منهج السلف ليس مجرد قول آحادهم
قديمًا قال علماء العلل في الروايات: الباب إذا لم تُجمع طرقه لم تُعْرف علته، وأقول: منهج السلف إذا لم نتعلمه ونحيط به من جوانبه جميعا فنحن لم نسْبُر غَوْره، ولم نعرف حقيقته، وسنأخذ منه جانبا دون جوانب، وكلّ منا حسب تركيبته وطبعه سيميل إلى جانب الإفراط أو جانب التفريط؛ ففي كلام بعض العلماء على المخالف عبارات قاسية جدًّا، وهذه ستعجب أهل الغلو، وفي كلام بعضهم الآخر غضٌّ للطرف عن بعض الأخطاء، وتهوين من خطورة خطأ المخالف، وذلك بالنظر إلى ما عنده من جوانب حسنة، وهذه ستروق لآخرين، ويتوسعون فيها، والموفق من أحاط بمنهج السلف علمًا وعملاً، وتقريرًا، واستدلالاً، وعرف مواضع الإجماع، والأصول العامة، والقواعد التي تشهد لها الأدلة؛ فلزم غرزها، وردَّ المتشابه إلى المحكم، وأنزل كل تصرف في موقعه الذي يليق به، وتأملَ سياق كلامهم وسباقه، وعرف الدوافع التي حملتهم على التكلم بالعبارة الشديدة أو اللينة، حتى لا يُقَوِّل الأئمة مالم يقولوه، ومالم يَدُرْ بخَلَدهم .
وقد قال شيخ الإسلام في سياق الهجر لمن أحدث في الدين حدثا، كما في مجموع الفتاوى 213/28: وكثير من أجوبة الإمام أحمد وغيره من الأئمة خرج على سؤال سائل، قد علم المسؤول حاله، أو خرج خطابا لمعيَّن قد عُلم حاله؛ فيكون بمنزلة قضايا الأعيان الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، إنما يثبت حكمها في نظيرها، فإن أقواما جعلوا ذلك عاما، وآخرين أعرضوا عن ذلك بالكلية؛ فيكونون قد ضيعوا من النهي عن المنكر ما أمروا به إيجابا أو استحبابا؛ فهم بين فعل المنكر أو ترك النهي عنه، وفعل ما نهوا عنه أو ترك ما أُمروا به؛ فهذا هذا، ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه.انتهى ملخصا.
فليس منهج السلف مجرد قال فلان من الأئمة، أو عارضه فلان من العلماء، فقال بخلافه، بل منهجهم هو جادَّتُهم الموطوءة، وقواعدهم المطّردة، ومرجعيتهم الثابتة: كتابُ مُحْكَم ، وسنة ثابتة ، وإجماع متَيَقَّن ، أما قول آحادهم فلابد فيه من مراعاة السياق والسباق وما قاله شيخ الإسلام؛ فيما ذكرناه سابقا ، وإن لم نفعل ذلك لزمنا الجمع بين كلام العلماء كالجمع بين الأدلة، وهذا أمر غير منضبط في الجملة؛ لأن اجتهادات العلماء هي من قول البشر، والتباين بينها في بعض المواضع ليس ببعيد، وصدق الله -عز وجل- القائل :{ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}. والموفُّق من وفقه الله -تعالى .
لاتوجد تعليقات