رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 أغسطس، 2022 0 تعليق

من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت – الشيخ عبد الله السبت- رحمه الله (15) الانهزامية في فكر ال

 

هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- على أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، أثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، سهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.

     لما جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الجاهلية الموجودة في عهده، هل تتصورون أن قريشا لم يكن فيها من القيم ومن الأخلاق والعادات ومن النظم شيء؟ أو هل يتخيل بأن فارس والروم لم يكن عندهم من مظاهر الخير شيء؟ لا يتخيل هذا عاقل، وإنما كانت أمما ودولا ومستعمرات، وكان العرب إما مستعمرون لفارس، أو للروم، أو قبائل متناثرة خارج نفوذ الدول.

{فاصدع بما تؤمر}

     الرسول - صلى الله عليه وسلم- جاء إلى هذه الأمة التي كانت موجودة، فنظر في واقعهم وما كانوا عليه، ولكن السؤال: بأي منظار نظر- صلى الله عليه وسلم - ؟ وعلى أي میزان قاس؟ هل نظر إليها أنها دول قوية، فننظر من هذا المنظار؟

     الجواب: لا، بل نظر إليهم كما أمره الله -تعالى-: {فاصدع بما تؤمر} (الحجر:94)، أن يظهر الحق الذي يعرف، فدرس الجاهلية ونظر في أحوالها، وهي المسائل التي جمع معظمها شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي - صلى الله عليه وسلم- أهل الجاهلية، وأمور كثيرة من عاداتهم وقيمهم أبقاها الرسول - صلى الله عليه وسلم.

قيام دولة الإسلام

     ثم قامت دولة الإسلام، فدولة الخلفاء، فدولة بني أمية، ثم دولة بني العباس، وما جرى في هذا وذاك من خلاف ومن صراع ومن حروب، وبقيت الأمة تتوارث دولة الإسلام، أحيانا يكون للأمة خلفاء متعددون، كما كان خلفاء أمويون في الأندلس، وخلفاء من بني العباس في المشرق، ومرت على الأمة فترة ذهب فيها الحكم العربي وسادها حكم الأعاجم، كدول الماليك والغزنويين وغيرهم، ثم آخرها دولة بني عثمان، ولكن في كل هذه المراحل التاريخية، الأمة المسلمة تنظر لنفسها وينظر إليها إلى أنها أمة مسلمة عزيزة، بمعنى أن الأمة لم يصل بها الاختراق في داخلها والانهزام كما وصل في أواخر دولة بني عثمان، وإنما كانت بينها وبين الأمم حروب، فمرة غالبة ومرة مغلوبة، فهي بين كر وفر.

بداية الانهزام

     هذه بداية الانهزام، أننا يجب أن نزيل الفروق الفكرية بين الطوائف، وحتى نستطيع أن نغلب الغرب؛ فلابد أن نأخذ ما عندهم بالكامل! وأخذ هذا وتأثر به بعض المفكرين المخلصين، الذين نظنهم على خير كثير، مثل رشيد رضا ومحمد عبده وغيرهم، ثم تطور هذا الفكر حتى أصبح هو الفكر السائد في العالم الإسلامي بين الشباب.

مظاهر هذا الفكر

     ومن مظاهر هذا الفكر: أولا أننا نفرح كثيرة جدا إذا وجدنا في نظريات الغرب ما يوافق الإسلام، یعني إذا وجدنا كافرا قال بقضية علمية وعندنا فيه موافقة، نطير بها فرحة، وهذا تشاهدونه الآن عند الكتاب الإسلاميين كثيرة، وإذا حاول أحدهم أن يثبت قضية، حاول أن يثبتها بمقولات الغربيين! ونسعد إذا سمعنا أحد الغربيين من الكفار يمدح الإسلام! وكم كان في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم- من الكفار من مدح الإسلام! فهل اهتم المسلمون لهذا المدح؟ وكم من الكفار من مدح عمر - رضي الله عنه - في عهده! وكم من الكفار من مدح هارون الرشيد في عهده! لكن المسلمين ما جعلوها قضايا، ولا براويز علقت، ما السبب؟ أنهم في ذلك الوقت ما كانوا يعطون هؤلاء البشر من المكانة والقيمة، التي أعطاها المفكرون الإسلاميون لهم في هذا العصر.

الكل يظهر مذهبه

     ومن المظاهر أنه في العصور القديمة الطوائف تستحيي أن تظهر نفسها، والفرق كانت تستحيي أن تظهر نفسها، وأما في عصر الانفتاح هذا وعصر الحرية فأصبح الكل يظهر مذهبه، سواء كانوا عبدة البقر، أو عبدة إبليس، وكذلك عباد البشر الذين يطوفون حول الأولياء، هؤلاء جميعا قد ظهروا الآن وأصبحوا قوة، ووصل الأمر في بعض البلدان ألا يتكلم على النصارى في شيء أبدا، ورأينا من الإسلاميين من يدندن في هذا، ولما انتشر الربا وطغى وطم وعم في الناس، جاء من يحاول أن يبحث عن فتوى وعن طريقة في كتب الأولين ليحلل الربا، وهؤلاء ليسوا صعاليك، بل مفكرین وعلماء لهم مكانة! بأن هذا الورق ورق الدينار والدرهم والريال - ليس بالعملة التي يرابى فيها، وأن هذه الفوائد لیست ربا؟

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك