من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت – الشيخ عبد الله السبت- رحمه الله (23) الموقف من الفرق
هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- على أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، أثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، سهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.
ذكرنـا أن الأمـة افترقت وأن هـذا الأمـر قـدري؛ لأن إرادة الله تنقســم إلى إرادتين: إرادة قدريـة كـونيـة، وإرادة شرعيـة، وقلنـا: بـأن الإرادة الكونيـة القدريـة هـي التـي تجـري رغـما عـن النـاس، كمـن يـولـد لـه ولـد أسـود أو التفريق بين ولـد أعـرج أو ولد أعمـى ومـا إلى ذلك، وهـذه لا يستطيع أحـد مـن النـاس أن يخالفهـا، ومنهـا أن هـذه الأمـة سـتفترق إلى ثلاث وسبعين فرقـة التـي أخـبـر عنـهـا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى أن هـذه الأمـة سـيقع بأسـها بينهـا، كـما أخـبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: أنـه سـأل الله -عز وجل- كـا قال: «سألت ربي ثلاثاً، فأعطـاني اثنتين ومنعنـي واحـدة: سألته بـألا يهلك أمتـي بـسـنـة عامـة - أي بقـحـط - فأعطانيهـا، وسألته ألا يسلط عليهـم عـدوا سـوى أنفسـهـم فيستبيح بيضتهـم فأعطانيهـا، وسألته ألا يضـع بأسـهـم بينهـم فمنعنيهـا، قـال قـلـت هـذه أهـون»، أي الثالثـة أهـون كـا قال -سبحانه وتعالى-: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ} (الأنعام: 65) هـذا يسميه العلـماء بـالإرادة الكونية القدرية التي جعـل الله علمهـا إليـه -سبحانه-، فلا نستطيع أن تمنع وقوعهـا.
خطـأ عقائـدي
ولذلـك وقـعـت بعـض الجماعـات الإسـلامية في خطـأ عقائـدي، وهـو ظنهـا أنها تستطيع أن تمنع الافتراق، لكـن الـذي نستطيعه: أن نقـلـل سـواد أهـل البدع، ونكثر سواد أهل الحق، بمعنى أن الأمة في عصورها الذهبية كان أهل الحق -وهم فرقة واحدة - أكثر من أهل الباطل على اختلاف فرقهم، إذا يمكن في فترة من فترات الأمة أن يكون أهل الحق أكثر وإن كانوا فرقة واحدة وأهل الباطل أقل وان كانوا اثنتين وسبعين فرقة؛ فالذي نستطيع أن نرده هو الإرادة الشرعية.
الله -عز وجل- قال: أقم الصلاة، أنت تستطيع أن تقول: أنا لا أصلي، فعندك القدرة على الرفض أو الاستجابة، ومن ثم تؤجر أو تؤثم، أما هذه الارادة الكونية فالناس لا يستطيعون لها دفعا؛ لأنها مشيئة الله -سبحانه وتعالى- الذي حكم وقضى أن الأمة ستفترق.
نحن الآن أمام واقع وهو ظهور الفرق في الأمة، الخوارج والمعتزلة والمرجئة والقدرية ثم تفرعوا، والمرجئة فرق بأنواعها، والخوارج فرق بأنواعها، والقدرية فرق بأنواعها، هذا واقع الأمة الآن، فما الموقف الصحيح للمسلم الذي عليه أهل السنة والجماعة سلف هذه الأمة من هذه الفرق؟
الموقف الصحيح للمسلم
الموقف الصحيح يجب أن يعلم ويحدد؛ لأنه أمر عقائدي؛ فليست المسألة مسألة ترف فكري كما يظن بعضهم، بل إنه قد تؤجر وقد تؤثم، فلابد إذا من معرفة واقع العلم الصحيح من هذه القضية.
الفرق تنقسم إلى أشخاص وعقائد
أولا: هذه الفرق تنقسم إلى أشخاص وإلى عقائد، والأشخاص مختلفون في العقائد، فتقول مثلا: إن عقيدة القول بخلق القرآن كفر -وقد قال بها جمع من علمائنا- لكن لا يلزم أن زيدا من الناس قال بهذه العقيدة فهو كافر.
الموقف الصحيح
إذا الموقف الصحيح أننا يجب أن ننظر إلى هذه العقائد نظرة علمية؛ فما حكم عليه علماؤنا بأنه كفر، نحكم عليه أنه كفر، وما حكم عليه من العلماء بأنه ليس بكفر، نقول هذا ليس بكفر، وبالنظر في أصول الفرق تجد أن بعض كلام المعتزلة فيه كفر، وبعض كلام القدرية فيه كفر، لكن إجمال الفرق -غير الغلاة الباطنيين - فعامة السلف لم يكفروهم؛ ولذلك لما جاء الخوارج فكفروا الصحابة وقاتلوهم، جاء الناس إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسألونه عنهم وهل هم كفار؟ فقال لهم: «من الكفر فروا»، فلم يكفرهم علي - رضي الله عنه -، وكذلك الإمام أحمد مع غيره من العلماء الذين ثبتوا على مقولة واعتقاد: (أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق)، وحملوه على قول: (إن القرآن مخلوق)، ومع هذا فإن الذين آذوه وعذبوه وكلموه على قول هذه العبارة لم يكفرهم.
إذا عامة من قرأنا لهم من علمائنا أنهم لا يكفرون الفرق الموجودة، وإنما يكفرون عقائد منها، ويكفرون آحادا من الناس قد وصل به الكفر إلى ما وصل إليه، كما كفروا ابن عربي في أكثر من موضع؛ لأنه صرح بالكفر بما لا يحتمله أحد.
انقسام الأشخاص وتنوعهم
والأشخاص ينقسمون إلى:
الصنف الأول: قسم العوام
عوام الصوفية وعوام القدرية وعوام المرجئة وعوام المعتزلة وغيرهم، هؤلاء الناس العوام لا يكفرون، بل لا يشنع عليهم إلا تعزيرا، وإلا فالواجب دعوتهم ونصيحتهم؛ لأنهم مضللون، وعلى هذا ينطبق على عوام المسلمين، بعضهم قد يقع في الكفر ولا يعلم أنه كفر.
العوام لا يحكم عليهم
إذا القاعدة فيهم أن العوام لا يحكم عليهم، لكن لا يتركون بلا دعوة وبيان، وهذا الفرق بين الدعوة السلفية أهل السنة وبين غيرهم من الدعوات الأخرى، فنحن نرى أن هؤلاء العوام -وإن كنا نعذرهم- لكن لا ينبغي أن نسكت عنهم؛ لأن هذا لو قابلك عند الله -سبحانه وتعالى- وتعلق بك وقال: يارب هذا رآني ولم ينصحني فبماذا تجيب؟.
الصنف الثاني: الدعاة والكتاب والمفكرون
الصنف الثاني من أصحاب الفرق هم الدعاة والكتاب والمفكرون، فالذي يفسد الأمة أو يصلحها هم المتكلمون الدعاة والكُتّاب، فهم من يريدها فسادا أو إصلاحا، إما يهيجونها نحو حق أو يهيجونها نحو باطل، هؤلاء الناس يتخذ معهم - كما أسلفنا - خطوات:
- الأولى: مناقشتهم بالبيان، كما فعل ابن عباس مع الخوارج، مناقشة بیان وحجة وأخذ ورد، فإن لم تؤت ثمارها؛ نأتي بالخطوةالثانية: إعلان البراءة منهم، كما فعل ابن عمر الله -رضي الله عنهما- لما بلغ عن عبد وغيره ممن أظهروا القدر في البصرة، كانوا بعيدين عنه، لكنه حذر منهم، وأظهر البراءة منهم.
ومن التعزير أيضا أن يحجر على صاحب الفكر الفاسد حتى يذهب الذي عنده، أو يحدث الله بعد ذلك أمرا.
فنحن نستطيع أن نناقش، ونستطيع أن نجادل، ونستطيع أن نتبرأ، لكن الخطوات الأخرى للسلطان الحاكم، الذي يجب عليه أن يحمي الأمة من هذا الفكر الفاسد الذي يدمرها.
ولذلك الصحابة -رضي الله عنهم- مارسوا هذا ممارسة عملية مع أخطر فكر وهو فكر الخوارج، جادلوهم مجادلة طويلة، حاولوا أن يعزلوهم، كا قال علي - رضي الله عنه -: «لا أقاتلهم حتى يقاتلونا»، فنصبر عليهم ونناقشهم ولا نقاتلهم، فإن قاتلونا قاتلناهم؛ ولذلك قاتلهم الصحابة -رضي الله عنهم- بل النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتالهم قتالا شديدا، كما جاءت الأحاديث الكثيرة التي تبين أنهم (شرار الخلق والخليقة)، ثم أمر بقتلهم وقتالهم، وأخبر بأن الذي يقتلهم له أجر كذا وكذا»، حتي علي - رضي الله عنه - يقول لأصحابه: «ولولا أني أخشى أن تتركوا العمل لأخبرتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - لمن قاتلهم.
لاتوجد تعليقات