رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 28 سبتمبر، 2022 0 تعليق

من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت- الشيخ عبد الله السبت-رحمه الله (20)الموقف من البدعة وأهلها

 

هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- في أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، وأثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، وسهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.

     عرف الإمام الشاطبي -رحمه الله- البدعة تعریفا جامعا مانعا فقال:« هي طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشريعة، يقصد من السلوك عليها التقرب إلى الله -تعالى».

     نحن نعلم بأن أساس تحريم البدعة هو أن المبتدع مشرع نيابة عن الله -سبحانه وتعالى-، وهو أمر أعظم من التشريعات التي يشرعها المعاصرون في مسألة الحدود أو مسألة الأنظمة الاقتصادية أو غيرها؛ لأن هذا يشرع في العقيدة ويشرع في العبادات، فلا شك إذا أن فعله أكثر جرما من فعل غيره، ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فلیتبوأ مقعده من النار»؛ لأن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - تشريع؛ ولذلك جاء في الأثر أنه: «من استحسن فقد شرع»، وهذا سبب منابذة السلفيين للبدعة ومهاجمتها، والشدة على أصحابها.

مراد الله -عز وجل- لا يمكن أن يدرك بالعقل أبدا

     إذا مراد الله -عز وجل- لا يمكن أن يدرك بالعقل أبدا، ولا بالهوى، ولا بالعاطفة، ولا بأقوال الناس، فمن الذي يدرك ذلك؟ هو الله نفسه -سبحانه وتعالى-، فيخبر رسله بذلك لتبليغ الناس.

     ولذلك مثاله: لو عين مسؤول عليك في العمل، وفي اليوم الأول والثاني والثالث وبعد أسبوع وهو ساكت لا يتكلم ولا يوقع أوراقا! كل الموظفين يتساءلون فيما بينهم ما سياسة المدير؟ هل يريد السير على سياسة الأول؟ هل له تصور جديد؟ فإذا متى سيعرفون؟ يعرفون إذا تكلم وأخبر أن هذا دربه.

     هذا المثال في إنسان وبشر نعايشه، فكيف بالله -جل وعلا- الذي استوى على عرشه -سبحانه وتعالى؟! فلا يمكن لأحد أن يتوصل إلى معرفة وصفه ومراده إلا إذا أخبر هو عن نفسه.

     هذا المنطلق هو الذي جعل أتباع السلف يحمون كل إحداث في الدين؛ اتباعا لنبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فالمسألة ليست فقط أن البدعة حكمها حرام دون معرفة السبب، وأن البدعة فساد في الدين عظيم دون معرفة السبب!؛ فالسبب لأنها إحداث عبادة من محدث قد جعل من نفسه متأليا على الله -سبحانه وتعالى-؛ ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، مردود عليه؛ لأنه قد وضع نفسه في غير موضعها.

     ومع الأسف الشديد كثير جدا من الناس ومن الإسلاميين ومن الدعاة نظروا إلى جانب واحد من التشريع، ألا وهو ما يسمونه بـ(الحاكمية)، وهي قضية الحدود، فقالوا فيها، وأهملوا الجانب الأكبر من التشريع وهو أن يشرع العباد - بعقولهم- صفات لله -عز وجل-، وعبادات وأذكارا ويصنفوا الناس إلى الجنة والنار! هذه أكبر.

     لأنهم ماعقلوا فحوى القضية، نظروا إلى ذلك الظاهر - وهي الحاكمية -، وأهملوا تشريع العبادة، وإلا فمن نظر إلى الأمور بعين البصيرة أدرك أن هذه جريمة كبرى لا تعدلها جريمة في الأرض أبدا.

     ولذلك جاء الحديث: «إن الله احتجر التوبة على كل صاحب بدعة، حتی یدع بدعته»، قال سلفنا -رضوان الله عليهم-: «إن صاحب المعصية يتوب، وصاحب البدعة لا يتوب»؛ لأن الذي يشرب الخمر مثلا يعرف أنه مخطئ، والناس تعرف أنه مخطئ، فعنده عذاب نفسي، أما صاحب البدعة فالناس في المسجد يهللون له ويكبرون، وهو يظن أنه عابد لله، قد أوتي شيئا ما عرفه الأولون! وهو في الحقيقة سائر في درب غواية، ولا تعذبه نفسه أبدا، ولا يتضايق ولا يتذمر؛ لأن المسكين يظن أنه عابد متقرب لله -عز وجل!

ما الذي جعل السلف يقفون هذا الموقف؟

- الأول: الأحاديث والآيات التي تخبر أن الإحداث في الدين جريمة، وكما سبق أن ذكرنا أنهم حراس الدين، يذبون عن هذا الدين كل شيء ليس فيه، يذبون التأويل والتحريف والانتحال، فالنصوص التي جاءت هي التي حركتهم.

- الأمر الثاني: أنهم نظروا بعين البصيرة إلى تاريخ الأمة، فوجدوا أن الذي هدمها هو الابتداع، فالأمة لم تهزم في قتال، وإنما هزمت في المحاريب والمساجد، هزموا عن طريق مصلين صائمين مسبحين كابن سبأ وغيره، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - عن الخوارج: «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وصيامكم إلى صيامهم..».

     كل هؤلاء من أين جاؤوا ؟ جاؤوا من خلال البدع، وجاؤوا إلى الناس إما بمصلحة الدعوة وإما بالحرص على الإسلام! وإما وإما.. فأصبح الإسلام مذاهب وفرقا؛ فلا نتصور أن المسألة سهلة، وأن القضية -كما يصورون لنا- بعض بدع يسيرة صغيرة، تزول وتتلاشي مع قيام دولة الإسلام! هؤلاء مخطئون.

 

من الذي حارب هؤلاء؟

     لم يقف أمامهم إلا الطائفة الناجية فقط، الطوائف الأخرى تجدهم يتناحرون فيما بينهم، الأشاعرة مع المعتزلة، والمعتزلة مع الجهمية والجهمية مع القدرية، ولكن تؤول المذاهب إلى بعضها بعضا، أما أصحاب الطريق المستقيم فهم الذين وقفوا أمام هؤلاء، وكانوا هم سواد الأمة في ذلك الوقت.

     والعجيب -سبحان الله! أن أصحاب الأهواء في تاريخهم لم يتمكنوا أن يقنعوا صحابيا واحدا يرى رأيهم، ولا إماما واحدا من أئمة الحديث المشهورين المعروفين يكون معهم! وإنما أتوا إلى أهل الكلام والفلسفة فساروا بهم وجعلوهم أئمة.

     إذا السلف -رضوان الله عليهم- وقفوا من البدع موقف الحازم، وجعلوا بين أهل البدع وبين أهل الإسلام سدة، وهجروهم وهجروا الكلام معهم؛ لذلك هل تظنون أنه لما يمر أحد علماء الأمة من التابعين كالحسن وغيره، أو الإمام مالك ويضع إصبعه في أذنه، أو يأتي أحدهم ويقول: تعال أناقشك. فيرد عليه ويقول: «لا، أنا لا أناقشكم»، هل هذا جهل منه أو ضعف أو عدم قدرة؟ لا، وإنما ليعلم الناس أن هذه هي المعاملة الصحيحة، مع علمه أنه قادر على رد شبهته، ولكن قد يكون في الناس من لا يستطيع؛ فيشرب بعد ذلك الفتن ولا يستطيع أن يتبرأ منها.

هجر أهل البدع

     ولذلك هجر أهل البدع وإظهارهم في المظهر المنبوذ هو السنة، والهجر هو السائد عند سلفنا -رضوان الله عليهم-، السنة السائدة عند جمهور السلف عبر تاريخهم وعبر كتبهم هو النبذ والمفاصلة، وما جاء خلاف ذلك فهو استثناء، وليس هو الأصل، ولذلك انظروا إن شئتم في كتبهم قاطبة، ترون التحذير والتشهير والهجر هو السمة اللازمة، فإن جاء غيره فهو عارض، إما لضرورة، وإما لمصلحة راجحة، وإما تألیف قلب.

     وهنا يخطئ من يصور السلف على أنهم كانوا رفيقين بأهل البدع والأهواء، ويأتي بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية ولغيره مثلا: «أن أهل السنة أرحم بأهل البدع من أهل البدع بأنفسهم»، نعم أرحم، لا رحماء بأهل البدع، كون أن السلف رأوا مثلا أن ينصفوا مبتدعا، وأن يقولوا فيه خيرا في جانب، ويبينوا ما فيه، هذه قضية، وأن يكون مذهبهم اللطف، هذه قضية أخرى.

     والعجيب أنك تقرأ للكثير ينقل كلام عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان يرى: الصلاة خلفهم، وطلب العلم عندهم، ويثني على كتاب (إحياء علوم الدين)، وغيرها، لكن سبحان الله! إذا كان هذا حال ابن تيمية مع أهل البدع، فلماذا سجنه أهل البدع وسعوا لقتله وإيذائه؟ وإلى الآن يكفرونه ليل نهار.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك