رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عصام حسانين 30 سبتمبر، 2019 0 تعليق

منهج الإسلام في التربية النفسية للطفل (2)


إن البناء النفسي الوسط للطفل يؤهله لأن يكون إنسانًا سويًا، يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط وأمل، وحسن ظن بالله -تعالى-، وصبر وجلد عند الشدائد، يحب الخير للناس، ويسعى في إيصاله إليهم؛ بعيدًا عن سوى ذلك من حقد أو غل أو حسد، أو أنانية أو عدوانية إلى آخر ذلك من أخلاق فاسدة محرمة؛ من أسبابها فقدان الطفل للعاطفة أو البناء النفسي الوسط.

ومن التربية النفسية للطفل ملاعبته بحب وسرور وفرح ومجاوبة؛ لأنه يشعره أنه مرغوب فيه، فيزيد من نشاطه ويشجعه على الاختلاط بالناس، وعلى الشجاعة الأدبية؛ بحيث يعبر عما بداخله بطلاقة دون خوف من أحد.

مواقف نبوية

     ولنا في هذه المواقف النبوية أسوة وقدوة، وفيها أيضًا زجر لهؤلاء الآباء الذين يظنون أن الرحمة خور، وأن التصابي للطفل تدليل، فلا يرى ولده منه إلا العبوس والزجر، وكسر النفس الذي يؤول بالطفل إلى الانطواء والوحدة والتلعثم والضعف، وهذا لا شك مذموم، وهو خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو خير الهدي: فقد كان - صلى الله عليه وسلم - ضحوكًا بسامًا، يقول جرير - رضي الله عنه -: «وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

في أهله كالصبي

     وانظر إلى عمر - رضي الله عنه - الذي كان جبارًا في الجاهلية ماذا يقول: «ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي -أي في الأنس والبشر وسهولة الخلق والمداعبة مع أولاده-؛ فإذا التمس ما عنده وجد رجلاً»، واستعمل عمر رجلاً فرأى عمر يقبل صبيًا له، فقال: تقبله وأنت أمير المؤمنين؟! لو كنت أنا ما فعلته. فقال عمر: «فما ذنبي إن كان الله نزع من قلبك الرحمة، إن الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء». ونزعه عن عمله، وقال: «أنت لا ترحم ولدك؛ فكيف ترحم الناس»؟! المنهاج النبوي ص 315.

يَا أَبَا عُمَيْرٍ

وكان - صلى الله عليه وسلم - يزور أم سليم في بيتها، وفي البيت أبو عمير بن أبي طلحة -صغير أبي طلحة الذي مات-، كان له عصفور صغير يلعب به، ويقول له النبي - صلى الله عليه وسلم- ملاعبًا وملاطفًا له: «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟» (متفق عليه).

هل ينسى الطفل؟

     فبالله عليكم: هل ينسى الطفل هذا الحنان أو هذه المواقف التي تنبع بالحنان والرحمة؟! وما أثرها على نفسه وما أثره فيما بعد على من غمره وأشبعه بهذا العطف والحنان؟! (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ) (الرحمن:60)، وأن يخرج بأولاده إلى متنزه خال من المنكرات؛ فيلاعبهم ويسابق بينهم؛ ليعلمهم أدب اللعب من عدم الغضب، أو الحرص على أخيه، وعدم إيذائه وعدم التعصب، والفرح لأخيه إن غلب، فبهذا كله يقوي آصرة الأخوة والمحبة بين الأولاد.

خامسًا: مخاطبته بأحب الأسماء

     مخاطبته بـ«يا بني»، «يا حبيبي»، و«باسمه»، وغيرها من الألقاب والأسماء التي فيها الشفقة والرحمة واستمالة القلب لسماع ما ينفعه، كما أنها تنشئ في الطفل احترام نفسه واعتزازه بها، وأدبه مع الكبار، فيناديهم بالألقاب المحترمة التي تدل على أنه محترم، ومؤدب، فيقبل بين الناس ويقبلون عليه، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ينادي أنسًا بـ«يا بني»؛ فعن أنس قال: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (يَا بُنَيَّ)» (رواه مسلم)، وقال لابن عباس -رضي الله عنهما-: (يا غلام)، وقال لأبي عمير: «يا أبا عمير».

سادسًا: إعطاء الطفل حقه

     وأن يعطيه حقه وأن يستأذن في حقه إن كان سيعطيه لغيره؛ لأن الطفل يستأثر بحاجته، فإن أخذت من دون استئذانه قد يأخذها في نفسه، وقد يشعر بظلم وقد يبغض من أعطيت له دونه ولاسيما إن كانوا إخوانه، وتعلم هذا السلوك التربوي المهم من الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ فَقَالَ لِلْغُلامِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟» فَقَالَ الْغُلامُ: لا وَاللَّهِ لا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ: فَتَلَّهُ -وضعه- رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم  فِي يَدِهِ- (رواه البخاري ومسلم).

سابعًا: عد الإكثار من اللوم والعتاب

     وألا نكثر من لومه وعتابه؛ لأنه يزيد من عناده وفعله القبيح، ويهون سماع الملامة عنده، ويضيع هيبة كلام الأبوين عنده، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير أسوة في ذلك؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: « خَدَمْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلا لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلا: أَلا صَنَعْتَ؟» (متفق عليه)، وهذا يربي في نفس الطفل الحياء، وينمي الفضيلة والانتباه والملاحظة بشرط الالتزام معه منذ البداية بالتوجيه والإرشاد وعدم ترك ثغرات أو فعل مخالفات أو السكوت عن محظورات، فإذا أردنا أن نعالج نجد الوقت قد فات، وعلى الأم أن تخوِّف الطفل بالأب، وأن تزجره عن القبائح، وألا تخفي شيئًا عن أبيه، فيتفاقم الخطأ ويصعب العلاج.

ثامنًا: آداب الطعام

     فعن عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - قال: كُنْتُ غُلامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ» (رواه البخاري ومسلم)، وهذه آداب الأكل يُعوَّد عليها الصبي، ويعود أيضًا إذا طعن في الطفولة: ألا يحدق النظر إلى الطعام، ولا إلى غيره ممن يأكل معه، وألا يسرع إلى طعام قبل غيره، وألا يسرع في الأكل، وأن يجيد المضغ، وألا يوالي بين اللقم، وألا يلطخ وجهه وثوبه بالطعام، وألا يذم طعامًا فإن أعجبه أكله وإلا تركه.

الإيثار

     كذلك من الآداب التي يجب أن يعلمها الوالد لابنه أن يؤثر غيره ببعض طعامه، وخير وسيلة في ذلك السلوك العملي فيطعم الأب ابنه وزوجته ببعض طعامه ثم يفعله معه؛ فيكون رد الطفل هنا أنه يطعمك ثم تطعم أمه ثم إخوانه، وهكذا يشيع الحب والإيثار بين أفراد الأسرة، ثم يتعداه فيما بعد إلى غيرها، وأن يعود في بعض الأحيان الطعام الخشن حتى يقوى عوده، ولا يكون الطعام مبلغ علمه، وأن يقبح عنده كثرة الطعام، وأن نمنعه من صفة الشره، وأن يعود حمد الله -تعالى- في نهاية طعامه.

أهمية الإقناع

     وننبه إلى أهمية الإقناع عند الأمر أو النهي، وهذا نستفيده من توجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» (متفق عليه).

العدل بين الأولاد

     وأن يعدل بين أولاده؛ لأمره - صلى الله عليه وسلم - بذلك، حيث قال: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ» (متفق عليه). وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَأَلَتْ أُمِّي أَبِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِي مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَوَهَبَهَا لِي، فَقَالَتْ: «لا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم-»، فَأَخَذَ بِيَدِي وَأَنَا غُلامٌ فَأَتَى بِيَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «إِنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْنِي بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ لِهَذَا»، قَالَ: (أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ؟)، قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَأُرَاهُ قَالَ: «لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» (متفق عليه)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «اعْدِلوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ في النِّحَلِ كما تُحِبُّونَ أنْ يَعْدِلوا بَيْنَكُمْ في البِرِّ واللُّطْفِ» (رواه الطبراني، وصححه الألباني)، وعن أنس - رضي الله عنه - كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ فَجَاءَ ابْنٌ لَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ جَاءَتْ بِنْتٌ لَهُ فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ قَالَ: «فَهَلا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا؟!» (أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار، وحسنه الألباني).

فبينت هذه الأحاديث أن العدل بين الأولاد يكون في الهبة والقبلة ومكان الجلوس، وأنه لا فرق بين الذكر والأنثى؛ وهذا له أعظم الأثر في شيوع المحبة والألفة بين الإخوة، ويمنع الحسد والكراهية، ويعينهم على -فيما بعد- على بر الوالدين والدعاء لهما.

تنمية الثقة بالنفس

     وعلى الوالد أن ينمي في نفس الطفل ثقته بنفسه واحترامها وعدم احتقارها؛ فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يستعمل الشباب، وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يحضر مجلس عمر - رضي الله عنه - وكان أصغرهم، ويطلب منه الكلام، ويقول: «يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلا تَحْقِرْ نَفْسَكَ» (رواه البخاري).

احترامه وتقديره

     وأن تحترمه في الكلام ولاسيما طفل العاشرة الذي يميل إلى حب التقدير ونيل المكانة عند والديه، وألا تستهزئ به أو تحتقره أو تعيبه بنحو: أنت لا تفهم، أنت بليد، أنت.. وأنت.. من قاموس التحقير الذي يؤدي إلى تحطيم نفسية الطفل، بل ويؤدي إلى تصديق الطفل كلام والديه؛ فيظن أنه لن يفهم ولن يتقدم ولن يكون محترمًا -عياذًا بالله من ذلك-، فالحذر الحذر.. فكم من أب جنى على ابنه هذه الجناية الفظيعة! وأن تستمع لحديثه حتى ينتهي منه فتثني على الجيد والطيب من كلامه ورأيه، وتصلح وترشد إلى المعوج أو الخطأ؛ بحيث يتعلم منك أنت أدب الحوار، وهذه من مسؤوليتك.

معالجة الأخطاء

     وإن أخطأ الطفل فعلينا معالجة خطئه بالحكمة والإقناع؛ فقد ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - غلام يرمي نخلاً للأنصار، فأتي به فقال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلاَمُ، لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ؟». قَالَ: آكُلُ. قَالَ: «فَلاَ تَرْمِ النَّخْلَ، وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسْفَلِهَا»، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ» (رواه أبو داود وابن ماجه، وضعفه الألباني). والحديث وإن كان ضعيفًا، لكن له شواهد، وأن نحلم معه (عدم المعاجلة بالعقوبة) مع تعليمه وإرشاده.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك