رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 12 أكتوبر، 2022 0 تعليق

من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت – الشيخ عبد الله السبت- رحمه الله(21) الموقف من البدعة وأهل

هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- في أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، وأثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، وسهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.

     أهل السنة قد وقفوا من أهل البدع موقفا مباينا؛ ولذلك كانوا يرون هجرهم، ويرون عدم النظر في كتبهم، بل إنهم كانوا يطردونهم من الجلوس عندهم لأخذ العلم.

أهل البدع ليسوا كفارا

     مع العلم أننا لا نرى أن أهل البدع كفار -وهذه قاعدة متفق عليها-، ولا نرى أن كل من وقع في البدعة فحكمه حكم المبتدع؛ لأن الأمر مختلف، فقد يقع في البدعة من لا يعلم أنها بدعة، وقد يقع في البدعة من كان متأولا، فلا يُعطى حكم المبتدع إلا بعد إقامة الحجة عليه والبيان، وهذا الذي قرره العلماء في كتبهم -رضي الله عنهم أجمعين.

 

موقف الدعوة السلفية هو موقف القدامى

في الوقت الحاضر الدعوة السلفية والجماعات والجمعيات السلفية التي في الدنيا موقفها من أهل البدع هو الموقف القديم نفسه، فاذهب إلى أفريقيا -إن شئت- فستری مساجد الموحدین غیر مساجد المبتدعة، واذهب إلى القارة الهندية، بل اذهب إلى الصين، وإلى أوروبا وإلى غيرها من أقطار الدنيا، ستلاحظ إلى اليوم أن أهل التوحيد لهم مساجدهم ولهم نشاطهم، لا هؤلاء يتصلون بهؤلاء، ولا هؤلاء بأولئك.

     إذا الواقع القديم هو نفسه مستمر في عصرنا هذا، وإذا جئت إلى علماء هذه الدعوة والمشايخ المعروفين كالشيخ الألباني والشيخ عبدالعزيز ابن باز، تری موقفهم هو الموقف القديم نفسه، بل ترى أن أهل البدع موقفهم من هؤلاء الأئمة الأعلام هو الموقف نفسه الذي كان لهم من ابن تيمية والإمام أحمد وغيرهم، فالمواقف هي هي لا تتغير؛ لأن المذهب هو هو، والعقيدة هي هي.

ويأتي هنا سؤال: هل معنى هذا أنه لا تقارب بين السلفيين وغيرهم من أهل البدع عامة؟

     الجواب: لا، أهل البدع يُدعون، ويُنصرون إن وقعوا في ضيق بحسب ما هم فيه، فأن تدعوهم وتعلمهم وتحسن إليهم هذا شيء، وأن تعد مذهبهم صوابا وأنك وإياهم على ثغرة تدافع عن الإسلام فهذه قضية أخرى، فلا ينبغي أن تخلط الأوراق.

أهل البدع بعمومهم مسلمون

     أهل البدع بعمومهم مسلمون، إلا من كان قد وقع في كفر يخرج به من الملة، وهم أيضا أمة دعوة، يدعون ويحسن إليهم ويجتهد فيهم؛ لأن فيهم أعدادا هائلة مضللة مغفلة.

     لكن لا يغزی بهم مع أهل التوحيد إلا في الضرورات، ولذلك بعض الناس ينسب إلى ابن تيمية أنه كان يجاهد مع أهل البدع، وهذا ليس بصحيح، فقد ذكر-رحمه الله- في رده على البكري وغيره في كتبه: أنه كان لا يجاهد معهم، وذكر هذا نصا صريحا؛ ليمنع التأويل الذي ينسب إليه.

معسكرا أهل السنة وأهل البدع لا يجتمعان

     ما اجتمع معسكر أهل السنة في جهاد مع معسكر أهل البدع إلا إذا وقع ما يسمى بجهاد الدفع، وهذه لكل حال حكمها، وإنما الأصل أن أهل السنة يميزون، وقد تميزوا عبر تاريخهم، ولذلك عندما نقرأ أن الجويني -رحمه الله- عاد إلى السنة؛ لأنه كان على مذهب كلامي كالأشاعرة وغيرهم.

البدعة شر عظيم

     خلاصة الأمر أن البدعة شر عظيم، وهي الداء الذي فتك بهذه الأمة عبر تاريخها، وأن الأمة لا يمكن لها أن تقوم من جديد؛ إلا إذا نُقي الإسلام من جميع الشوائب، وعادت الأمة إلى الإسلام الصافي الذي نزل من السماء.

     وكما ذكرنا أن صاحب البدعة قد یكون عابدا ومخلصا ومجتهدا، وهذه هي التلبيسة على الناس، غير قادرين على فهمها، يقولون سبحان الله! فلان هذا يدعو في أدغال إفريقيا ويجتهد ويتعب ويفعل، وفلان هذا ماشاء الله قوام ليل، وفلان يبكي إذا صلى بنا.. إلخ، هؤلاء يريدون وجه الله، ولكن ما حققوا مراد الله، - انتبهوا لهذا؛ فإرادة وجه الله شيء، وتحقيق مراد الله شيء آخر.

العمل لا يقبل إلا بركنين

     تعلمون أن العمل لا يقبل إلا بركنين: إخلاص لله، ومتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهؤلاء نسأل الله أن يكونوا قد حققوا الإخلاص، ولكن أين المتابعة؟ نحن لا نقول: إنهم في النار، قد يغفر الله لهم، فهو بيد الله، لكن -بحسب اللوائح كما يقال- هذا العمل مردود، أما أن الله -سبحانه وتعالى- يغفر؛ فالأمر له -سبحانه وتعالى- بيده كل شيء، يرحم من يشاء ويعذب من يشاء -سبحانه-، كما فعل -سبحانه- مع ذلك الرجل الذي أمر أولاده بأن يحرقوه وأن يذروه في الريح، فلما سأله الله -عز وجل- لم فعلت ذلك؟ قال: مخافتك يارب، قال: قد غفرت لك، لكن هل معنى هذا أن الفعل صحيح؟ الجواب: لا، الفعل جريمة وعقيدة كفرية، وإلا ما كان علماؤنا كلهم استدلوا بهذا الحديث على أن الرجل قد يقع في الكفر ولا يكون كافرا، والصحابة عندما طلبوا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم شجرة يعلقون فيها سيوفهم، قال: قلتم مقالة أصحاب موسی (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)؛ فهذا الكلام كفر، لكنه ما قال أنتم كفار؛ لأنه يعلم أنهم ما أرادوا إلا الخير، ولكنهم وقعوا في انحراف؛ فقومهم مباشرة.

بعض صفات أهل البدع

     فنقول: إن هؤلاء الناس الذين نشاهدهم ونراهم من أهل البدع فيهم إخلاص، وعندهم جهد، وفيهم طاعة وفيهم تضحية، ولديهم خدمة للإسلام، ولكنهم أخطؤوا الدرب، لا تغتر بفعلهم، ولذلك الصحابة -رضي الله عنهم- سمعوا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة في الخوارج، ومع هذا يقول علي - رضي الله عنه - لمن معه وهو يقاتل الخوارج: لولا أخشى أن يأتيكم بطر لأخبرتكم بأجر من قاتلهم، قاتلهم قربة لوجه الله، لم يقاتل زناة ولا شراب خمر ولا أهل ربا ولا نساؤهم متبرجات، وإنما قاتل مصلين صائمين مهللين مكبرين موحدين في أمورهم ليس لديهم شرك ظاهر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في وصفهم: «تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم» لكن عندهم لماذا قاتلهم وهم على هذه الحال من الدين والطاعة والخضوع والخشوع؟ لأنهم انحرفوا عن المنهج ولم يحققوا الاتباع، حققوا ظاهر الإخلاص، لكن ما حققوا الاتباع.

     فهذه الاعتراضات التي اعترضوا بها علينا ليل نهار، لا وجه لها من الناحية العلمية أبدا، فلان من الناس فعل كذا، فلان عمل كذا، فلان اشتهر، هذه كلها ليس لها اعتبارات في الميزان والعمل الشرعي، إنما الميزان أن تعبد الله -سبحانه وتعالى- مخلصا ومتبعا، {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف:110).

السلفيون هم الوحيدون الذين يقاومون البدع

     لهذا السبب ترى أن السلفيين هم الوحيدون منذ عهد الصحابة وإلى اليوم من يقاومون البدع، ما قاومها غيرهم؛ ولذلك انظر مثلا إلى المعتزلة والأشاعرة وماذا كتبوا عن البدع والشرك تجده قليلا جدا، وانظر إلى الجماعات المعاصرة مثل حزب التحرير والتبليغ والإخوان وجماعات الجهاد والتكفير والهجرة وغيرهم، وایتني بكتابين أو ثلاثة صنفوهم في بيان الشرك والبدع على الحقيقة، لا تجد، لكن انظر إلى السلفيين عبر تاريخهم، بل إني ما وجدت إلى اليوم عالما ألفيه إلا وله رسالة أو رسالتان أو أكثر في التحذير من البدع، فكأنهم يرون أن الرجل لا يكون سلفيا إلا إذا كتب في هذا؛ لأن هذا من الجهاد وبه حماية الدين.

وصية

     احفظوا هذين الحديثين: الحديث الأول: حديث الذب عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم - وكما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح: « إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي»، الناس كلهم ذاهبون للشرب من ذلك الحوض ونسأل الله -عز وجل- أن نكون منهم - ومن شرب منه لا يظمأ بعدها أبدا، والناس - كما تعلمون- في ذلك اليوم العظيم تدنو الشمس منهم، ويأخذ الناس عرقهم، فمنهم إلى رجله، ومنهم إلى حقويه، ومنهم إلى رقبته، ومنهم من يغطيه -أعاذنا الله من ذلك-، فالناس بحاجة للشرب، فيأتيه منهم أهل الإسلام الذين يصلون ويصومون وأهل الطاعة كلهم ليشربوا من حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعرف أمته، ولما سئل كيف تعرفنا یا رسول الله في الأمم الكثيرة؟ فأخبر بأن لهذه الأمة علامات من أثر الوضوء، فقال: «إنكم تأتون غر محجلين من أثر الوضوء»، فتكون عليكم هذه الميزة في الوجه والرجل من آثار الوضوء، فكل الناس يذهبون للحوض، ولكن الملائكة تفرز الناس، فلا يسمح لهم بالقدوم على رغبتهم ولا حتى على رغبة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشربوا فيمنعوا؛ فيقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «يا رب أمتي أمتي!» كيف تمنعون هؤلاء وهم من أمتي؟! فيقال: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». هؤلاء صحيح في الظاهر مسلمون، ليسوا كفارا، ولكنهم ما اتبعوا السنة كاملة، وما ساروا على هديك وهدي أصحابك، وإنما ابتدعوا وأحدثوا في دينك، قال: فأقول سحقا سحقا.

     هذا حديث عظيم يبين أن من أحدث غير ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يطرد عن الحوض، يذاد عن حوضه - صلى الله عليه وسلم -، وهل منا من أحد يرجو في ذلك الموقف العسير وهو قادم مع المسلمين أن يطرد عن حوض النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ لا والله، إذا كيف يطرد هؤلاء، وهم أهل صلاة وأهل صيام؟ لأنهم ابتدعوا في العقيدة، صاروا على عقائد فاسدة، أو ابتدعوا في التصوف، أو ابتدعوا في أمور المسلمين، ليسوا كفارا، ولكنهم ليسوا من الطائفة الناجية المنصورة التي (ما أنا عليه وأصحابي) فيطردون عن الحوض، ما قال: إنهم لا يصلون، ولا قال: إنهم لا يصومون، ولا قال: إنهم لا يفعلون طاعات، قال: «إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك