منهج ضوابط الفتوى في القضايا العقدية المعاصرة
لابد من منهج يضبط الفتوى العقدية في التلقي من خلال قواعد أصَّلها أهل السنة حتى يتضح المنهج في الاستقامة على الطريق، ومن ذلك:
1 - وجوب حصر مصدر تلقي الفتوى في الكتاب والسنة والإجماع ولاسيما قضايا العقيدة ومسائلها في الأمور التوقيفية والغيبية غالبا، ولا يسوغ فيها الاجتهاد وإعمال العقل والرأي، والابتعاد تماما عن الظنون والأوهام والفلسفة والأحلام والرؤى والمنامات، والذوق والكشف والوجد، قال ابن تيمية -رحمه الله-: أما الاعتقاد فلا يؤخذ عني ولا عمن هو أكبر مني، بل يؤخذ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وما أجمع عليه سلف الأمة؛ فما كان في القرآن وجب اعتقاده، وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة، مثل صحيح البخاري ومسلم.
2 - اشتمال الكتاب والسنة على أصول الدين ومسالكه؛ فما من قضية من قضايا الدين في الاعتقاد وغيره إلا وهي موجودة في الكتاب والسنة {ما فرطنا في الكتاب من شيء}.
وقال -تعالى-: { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشرى للمسلمين}(النمل: 89).
3 - وجوب رد التنازع إلى الكتاب والسنة في أصول الدين وفروعه، فما دل عليه الكتاب والسنة هو الحق الذي يجب المصير إليه وترك ما سواه، قال -تعالى-: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله..}(النساء: 59).
4 - عدم تقديم الرأي على الشرع، وترك معارضة الشرع بالرأي، كل ذلك التحذير خشية الوقوع في مخالفة الشرع ومعارضته، قال -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}(الحجرات: 1).
وقال ابن القيم -رحمه الله-: فهولاء الصحابة يخرجون الرأي من العلم، ويذمونه ويحذرون منه، وينهون عن الفتيا به، ومن اضطر فيهم إليه أخبر أنه ظن، وأنه ليس على ثقة منه، وأن الله ورسوله بريء منه. (إعلام الموقعين عن رب العالمين ج2/113).
5 - وجوب الأخذ بفهم الصحابة في تفسير النصوص الشرعية.
قال ابن تيمية -رحمه الله-: كانوا - أي الصحابة- أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله، فمن خالف قولهم، وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا.(الحجة في بيان المحجة للأصفهاني ج2/226).
6 - وجوب استعمال المصطلحات الشرعية والبعد عن المصطلحات البدعية.
قال ابن تيمية: «فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون الألفاظ الشرعية؛ فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلاً نسبوه إلى البدعة أيضاً».
7 - عدم التفريق بين الأدلة الشرعية من حيث الأخذ بها في الاستدلال، سواء كانت متواترة أم أحادا، قال ابن أبي العز الحنفي: وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول عملا به وتصديقا يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة، وهو قسم مسمى المتواتر، ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع.
8 - إجراء النصوص على ظاهرها وعدم تحريمها.
9 - عدم تقديم العقل على النقل.
10- دليل النقل الصحيح لا يخالف دليل العقل الصريح.
11 - رد المتشابه إلى المحكم وعدم الأخذ بالمتشابه.
وهناك قواعد ينبغي على المفتي أن يلتزمها في فتواه، منها:
عدم التناقض بين القرآن والسنة، ولا نسخ في الأخبار، والجمع بين النصوص في المسألة، وظواهر النصوص مفهومة لدى المخاطبين، وظواهر النصوص موافقة لمراد الشارع وعدم الخوض في المسائل الاعتقادية؛ مما لا مجال للعقل فيه، وعدم مجادلة أهل البدع أو مجالستهم أو سماع كلامهم، والحرص على جماعة المسلمين ووحدة كلمتهم.
لاتوجد تعليقات