رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 27 يوليو، 2022 0 تعليق

من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت – الشيخ عبد الله السبت- رحمه الله (16) مفهوم التوحيد والتجد

هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- على أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، أثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، سهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.

      نحن نعلم بأن هذا الدين له ضوابط وله أسس ثابتة، والله -عز وجل- ساق لهذه الأمة من أهل الفضل والعلم والثقة كي يضعوا لنا الأصول، وأمرنا الله -جل وعلا- بأن نسير على دربهم وهديهم -رضي الله عنهم- أجمعين، فعندما نتكلم عن مفهوم التوحيد لابد أن ندرك أن المسألة ليست اجتهادات، ولیست آراء ذكرها ابن تيمية، أو ذكرها ابن حنبل أو غيرهما، ولا هي عملية تنظير كما يقال في المذاهب الفلسفية، فلا الإمام أحمد ولا الإمام الشافعي ولا الإمام مالك ولا الإمام أبو حنيفة ولا ابن تيمية، وضعوا فلسفات يجب أن نفهم الدين عليها؛ لأن كثيرا ممن يدندن في مسألة منهج السلف، یرید - ادعاء- أن يبين للناس أنها مسألة اجتهادية، ومسألة مصطلحات لا مشاحة في التنازع فيها، ومن ثم أن ما اجتهد به الإمام أحمد قابل أن يجتهد فيه ابن تيمية، قابل أن يجتهد فيه ابن عبدالوهاب، قابل أن يجتهد فيه عمرو من الناس!

     كل ذلك باسم «حرية الرأي»، وباسم «الاجتهاد»، وبحجة أن الأمر ليس فيه من الكتاب والسنة! وقولهم هذا يشبه قول تلك التي جاءت إلى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - وقالت: أراك تنهی عن النمص، وما وجدت في كتاب الله شيئا، فكيف تقول حرم الله ؟! فتلا عليها: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (الحشر:7).

     وقولهم: المسألة لم يرد فيها، ما عندنا فيها آية، ما عندنا فيها حديث صريح.. إلخ، فهذا تلبيس على كثير من العوام، وفي الحقيقة -كما قلنا: إن السلف -رضوان الله عليهم- من الصحابة والتابعين ساقهم الله -عزوجل- وهيأهم لأن يضعوا لنا الأسس التي عليها نسير، وهذه القضية أساسا لا تقبل المناقشة لدينا، فلم نأت بشيء جديد، ولسنا ننظر للمسلمين واقع دينهم.

المسألة ليست اجتهادات

     يجب أن نعلم بأن المسألة ليست اجتهادات، وإنما عندنا ضوابط، وعلمنا هذا ورثناه عن أكابر، وورثه إلى من بعدنا، سلسلة قائمة ثابتة، فمن ثم عندما نقول: الموقف في قضية التوحيد قد فرغ منه السلف وانتهوا، مسائل الاجتهاد قد فرغ منها السلف وانتهوا، الدعوة إلى الله قد فرغ منها السلف، فهل نحن نقلد؟! الجواب: ليست المسألة تقليدا، وإنما أمرنا بذلك ربنا -تبارك وتعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:115)، والخيرية في هذه القرون هم الصحابة والتابعون ومن تبعهم.

مفهوم التوحيد والشرك

     وكذلك مفهوم التوحيد والشرك والمسميات: شرك أكبر وشرك أصغر، وكبيرة وصغيرة، مسميات بعضها منصوص عليها، وبعضها قد استقرئت استقراء من النص، أما ما لم يقم على دلیل، أو لم يكن فيه استقراء، كقولهم: حديث الآحاد ليس حجة في العقائد، فهذا أمر مردود، فلا يجوز أن نأتي بعد ذلك بحجة التجديد فنغير.

مفهوم التوحيد أولا

     فمفهوم التوحيد أولا: أن ضوابطه وأصوله معروفة ثابتة في الكتاب والسنة، ثانيا: أن العلماء أجمعوا قبل أن يولد جد ابن تيمية على تقسيم أنواع التوحيد إلى: (ربوبية، وألوهية، وأسماء وصفات)، ذكر هذا أبو حنيفة، وذكره ابن جرير الطبري، وذكره ابن منده، وغيرهم، قبل ابن تيمية بعشرات السنين، فابن تيمية ليس منشئا في المذهب، وإنما جمع كلام السلف، وشرحه فقط.

هل هناك ضوابط وفواصل بين هذه الثلاثة؟

     أم هي داخلة في بعضها بعضا؟ لأنهم يقولون: ممكن الربوبية تصير ألوهية، والألوهية تكون ربوبية، فإذن يمكن أن نجعلها كلها ثلاثة ونجعلها واحدا، إذا نجعلها أربعة والمعنى واحد؟

     فنقول لو كان الأمر للتعليم وتسهيل الأمر دون أن يوضع كقاعدة وتأصيل ان الأمر، ولكن إذا كان الأمر تأصيلا؛ فالجواب: لا، بل نبقی على تأصيل الأولين، ولا شك أن هناك فواصل وضوابط بین معنی توحيد الربوبية، ومعنی توحيد الألوهية، ومعنی توحيد الأسماء والصفات، ولذلك قال سلفنا: إن الرجل لو أقر بتوحيد الربوبية فقط، لا يكون مسلما، فلو اعتقد شخص أن الله خالق ورازق، ومحيٍ ومميت، ومدير لهذا الكون، وأن كل شيء بيده، ولم يعبد بعد ذلك هذا الإله! يكون هذا مثله مثل مشركي قريش تماما.

     فإذا لو كان ليس بينهم فواصل وضوابط لكان هذا الذي يؤمن بتوحيد الربوبية مسلما! وإنما كانت - كما تعلمون - قریش تؤمن بهذا التوحيد -بل لا ينكر وجود الإله إلا طائفة من الدهريين الملاحدة في هذا العصر، فعموم الدنيا من يهود ونصاری ومشركین يقرون أن الله موجود، وأنه خالق ورازق ويحيي ويميت ويدبر الكون-، لكن یشركون معه غيره، ولست بصدد التفصيل فيها، لأن أصغر طالب علم قد درس فيها الدروس الكثيرة والفروق بينها.

 

هل يمكن زيادة قسم رابع؟

هل يمكن أن تزيد قسما رابعا وهو توحید الحاكمية، والجواب في أمور:

- الأمر الأول: أن علم السلف وفهمهم وقولهم قد استقر على هذه الأقسام، وانتهوا عليها، فالزيادة استدراك في غير موضعه.

- الأمر الثاني: أن هذه الزيادة ليست لشيء لم يكن موجودا، فالحكم بغیر ما أنزل الله مذكور في القرآن، وفي عهد الصحابة، وكانت أمم كثيرة تحكم بغير ما أنزل الله فحاربوهم، والحرب بين المسلمين والكفار دارت على أساسه دعوة العباد ليعبدوا الله وحده، ونحن ندعو للحكم بما أنزل الله بالمعنى الشرعي العام، لا بمعناه الجزئي الذي هو (إقامة الحدود)، كما یریدونه هم، ولم نسمع أحدا من السلف قاطبة أنه أنشأ قسما رابعا، بل إننا لو جئنا لكل جزئية انتشرت في عصر ما، وأنشأنا لها قسا للتوحيد لنحاربها، لأصبحنا الآن نحتاج إلى سبعة أو ثمانية أقسام للتوحید! عندنا مثلا الاتباع ضائع؛ فنحتاج إلى «توحید الاتباع»، وهكذا لن ننتهي.

هل الحاكمية هي أصل القضية؟

     ثم بعد ذلك علتهم أنهم يقولون: إن الحاكمية هي أصل القضية، ونحن نقول: لا، فلو نظرت إلى المسلمين الآن في الدنيا، تجد أن القضية والمشكلة الأساس عندهم هي الشرك والبدع، وأما الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله فهي تعد واحدة من الألف من إجمالي مشكلات المسلمين، فإذا هي ليست القضية، وإنما القضية أن الشرك منتشر والبدع منتشرة والإهمال والترك لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - منتشر، إذا فهي ليست السمة الغالبة، وإنما الذين يمارسون الحكم بغير ما أنزل الله من الوزراء والأمراء ومن حولهم لا يبلغون واحدا من المليون من مجموع المسلمين، الذين يذبحون لغير الله، وينذرون لغير الله، ويطوفون حول القبور.

     الأمر الثالث: أن هذا التوحيد في الحقيقة أصله بدعي، الناس يظنون أن توحيد الحاكمية ابتكره (سيد قطب والمودودي)، وأنهما أول من تكلم فيه، وهذا غير صحيح، فإن أول من ابتكره هم الخوارج الذين قالوا: لا حاكم إلا الله، وأرادوا من هذا التقسيم إفراد قضية الحكم وإعطاءها أهمية، وهي أصل مذهب الخوارج.

ناقلون لمذهب الخوارج

     فإذا سيد قطب والمودودي ومن سار على دربهم هم ناقلون لمذهب الخوارج لا منشئون له، وهذه القضية وهي مفاضلة الناس على مسألة الحكم، هي نفسها التي فاضل فيها الخوارج علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ثم جاءت مسألة القوانين الوضعية، وفي نهايتها تكفير من لم يحكم بما أنزل الله، ثم الخروج عليه على خلاف بينهم هل مطلقا أم عند القدرة؟ والمحصلة واحدة، فالأولون قالوها وخرجوا على خليفتهم علي - رضي الله عنه -، وخرجوا على عثمان - رضي الله عنه - من قبله، وهؤلاء قالوها وهم يخرجون في كل يوم!

      إذاً هي مرفوضة، لا لأن التحاكم إلى شرع الله مرفوض -حاشا! لأنهم يلبسون على الناس ويقولون: إذا أنتم تقرون بالباطل! وهذا ليس بصحيح، ونقول نحن نؤمن بالحاكمية على وجهها السلفي الصحيح وهو: أن يتحاكم الناس في صلاتهم وفي صيامهم وفي عقائدهم وفي حدودهم وفي قضائهم وفي بيوتهم، وفي كل حياتهم إلى شرع الله -عز وجل-، وأما أن يتحاكم الناس فقط في القصور إلى حكم الله، وفي المساجد والبيوت نتحاكم إلى مذاهب وبدع، فهذا لا يستقيم مع الحاكمية الصحيحة في شيء.

هل نحن في هذا التقسيم مقلدون؟

     الجواب: إن التقليد هو أخذ القول من غير دليل، لكن إذا أخذنا قول إمام، وفهمنا دلیله، كنا هنا متبعين لا مقلدين، ومثاله أننا نرى أن الفاعل مرفوع - بالإعراب-، فهل الناس الذين يرون هذا الرأي هم مقلدة لمن وضع هذه القواعد! فالأمة متبعة بأصول وضوابط وضعها العلماء بأدلتها.

     وكذلك هي تماما في مسألة تقسيم التوحيد، فلا أحد قلد أحدا، وإنما علماؤنا وضعوا هذه القواعد والتقسيات استقراء واستنباطا وفهما من نصوص الوحيين، واستقر علمهم على هذا، جيلا بعد جيل.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك