رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 أكتوبر، 2022 0 تعليق

من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت – الشيخ عبد الله السبت- رحمه الله (22) العدل صفة هذه الأمة

 

هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- في أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، وأثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، وسهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.

      العدل ضد الظلم وضد الجور، وأبرز صفة لهذه الأمة أنها عبر تاريخها كانت عادلة، مع نفسها ومع أعدائها ومع أوليائها، وهذا مقتضی الكمال الذي وصفت به، ومقتضى الاتباع الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له ذلك الخارجي: اعدل یا محمد! فقال: «ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل!»، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعدل فلن يعدل أحد، وإن كان الصحابة -رضوان الله عليهم- لن يعدلوا فلن يعدل أحد، وإذا كان أتباع الصحابة -رضي الله عنهم- لن يعدلوا، فلن يعدل أحد بعد ذلك، وهكذا تستمر الأمور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك جاء في وصفهم أنهم عدول وأمرهم بذلك، قال -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد:25).

من مقاصد الدين تحقيق العدل

     فالله -عزوجل- أنزل هذا الدين ليتحقق في الأرض تمام العدل، بأنواعه كاملا، وأولها العدل مع الله -سبحانه وتعالى-: ألا يعبد إلا الله -سبحانه وتعالى-، فلا يصرف شكر النعمة إلى غيره، فهو الذي أعطى، وهو الذي رزق، وهو الذي خلق، وهو الذي أوجد -جل وعلا-، وقد وصف الله -عزوجل- هذه الأمة بأنها وسط في كل أعمالها، وهذا من تمام عدلها وتمام استمرارها، كما قال -سبحانه وتعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (البقرة: 143)، وأمرنا ربنا -سبحانه- بالعدل المطلق مع الولي ومع العدو، وهذا الأمر جعل سمة لهذه الأمة عبر حروبها قاطبة.

      قال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة:8)، يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله في تفسيره-: «ليكن من أخلاقكم -أي أنتم يا هذه الأمة- وصفاتكم: القيام لله شهداء بالعدل، في أوليائكم وأعدائكم»؛ لأن الإنسان قد يشهد بالظلم مع وليه، وقد يشهد بالظلم مع عدوه، وقال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: «كونوا قوامين بالحق الله -عز وجل-، لا لأجل الناس والسمعة، وكونوا (شهداء بالقسط) أي: بالعدل لا بالجور» وقال أيضا: «لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل؛ فإن العدل واجب على كل أحد، في كل أحد، في كل حال»، يعني واجب على جميع الناس في جميع الناس في جميع الأحوال، وهذا من الكلام المحكم الجميل الذي سطره ابن كثیر -رحمه الله.

المسلمون مأمورون بالعدل

     إذا المسلمون مأمورون بأن يعدلوا، ولا شك أن أكبر عدل أن يكون الله -عز وجل-، بمعنى ألا يشركوا به -سبحانه وتعالى-، فإذا وقع الشرك كان ظلما، والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه؛ فمن أشد الظلم أن يرزقه الله -سبحانه- ويهبه وهو يعبد غيره، وأن يعطيه ويحمد غيره، ومن ظلم مع ربه فلن يعدل مع الناس.

     ولذلك فإن كثيرا من أهل العلم يقولون: إن الإنسان إذا ساءت أخلاقه مع والديه فلا يمكن أن تكون أخلاقه مع الناس حسنة، إلا نفاقا وسمعة ورياء.

أمتنا أعدل الأمم

     إذا جئنا للتاريخ وجدنا أن هذه الأمة المهتدية عبر تاريخها هي أعدل الأمم، ولذلك كانت الجملة المشهورة العظيمة لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «أهل السنة أرحم بأهل البدع من أهل البدع بأنفسهم»، إذا هذه الأمة أو هذه الطائفة الناجية والفرقة المنصورة ما حكم الله لها بالنجاة والنصرة والتأييد وأنها مميزة عبثا ، وإنما يجب أن تتصف بصفات؛ ولذلك من وقع في الظلم والجور والفساد في الأرض فإنه قد فقد الصفة الأصلية لهذه الطائفة الناجية المنصورة.

موقف الإمام أحمد

في قضية خلق القرآن

     من الأحداث الشهيرة ما جرى لإمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل -رحمه الله- عندما جرت قصته المشهورة في قضية خلق القرآن، لو نظرنا إلى ما فعله المعتزلة معه ومع غيره من أهل السنة من إيذاء وتعذيب واضطهاد وقتل، ثم لما دارت الدنيا وأطلق لم ينتقم، بل لم يدع عليهم! وإنما دعا لمن ظلمه بالهداية والتوفيق، هذا الخلق هو الذي جعل هذه الطائفة سيدة.

     فالعدل الذي مارسه السلف -رضوان الله عليهم- عبر تاريخهم وكتبهم وأحوالهم مع جميع الطوائف هو الذي جعلهم سادة، وجعلهم أهلا لأن يتصفوا بهذه الصفة التي وصفهم بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووصفهم بها ربنا -جل وعلا.

ما جرى لابن تيمية -رحمه الله

     وانظر كذلك لما جرى لابن تيمية -رحمه الله- من سجن وتعذيب واضطهاد، أتاه التأييد من بعض الخلفاء؛ لم نر منه بطشا أو قتلا أو أذية لخصومه، وإنما رأينا منه دعوة لهم ورغبة في أن يهديهم الله -عز وجل-، ونرى منه اللطف، بل نرى منه الوسط عند بعض الحكام في ذلك الزمان للعفو عنهم، هذا العدل والتسامح هو الذي ساد علماء هذه الطائفة الناجية وأئمتها عبر تاريخها؛  فالسلفيون -مع كل ما فعله الخوارج- لم يكفروهم، وإنما قال علي - رضي الله عنه - جملته المشهورة: «من الكفر فروا»، والإمام أحمد -رحمه الله- مع كل ما جرى له يقول: «لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان».

الشيخ الألباني -رحمه الله

     وهذا الشيخ الألباني -رحمه الله- أحدث مثال عندنا، على كل ماجاءه من أذى من المذاهب والأحزاب، لكن ما سمعناه قال كلمة ظلم فيهم أبدا، فإذا قارنت هذه المواقف عبر تاريخها، مع مواقف مشايخ البدع في أهل السنة، ترى العجب، انظر لهذه المكتبات وما فيها من كتبهم وكلامهم في أهل السنة السلفيين كيف ملئت حقدا! فهم لم يرعوا حق الله فيهم، لذلك أي داعية أو أي تجمع أو أي شيخ يخالف هذه القضية فإنه لا شك خالف السمة المميزة لأهل السنة والجماعة في منهجهم وفي طريقتهم، ولذلك يجب أن ننتبه وأن ننظر إلى تاريخنا.

فوائد مما سبق

ونستفيد من ذلك فوائد عدة منها ما يلي:

الفائدة الأولى

     أنه لا يمكن للناس أن يقبلوا بإمامة ظالم، فكيف إذا كان ظلمه في الدين، سيكون ظلما على ظلم، والظلم ظلمات كما أخبر النبي [، وهذه الطائفة جعلها الله -عزوجل- قائدة للناس إلى يوم القيامة كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فلابد أن يتعلق الناس بها تعلق القدوة، والقدوة إن كان ظالما فلن يقبل منه ولن يقتدى به، ولذلك انظروا إلى عامة المخالفين من أصحاب الفرق سواء الخوارج أم المعتزلة أم الأشاعرة كلهم ما تجاسروا في الطعن في أئمة الحديث الكبار، أئمة الجرح والتعدیل، طبعا أنا أتكلم عندما كان في تلك الطوائف -على فساد عقائدها- أخلاق، لا أتكلم عن طوائف هذا العصر الذين فقدوا المنهج والأخلاق، فلا نرى لهم في أئمة الحديث مطعنا، إلا ما جرى في بعض المسائل، وإلا من حيث العموم يرون أنهم القدوة، وهكذا في الأئمة الأربعة وأئمة الفقه الآخرين؛ لأن هؤلاء الناس كانوا منارات، يقومون بالعدل الذي أمرهم الله -سبحانه وتعالى- أن يقوموا به.

الفائدة الثانية

     أن الله -عز وجل- لا يمكن أن يمكن لظالم في الأرض أبدا، فلا يمكن له في القلوب، ولا أن يحبه الناس ويقتدوا به، ويأخذوا منه الدين، فقد يخدع الناس فترة به، ولكن في النهاية الناس تلفظه، ولذلك كما قال الأولون: «العهد بيننا وبين أهل البدع المقابر»، وانظر إلى أئمة أهل البدع في التاريخ كانت لهم قوة وأتباع وكتب، لكنهم انتهوا، وما بقي في الدنيا إلا الأئمة الذين التزموا هذا المنهج القويم وهذا الطريق؛ فالإمامة هي القبول في الأرض، والقبول في قلوب الناس، والله -عز وجل- لا يمكن لظالم أبدا.

الفائدة الثالثة

     إننا نستطيع أن نميز هذه الطائفة؛ لأنها موجودة في الدنيا حتى قيام الساعة؛ مصداقا لحديث النبي  صلى الله عليه وسلم ، فلابد أن تكون ظاهرة بينة يعرفها كل الناس، وأن هؤلاء أهل الحق، هؤلاء أتباع النبي  صلى الله عليه وسلم ، ولذلك اذهب إلى أي بلد واسأل العوام أين السنيون؟ سيدلونك عليهم، لا يمكن أن يأخذوك لصوفي.

     أما لو قلت أين أهل الدين؟ أين المتدينون؟ أين الحركات؟ يمكن أن يدلوك إلى أي مكان، لكن إذا سألت العامة أين السنيون؟ أو أين الوهابيون؟ أو أين السلفيون؟ سیدلونك على هذه الطائفة، ولو واحدا منهم، وهذا أمر مجرب في الدنيا، في هذا العصر وفي غيره، إذا هم باقون وظاهرون بأمر الله -سبحانه- وتأييده، فعندما نقول: إن من صفاتهم العدل، وأن من سماتهم أنهم عدول، مع وليهم، وذلك استمرارا لريادتهم وقيادتهم لهذه الأمة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك