رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 28 مارس، 2016 0 تعليق

من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم

كف الأذى مفهوم عظيم، ومعنى كبير أكده الإسلام، ومع الأسف أهمله بعض المسلمين جهلا به أو تجاهلا له

 

يعد الطريق من أهم وسائل التواصل القديمة والحديثة، فمن خلاله يصل الناس إلى مقاصدهم، ويحققون منافعهم، وقد اعتنى الإسلام بالطريق عناية كبيرة، فشرع للطرقات أحكاما وآدابا تحفظ بقاءها وسلامتها، وتحقق مصالح السالكين، وتدرأ عنهم المفاسد والأضرار.

وحق المرور هو حق الإنسان في الوصول إلى ملكه أو مصالحه من طريق عام أو من طريق مشترك أو من طريق خاص ثبت له فيه حق المرور.

     واتفق الفقهاء على أن حق المرور في الطريق العام حق لجميع الناس، لكل واحد منهم حق الانتفاع به، وليس لأحد أن يختص بشيء منه، لكن بشرط السلامة والمحافظة عليه، وعدم الإيذاء أو الإضرار للآخرين، فيمنع كل تصرف يؤذي المارة ويضيق عليهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار».

     ومن عناية الإسلام بالطريق أن شرع الله -سبحانه- العقوبة الحازمة لمن قطع الطريق، وأخاف السبيل في قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم}(المائدة: 33). قال القرطبي: «نَزَلَتْ الْآيَة فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْطَع السَّبِيل وَيَسْعَى فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ».

     وفي السنة ما يؤكد أن للطريق حقا، وليس للمرء أن يخل بذلك الحق، فعن أبي سعيد الخُدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوسَ في الطُّرقات» قالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بُدٌّ، نتحدَّثُ فيها، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «فإذا أبيتم إلا الجلوس، فأعطُوا الطريق حقَّه»، قالوا: وما حقُّ الطريقِ يارسولَ الله؟ قال: «غَضُّ البصرِ، وكَفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكَر» مُتَّفق عليه.

قال الشيخ ابن عثيمين: «ففي هذا الحديث يُحذر النبي صلى الله عليه وسلم  المسلمين من الجلوس على الطرقات، فإن كان لابد من ذلك، فإنه يجب أن يعطى الطريق حقَّه».

     قال النووي: «هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء، وإحقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الموضع».

     وكف الأذى مفهوم عظيم، ومعنى كبير أكده الإسلام، ومع الأسف أهمله بعض المسلمين جهلا به أو تجاهلا له، وقد بين صلى الله عليه وسلم  أن إزالة ما يتأذى منه الناس من الحسنات فقال: «عُرِضتْ عليَّ أعمال أمتي، حَسَنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يُماط عن الطريق، ووجدتُ في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد» أخرجه مسلم.

وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان العملية كما قال صلى الله عليه وسلم : «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» أخرجه مسلم.

قال النووي: «قوله: «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» أي: تنحيته وإبعاده. والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر أو مدر أو شوك أو غيره».

وعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  تنحية الأذى من جملة الصدقات التي تنفع العبد يوم القيامة فقال في حديث طويل: «وتميط الأذى عن الطريق صدقة». متفق عليه

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن إيذاء المؤمنين في طرقهم بالإيذاء الحسي أو المعنوي فقالَ: «اتّقُوا اللَّاعِنَيْنِ: الذي يَتَخَلّى في طريق النّاسِ، أو في ظِلِّهم» رواه مسلم. أي: احذروا الأمرين الجالبين للعن الناس.

قال النووي: «قوله: «الذي يتخلى في طريق الناس» فمعناه يتغوط في موضع يمر به الناس وما نهى عنه في الظل والطريق؛ لما فيه من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره».

وفيه تحريم التخلي في الطريق، وتحريم التخلي في الظل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم  جعله سببا للعن.

قال الصنعاني: «والمراد بالذي يتخلى في طريق الناس أي: يتغوط فيما يمر به الناس؛ فإنه يؤذيهم بنتنه واستقذاره، ويؤدي إلى لعنه، فإن كان لعنه جائزا فقد تسبب إلى الدعاء عليه بإبعاده عن الرحمة، وإن كان غير جائز فقد تسبب إلى تأثيم غيره بلعنه».

     وقال الشيخ ابن عثمين: «جواز لعن من فعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم  أخبر عن هذا محذرا من أن تقع اللعنة على الفاعل، ولا يمكن أن تقع اللعنة على الفاعل إلا إذا كان اللاعن محقا، أما غير المحق فلا يمكن أن تقع اللعنة على الملعون، وعلى هذا يجوز أن يلعن الإنسان فاعل ذلك».

وقال أيضاً: «من الورع ألا يلعنه بعينه، وإنما يقول: اللهم العن من فعل كذا؛ لأن لعن المعين حرام».

وقد قال -تعالى- فيمن آذى مسلمًا بالقول أو الفعل: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (الأحزاب: 58).

وقال صلى الله عليه وسلم : «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم». أخرجه الطبراني وحسنه الألباني، قال المناوي مبينا كيفية الإيذاء: «بنحو وضع حجر أو شوك أو تغوط أو تبول».

     ومع كل هذه الأدلة التي ترغب في إماطة الأذى، وتحذر من إيذاء المؤمنين، تجد من لا يبالي بذلك ولا يرفع بذلك رأسا، فيقوم بإيذاء المسلمين بما يضعه في طرقاتهم وأسواقهم مما يؤذيهم ويُدنِّس ثيابَهم، أو بما يجرح أبدانهم، ويُعرِّضهم لما يؤلمهم كالأحجاروالأخشاب والزجاج والمسامير، أو بما يُضيِّق طرقاتهم كالتراب وحَفْر الحفر بلا ضرورة، أو لضرورة ويتساهل أصحابها في إزالتها أو بوضع حواجز للحماية منها.

     ومن الإيذاء ما نشاهده من استهتار بعض السائقين في الشوارع بحياة الآخرين وأموالهم، فيسرعون سرعة جنونية، ويتسابقون أحيانا، ويعطلون الشوارع والميادين بالاستعراضات التافهة لاسيما إن أمطرت السماء، وما يقوم به بعضهم من تجاوز لغيره بغير حق مستغلا كتف الطريق وما يثيره من حصى يتلف المركبات، أو يتجاوز الإشارة الحمراء معرضا حياة الآخرين لخطر الموت أو الإصابة بغير مبالاة، أو يوقف سيارته في أي مكان على أية هيئة مضيعا حق الآخرين في الوقوف، أو مقيدا حقهم بالحركة وغير ذلك من مظاهر الإيذاء التي تثير غضب الناس، وتستحث ألسنتهم بالدعاء على أولئك المستهترين باللعنة والثبور وعظائم الأمور، فكيف لا؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم  : «من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم»، فمن آذى المسلمين فأصابته لعنتهم فلا يلومن إلا نفسه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك