رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 1 نوفمبر، 2022 0 تعليق

منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم (1)

إن الشباب في الإسلام هو العطاء وهو الخير وهو البناء، وبغير الإسلام تعاسة وبلاء، فالشباب طاقة يسخرها الإسلام في عمارة الكون، وقد يسخرها الآخرون في إهلاك البشرية، وشباب الإسلام هم عماد الحضارة الحقيقية التي انبثقت من أم القرى، تلك الحضارة التي خرجت للناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.

      ولقد أدرك أعداء الإسلام هذا الأثر لشباب الأمة الإسلامية، وأدركوا معه السبب الذين يبلغون به هذا الأثر؛ فوضعوا مخططاتهم، وبذلوا مجهوداتهم للحيلولة دون الشباب؛ فأصبح شباب الإسلام يواجه فتنا متنوعة، تستهدف إضعاف إيمانهم، وإذابة شخصياتهم، فشباب اليوم يواجه تحديات شتى من بينها: مشكلة الانحراف في الدين والخلق والعمل، والتيارات الفكرية الخطيرة، وسيطرة ثقافة الحضارة الغربية العلمانية، وإفشاء الجهل، فضلا عن ذلك خلو المناهج التربوية في أ كثر الدول الإسلامية.

منهج كامل لتربية الشباب

      لقد وضع الإسلام منهجا متكاملا لتربية الشباب، ولا شك أن أفضل المناهج وأكمل الطرائق في تربية الشباب هو منهج القرآن، وللمساهمة في حل المشكلات التي يواجهها الشباب اليوم وتشخيصا لمرض من أمراض شباب الأمة الإسلامية، ووقوفا على علة من عللها المهلكة الدائمة، ولمعالجة مشكلاتهم، وتلبية حاجاتهم وصونهم من كل انحراف، وإعدادهم إعدادًا سليمًا قويًا في الدين والخلق والسلوك، وتحقيقا عن العلاج الناجح والشفاء العاجل لذلك الداء الخطير، جاء هذا البحث.

مرادفات التربية ومعانيها في القرآن

١- الإصلاح: وهو ضد الفساد قال -تعالى-: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

٢- التربية: وهى التطهير قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} أى طهر نفسه من الذنوب ونقاها من العيوب.

٣- التعليم: قال -تعالى-: {وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَيزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ}.

٤- التنشئة: قال -تعالى-: {أَوَمَن ينَشَّأُ فِي الحِليَةِ وَهُوَ فِي الخِْصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.

ثانيًا: أهمية التربية وأهدافها

      لا ريب أن مسؤولية التربية من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الوالدين والمربين في حياتهم التي رسمها لهم الإسلام؛ فالقرآن جاء لإنشاء أمة متكاملة تستهدي بنوره، وتنطلق لتنظيم شؤونها وإصلاح أوضاعها، لتتربّى الأفكار والعواطف والمواقف على أساس القواعد الكلية التي حدّدها الشارع الحكيم؛ لتكون الروابط إسلامية والأخلاق سامية؛ فإن حاجة الإنسان إلى التربية القرآنية لا تقل عن حاجته إلى الطعام والشراب.

التربية ليست مجرد أوامر ونواهٍ

      والتربية ليست مجرد أوامر ونواهٍ تلقّن أو تصدر للإنسان فيستجيب لها، وإنما هي عملية تغيير للمحتوى الداخلي للإنسان، وصياغة جديدة لأفكاره وعواطفه وممارساته، لذا يجب أن يكون القرآن هو المصدر الأساسي للتربية الذي يستمد منه المجتمع فكره التربوي، وأهدافه التربوية قال -تعالى-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَاتَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

أهمية التربية الإسلامية وقيمتها

من هنا تتجلى أهمية التربية الإسلامية وقيمتها ويظهر ذلك من خلال النقاط الآتية:

١- إن التربية الإسلامية تنظم حياة الإنسان مع الله -عز وجل.

2- إنها تحقق السعادة للإنسان في الدارين.

٣- التربية الإسلامية تنظم حياة المسلم مع مجتمعه الذي يعيش فيه.

٤- التربية الإسلامية تعمل على تقوية الروابط بين المسلمين ودعم قضاياهم والتضامن معهم.

٥- التربية الإسلامية تهتم بمقومات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية، وتسعى إلى تحقيق التوازن التام بين كل هذه المقومات.

٦- التربية الإسلامية تقوم على جانبين المادي والروحي للإنسان دون الاقتصار على جانب واحد منها فقط.

أهداف التربية الإسلامية

للتربية الإسلامية أهداف سامية تدور على نوعين:

١- الهدف الخاص للتربية.

٢- الهدف العام للتربية.

(1)  الهدف الخاص للتربية الإسلامية

      هو التقرب لله -سبحانه وتعالى- والاستعداد للحياة الأخروية؛ فهو يتمثل في تحقيق معنى العبودية لله -تعالى- وهي اسم جامع لكل ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهى لا تقتصر على مجرد أداء مناسك وشعائر خاصة؛ فالهدف الأساسي لوجود الإنسان في الأرض هو عبادة الله، والخضوع له، والتزام بأوامر الله وكفه عن نواهيه، وهذا هو الهدف الخاص الذي تعمل التربية الإسلامية على تحقيقه.

(2)  الهدف العام للتربية الإسلامية

أما الهدف العام للتربية الإسلامية فيتطلب تحقيق أهداف كثيرة منها:

- غرس العقيدة الصحيحة في أفراد المجتمع المسلم؛ لإعداد الفرد الصالح الذي يعبد الله -سبحانه وتعالى- على بصيرة وهدى.

- تحلية المجتمع المسلم بالأخلاق الحميدة؛ للقيام بمهمة الدعوة إلى الله -تعالى-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- تنمية روابط الأُخوَّة الإيمانية الصادقة والشعور الجماعي بين أبناء الأمة المسلمة؛ حتى يرتبط الأخ بإخوانه ويهتم بقضاياهم وهمومهم؛ وذلك يرسخ لدى الفرد الشعور بالانتماء إلى مجتمعه.

- جعْل الفرد عضوا نافعا للمجتمع، وذلك بحسن التوجيه وحسن الحوار مع أفراد الأمة المسلمة، ومعالجة مشكلاتهم النفسية والعاطفيًّة.

- تكوين الفرد السليم عقليًّا وجسميًّا، لكى يستطيع القيام بدوره وواجبه في عمارة الأرض واستثمار بركاتها وخيراتها، وذلك بالقيام بأعباء الاستخلاف في الأرض ومهامه، التي جعله الله خليفته فيها.

ثالثًا: ميزات التربية القرآنية وسماتها

تمتاز التربية القرآنية بالميزات والسمات التالية:

١- ربانية المصدر

      تمتازالتربية القرآنية عن غيرها؛ فهي ربانية المصدر، تستمد من القرآن الكريم؛ فجميع ما يوجه ويضبط السلوك الإنسانى، ويحدد التعاملات والعلاقات فيما بينهم ومعايير القبول والرفض مصدره الرب -سبحانه وتعالى-، وهذه الميزة تتميز بها التربية القرآنية عن التربيات الأخرى التي مصدرها بشري.

٢- تربية تكاملية شاملة

      اهتمت التربية القرآنية بالإنسان؛ من حيث أصل خلقته ومشاعره واتجاهاته؛ فهي تهتم بالجسد والعقل كما عنت الجانب الروحي عناية خاصة؛ فهى لا تقتصر على جانب واحد منهما؛ فالتربية القرآنية تدعو إلى الاهتمام بالجسد ونظافته والعناية به، وتأمر العقل بالتفكر والتدبر؛ فقد ركز القرآن الكريم على ذلك فعلق الفلاح على تزكيتها وعلق الخسران على تركها قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، بينما قد أغفلته التربيات الأخرى.

٣- تربية عملية

      تؤكد التربية القرآنية على التوازن بين النواحي النظرية والعملية وحث القرآن على الجانب العملي في حياة الفرد والمجتمع وشجع عليه وبين أن الإيمان مرتبط ارتباطا وثيقا بالعمل، وبين أن الإنسان يجزى بما عمل قال -تعالى-: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرَُى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَْزَاءَ الْأَوْفَى}.

٤- تربية فردية وجماعية معا

      تدعو التربية الإسلامية إلى إعداد الفرد إعدادا إيجابيا، وتعده مسؤولا عن حياته وتصرفاته، وتمنحه الحرية الكاملة في كل الأمور، وهي مع ذلك تدعو الفرد ليكون اجتماعيا متفاعلا ومؤثرا في المجتمع الذي يعيش فيه؛ فكما أن الإنسان مسؤول عن نفسه، فهو مطالب بالانتماء إلى الجماعة والتفاعل معها تفاعلا إيجابيا.

٥- تربية مستمرة وأبدية

       التربية القرآنية ليست محدودة بفترة زمنية، ولا تنتهي بمراحل دراسية معينة؛ لأن القرآن صالح لكل زمان ومكان؛ فالإنسان مهما تعلَّم وتطوَّر ووصل إلى مراتب علمية عالية، يظل محتاجا إليها في كل مراحل حياته، ومن ثم فالتربية القرآنية مستمرة ومتتابعة لا يستغنى عنها.

٦- تربية متدرجة

       أنزل القرآن الكريم بحسب الأحداث والوقائع، ولم ينزل دفعة واحدة، ليضع الحلول المناسبة، ويعالج المشكلات كلما حدثت ووقعت، وتدرجت تربية القرآن الكريم للأمة؛ فلم تطالب الناس بالأحكام الشرعية دفعة واحدة، بل راعت فيها التدرج بحسب قدرات الإنسان.

٧- الرقابة الذاتية على عمل الإنسان

       التربية الإسلامية تنمي في الإنسان الرقابة الذاتية على عمله، فتجعله يشعر برقابة الله -عزوجل- شعورا يمنعه من الانحراف في السر والعلن، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنعَْلَمُ مَا توَسْوِسُ بِهِ نفَْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، فالمسلم الذي يربَّى تربية إسلامية ملتزم سلوكيا وأخلاقيا في كل حين؛ لأنه يعلم أن الله يراقبه ومطلع على أعماله.

٨- تربية متطورة

       التربية القرآنية تقوم على قيم عالية ومبادئ سامية وثابتة، ولكنها في الوقت نفسه ليست جامدة، بل متطورة ومتجددة؛ فهى مبنية على قول: «الحكمة ضالة المؤمن»، وهو أحق الناس بها، والتربية الإسلامية قادرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة المعاصرة؛ فهي تدعو إلى الاستفادة من كل ما يخدم هذا الدين ويفيد المسلمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك