رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 14 نوفمبر، 2022 0 تعليق

منهج القرآن الكريم في تربية الشباب المسلم (3)  أساليب التربية القرآنية

ما زال حديثنا مستمرا مع منهج القرآن في تربية الشباب، وكنا قد ذكرنا أن الإسلام وضع منهجًا متكاملا لتربية الشباب، وقلنا: إنَّ أفضل المناهج وأكمل الطرائق في تربيتهم هو منهج القرآن، ثم ذكرنا في الحلقة الماضية لماذا اهتم القرآن الكريم بالشباب؟ وكيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقدر الشباب، واليوم نتكلم عن أساليب التربية القرآنية.

     عندما نمعن النظر في القرآن الكريم نجد الأساليب التربوية كثيرة ومتعددة الأنماط، وتراعي أحوال الفئات المستهدفة وإمكانياتهم وقدراتهم العلمية والاستيعابية، ولها تأثير كبير في تربية الشباب وهي: (التربية بالقدوة، والتربية بالموعظة، والتربية بالقصة الواقعية الهادفة، والتربية بالملاحظة، والتربية بالعقوبة).

(1)  التربية بالقدوة

     لا شك أن القدوة هي أفضل الوسائل المؤثرة في تربية الشباب، وقد جعل الله -تعالى- المنهج السليم القويم في الاقتداء بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ليسير الشباب على هدى؛ حيث قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يرَجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، وكان - صلى الله عليه وسلم - مربياً وهادياً وأكبر قدوة للبشرية في العالم، فينبغي أن نقدم قدوة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أمام الشباب ليسيروا على نهجه في جميع أمور حياته.

(2) التربية بالموعظة

      الموعظة البليغة لها أثر تربوي في نفوس الشباب، وهي وسيلة مؤثرة في تكوين شخصية الشاب المسلم؛ لأن الهدف من الموعظة أن يصل المربي بمن يعظه إلى الخشية الحقيقية من الله -تعالى-، وأن يتذكر أمور الآخرة كأنها رأى العين، وهكذا كانت موعظة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم .

     لاريب أن الموعظة الحسنة والنصيحة المؤثرة، إذا وجدت لها نفساً صافية، وعقلاً سليما وقلباً متفتحاً، فإنها أبلغ في التأثير وأسرع للاستجابة. والقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تتخذ أسلوب الوعظ أساساً لمنهج الدعوة، وطريقاً للوصول لإصلاح الناس وهدايتهم؛ فالقرآن كله مواعظ للمتقين، كما قال -تعالى-: {هَذَا بيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ}.

(3) التربية بالقصة

     وللقصة دور كبير في تحريك العقول للتفكر، والوصول إلى الحقيقة وتجسيدها في ممارسات ومواقف عملية، فمن وسائل التربية المؤثرة في تكوين شخصيه الشاب، تربيته بالقصص الهادفة، وهي من أهم وسائل التربية؛ لأن النفس البشرية تميل إلى الأسلوب القصصي، والقرآن يستخدم القصة لجميع أنواع التربية والتوجيه، التي يشملها منهجه التربوي، أى تربية العقل والجسم والروح، ولترسيخ المعاني الإيمانية وغرس الفضائل في نفوس الشباب ذكر الله -تعالى- كثيراً من القصص في القرآن الكريم من أجل تربية الناس.قال الله -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.

(4) التربية بالمراقبة

      القرآن الكريم حث الوالدين والمربين علي مراقبة أبنائهم من جميع الجوانب، والمقصود بالمراقبة ملاحظة تصرفاتهم، قال -سبحانه-: {يَا أَيها الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يعصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيفعَلُونَ مَا يؤمَرُونَ}.

     ولا يمكن أن يقي الوالدان أولادهم جهنم، إذا لم يأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، فمن واجبات الوالدين والمربين إذا رأوا من أبنائهم منكراً نهوهم عنه، وإذا فعلوا معروفاً شكروهم عليه، وإذا أهملوا حقا من حقوق الله، أرشدوهم إليه، وإذا قصروا في واجب نصحوهم.لا شك أن هذه الوسيلة من التربية تعد من أقوي الأسس في إعداد الشاب المتوازن، الذي يستطيع أن يقوم بمسؤولياته نحو مجتمعة علي الوجه التام.

(5) التربية بالعقوبة

     حين لا تفلح التربية بالقدوة ولا بالموعظة، فلا بد من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح، والعلاج الحاسم هو العقوبة، إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص، فقد يستغني شخص بالقدوة، وبالموعظة، فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب، ولكن الناس ليسوا سواء في ذلك، ففيهم من يحتاج إلى العقاب مرة، أو مرات عديدة، وليست العقوبة هي أول ما يأتي على عقل المربي ولكن الموعظة هي الأصل مع الصبر الجميل، لعل هذا الشاب يعود إلى صوابه.

     الإسلام يستخدم التخويف والترهيب بدرجاته، من أول التهديد إلى التنفيذ. فإذا رأى الوالد أن ولده قد صلح حاله بعد العقوبة، واستقام سلوكه، فعليه أن يتلطف معه ويوضح له أنه ما قصد من العقوبة إلا مصلحته في الدنيا والآخرة.

جوانب التربية الإسلامية في القرآن

     لقد ذكر الله -تعالى- في كتابه الحكيم أمثلة الشباب الذين تربوا على منهج القرآن؛ فكانوا مشاعل ضياء في مجتمعاتهم، والقدوة الكريمة التي يقتدى بها، ويعطينا القرآن الكريم أمثله عملية في تربية الشباب؛ فنرى عرض القرآن الكريم البليغ الممتلئ بالإشارات والتوجيهات من هذه القصص الرائعة.

1- قصة سيدنا لقمان الحكيم

     يعرض علينا القرآن صورة جذابة رائعة موقف الأب وهو لقمان الذي ينصح ابنه ويرشده ويهديه، قال -تعالى-: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} إلى قوله: {.... وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}، فهذه وصية جامعة اشتملت على العقيدة والسلوك والعمل، فيها التنزه عن الإشراك بالله والثقة بكمال قدرته وعلمه. والأمر بإقامة الصلاة تحقيقا للصلة بين العبد وربه، والشكر لله وللوالدين والإحسان لهم، وفيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على ما يصيب الإنسان في ماله أو نفسه أو ولده، والقصد في المشي؛ بحيث يكون الإنسان معتدلا في سيره وسلوكه، وعدم التعنت في معاملة الناس، وعدم الكبر والخيلاء، وعدم رفع الصوت وإزعاج الناس، وهذه صورة جامعة من التأديب والتهذيب يعرضها القرآن ليحث الشباب على الاقتداء بها، ولتكون للآباء نموذجا ومثالا يحتذونه.

٢- قصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام

     إن شخصية الصديق يوسف -عليه السلام- تُعد مثلاً تربويا وأنموذجًا رائعًا للشاب المسلم الصابر أمام الشهوات، والمترفع عن إغراءات الشيطان في مختلف شؤون حياته، تربى يوسف نبى الله -عليه السلام- في بيت عزيز مصر، حتى إذا أصبح شاباً يافعاً ابتلاه الله -تعالى- بامرأة العزيز في مجتمع اعتاد على الرذيلة، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً؛ فاستعان بالله عليها، ورد الله كيدها، وعصم الله -تعالى- يوسف الصديق من الفتن. يقول الله -تعالى- عن يوسف -عليه السلام-: {وَلَمَّا بلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}، ومن خلال هذه القصة التربوية الرائعة -التي وصفها القرآن الكريم بأنها أحسن القصص- نستنبط العديد من الدروس والعبر والعظات، كما نرى جوانب إيجابية وأُخرى سلبية في حياة الإنسان وأخلاقه وتصرفاته.

٣- قصة إبراهيم عليه السلام

     صورة أخرى يتغير فيها موقف الأب والابن، فيكون الابن هو الذي ينصح أباه، ونرى فيها مناشدة قوية مهذبة رائعة؛ فنبي الله إبراهيم -عليه السلام- فتى في ريعان الشباب، يحطم الأصنام ويجادل من يعبدونها، ومن بينهم أبوه ءازَرَ بأسلوب حكيم، قال -تعالى-: {وَاذكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا، إلى قوله يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا}، إن هذه المناشدة تقوم على أساس متين من الإيمان العميق والأدب العالي ومن القوة الخلقية، وكل جملة من جملها تحمل توجيها قويا ومعاني شريفة، وهذا مثال رائع وأسلوب حكيم في الدعوة إلى الله.

٤- قصة فتية أهل الكهف

     إنها صورة فتية الكهف، الذين ذكرهم الله -تعالى- في محكم تنزيله، وربط على قلوبهم بالعزيمة الصادقة التي لا تتزلزل ولا يضعف أصحابها، بل جعلهم الله قدوة ونبراساً لمن يعيش في مجتمعٍ يموجُ بالعقيدة الباطلة والمعاصي والذنوب. يقول -سبحانه-: {نَحْنُ نقَصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُمْ بِالحَقِّ إِنهَمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبهمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}، الذين آمنوا بربهم واعتزلوا أهل الباطل، وتركوا بيوتهم وفضلوا عليها سكنى الجبال والكهوف، تلك أوصاف فتية الكهف الذين صور الله لنا أمرهم بهذه الصورة الرائعة، من اعتناق القيم والإيمان بالمثل، فهذه القصص هي اللبنة القوية الصالحة التى يقوم عليها المجتمع الصالح، وبهم تكون قوة الأمة وعزيمتها، ويكون صلاح أمر الإسلام.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك