من أخلاق السلف -رضي الله عنهم
من أخلاق السلف -رضي الله عنهم- كثرة شفقتهم من الله -تعالى- أن يعذبهم على ما جنوه من مظالم نفوسهم، ومظالم العباد ولو إبرة يخيطون بها، ولاسيما إن كان أحدهم يستقل أعماله الصالحة في عينه؛ فإنه يشتد خوفه وكربه لعدم أن يكون معه شيء من الحسنات، يعطي منها الخصوم يوم القيامة، وربما شح أحد المظلومين يوم القيامة؛ فلا يرضى بأعمال الظالم الصالحة في مظلمة واحدة من مال أو عرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ؛ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ» (رواه البخاري).
أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ؛ فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ؛ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» (رواه مسلم).
قاصمة الظهور!
روي عن الحسن البصري، أنه قال: ولقد روي أنه نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (النساء:123)؛ فقال أبو بكر رضي الله عنه : «نزلت والله قاصمة الظهور!»؛ فإذا قال ذلك أبو بكر رضي الله عنه ، وقد شُهد له بالجنة؛ فكيف يجب أن يكون قول مَن سواه؟! فاعتبروا معشر المؤمنين، وكونوا على حذر، لعلكم تأمنون عذاب يوم عظيم.
انخلاع قلوبهم رهبةً وخوفًا
انخلاع قلوبهم من أجسامهم في كل مرضة يمرضونها، لاحتمال أن تكون تلك المرضة الأخيرة لهم؛ فلا يمكنهم التسوية ولا تدارك الحقوق، فيذهبون إلى الآخرة وهم عصاة، كالعبد الآبق الذي هرب من سيده بعد كثرة مخالفاته؛ فأحيط به وأحضر إلى سيده. دخل الحسن البصري على رجل وهو يجود بنفسه فقال: «إن أمرًا هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله»، ولما حضرت إبراهيم النخعي الوفاة بكى؛ فقيل له في ذلك؛ فقال: «إني أنتظر رسولًا يأتيني من ربي، هل يبشرني بالجنة أو بالنار؟!».
فتأمل يا أخي في نفسك، واعلم أنك محتضر على الدوام، ولا تملك لنفسك نَفَسًا واحدًا، وأكثِر من الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، والله يتولانا وإياك بهدايته، ويمن علينا بأسباب رحمته.
لاتوجد تعليقات