قال القرطبي -رحمه الله-: قال العباس بن الفضل: الفساد هو الخراب

قلت: والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين وهو الصحيح إن شاء الله -تعالى.

وقيل: معنى لا يحب الفساد أي لا يحبه من أهل الصلاح أولا يحبه دينا، ويحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به والله أعلم (انتهي).

قال ابن القيم -رحمه الله-: النبي[ شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر  ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان  إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه؛ فقد كان رسول الله[ يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييره؛  بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم  ومنعه من ذلك –مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر؛ ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد؛ لما يترتب عليه من وقوع ماهو اعظم كما وجد سواء (انتهي).

مراتب إنكار المنكر

ولإنكار المنكر مراتب ذكرها النبي[ في الحديث الذي رواه أبو سعيد عن النبي[، قال: «من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».(مسلم).

التغيير باليد

وهو أقوى مرتبة وأعلاها،  لكن التغيير باليد له ضوابط لابد من الالتزام بها؛ لأن الإنكار باليد مشترط بوجود القدرة وعدم ترتب مفاسد أكبر؛ لأنه لو جُعل لكل أحد وفى كل منكر فإن ذلك يجر من المفاسد ما يعلم ضررها إلا الله -تعالي.

قال ابن تيمية -رحمه الله تعالي-: وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق، ويجلد الشارب، ويقيم الحدود؛ لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد؛ لأن كل واحد يضرب غيره، ويدعي أنه استحق ذلك؛ فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر (محتصر الفتاوي المصرية). ولذلك إذا عجر المسلم عن التغيير باليد بضوابطة ينتقل للمرتبة الثانية وهي:

التغيير باللسان

وهذا بنص حديث النبي[ السابق ذكره، فقد سئل الإمام أحمد عن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كيف ينبغي أن يأمر؟ فقال: يأمر بالرفق والخضوع  ثم قال: إن أسمعوه ما يكره لا يغضب فيكون يريد أن ينتصر لنفسه (نضرة النعيم).

التغيير بالقلب

وهي المرتبة الثالثة وهي أقل المراتب الثلاث ولا رخصة لأحد في تركه، قال شيخ  الإسلام: وإنكار القلب هو الإيمان بأن هذا منكر وكراهته لذلك (انتهي)، قال ابن مسعود]: هلك من لم يعرف بقلبه المعروف والمنكر، وقال: يوشك من عاش منكم أن يرى منكراً لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره (وصايا الرسول) . قال الدكتور ياسر برهامي: والتغيير بالقلب واجب على كل إنسان؛ وذلك لأنه متعين في كل حال يوجد فيه منكر  لقول النبي[: «فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».

ويلاحظ أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ظروفنا الحاضرة متعين بالقلب للجميع وباللسان في كثير من الأحوال وباليد أحيانا بالشروط الشرعية لعموم المنكرات وعدم من يأمر وينهى (انتهى).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك