رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 14 نوفمبر، 2022 0 تعليق

منهج الإسلام في إدارة الأزمات

 

الأزمة هي حالة طارئة، تلحق الضرر بالمجتمع، وقد تؤدي إلى انهياره في بعض الأحيان، وقد تكون اقتصادية أو اجتماعية، أو سياسية، ولا تخلو حياة الأمم والشعوب من الأزمات والمحن المتوالية التي تتكرر بين الحين والآخر، ولقد وضع الإسلام منهجًا لعلاج الأزمات ومواجهة المحن؛ فوازن في التعامل مع تلك الأزمات بين الجوانب المادية البحتة، كالاستعداد والتجهيز والتخطيط وفرق العمل وغيرها من الأمور التي لا يمكنها حل الأزمة أو الكارثة من غيرها، وإلى جانب ذلك وبالتوازي مع هذا الجانب المادي أكد الإسلام أهمية اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ فالمسلم يؤمن بعقيدة راسخة بأن هذا الكون وكل ما فيه يسير بإرادة الله -سبحانه وتعالى.

فقه التعامل مع الأزمات

في البداية، التقت الفرقان مستشار الوقف السني بمملكة البحرين الشيخ: فتحي الموصلي، الذي تحدث عن فقه التعامل مع الأزمات؛ حيث قال: من الفقه الدقيق والعلم السديد ما يمكن أن نسميه (فقه التعامل مع الأزمات)، سواء من جهة تكثير المصالح والمنافع أم من جهة إزالة المفاسد، أم باعتبار تقليلها؛ فإن العبد يتقلب بين هذه الأمور الثلاثة، إما أن يطلب مصلحة، وإما أن يرفع مفسدة، وإما أن يقلل شرا إذا تعذر عليه أن يرفع المفسدة؛ ولهذا كان فقه التعامل مع الأزمات هو خلاصة نظر الفقهاء وزُبدة رؤية الحكماء؛ لهذا نذكر في هذا المقام ببعض الأمور، وهي عشرة أمور مهمة في التعامل مع الأزمات سواء كانت في مجال الدين والشرع كنوازل، أم كانت في مجال الحياة الاجتماعية كحوادث ووقائع، أم كانت في مجال الحياة السياسية كتصعيدات ونكبات، أم كانت في الحياة الاقتصادية كأزمات وانتكاسات اقتصادية:

(1) الاستعانة بالله تعالى

     أول هذه الأمور وأعظمها هي الاستعانة بالله، كما قال الله -تبارك وتعالى على لسان موسى وهو يخاطب قومه في أشد الأزمات- قال لهم: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا}، والله -تعالى- يقول: {ففروا إلى الله} ويقول -سبحانه أيضا في سورة آل عمران-: {ومَن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}؛ فالاستعانة بالله والالتجاء إليه والتوكل عليه مقدمة إيمانية وسبب شرعي مهم في الخروج من الأزمات، والغالب أن النتائج تتوقف على صحة المقدمات.

 

(2) العمل في إطار الحلول العملية

     الأمر الثاني: فهو العمل في إطار الحلول العملية والابتعاد عن الحلول التنظيرية عند وقوع الأزمات؛ فإن الأمة إذا وقعت في أزمة، وشرعت النخبة فيها إلى التنظير والجدل وترك المبادرة والعمل، فتلك أزمة جديدة وفتنة ثانية، ربما تكون أشد من الأولى؛ لهذا الواجب على كل متصدر وعلى كل مهتم بالأزمات -على اختلاف أنواعها- أن يلاحظ هذا الأمر، وأن يدرك أن الأمة في أزماتها، وأن الواقع في تحدياته يحتاج إلى أدوية معينة، وعلاجات واضحة وسهلة، ويحتاج إلى حلول عملية شرعية واقعية، وليس الكلام في التحليق عاليا ولا في التنظير ولا في التفريع، ولا في اللوم والانتقاد، ولا في الإقصاء والتبديع، ولا في التجريح والتكفير، وإنما أن تكون هاديا مربيا طبيبا معالجا لأزمات الأمة.

(3) العمل على اجتماع الكلمة

     الأمر الثالث: العمل بكل ممكن على اجتماع الكلمة؛ لأن الأزمة إذا اقترنت بالفرقة وغذتها الغفلة، آنذاك تتحول إلى مرض عضال؛ ولهذا كانت أزمات الجيل الأول تقابل بالتقوى وباجتماع الكلمة وباليقظة؛ لأنهم أدركوا أن الذي يُؤصل الأزمة ويجعلها مرضا في الأمة عندما لا يلتفت الدعاة إلى قضية الكلمة، ولا إلى النظر إلى مصالح الأمة؛ لهذا ينبغي أن نحذر من الفرقة، ونحذر من الغفلة إذا وقعت الأزمة.

(4) الاعتناء بفقه المآلات

     الأمر الرابع: وهو الاعتناء في الأزمات بفقه المآلات، بمعنى أن ننظر إلى العواقب وإلى الأمور الواقعة والمتوقعة؛ فإن المؤمن إذا ابتُلي بأزمة فينبغي أن يقابلها بالعلم والحكمة وبالعمل والمصلحة، وأن يلتفت إلى مآلات الأزمة؛ فإن بعض الأزمات قد تؤول إلى سقوط حضارة وإلى زوال دولة وإلى انتكاسة أمة، فينبغي ألا نتعامل معها بمعزل عن النظر في العواقب وعن فقه المآلات، وكأن المبتلى بالأزمة يحتاج إلى نظر يرجع إلى ماضية فينظر إلى سبب الأزمة، وينظر إلى واقعه في كيفية الخروج منها، وينظر إلى مستقبله في كيفية التعامل مع آثارها ومع نتائجها، ففقه المآلات والنظر إلى العواقب فقه دقيق في الأزمة، لا ينهض إليه إلا من كان ربانيا في إصلاحه فقيها في مبادراته.

(5) العمل على حفظ الموجود

     الأمر الخامس في معالجة الأزمات: هو العمل على حفظ الموجود، وعدم التطلع كثيرا إلى المفقود بمعنى « أن تحفظ ما بين يديك، وأن تجتهد على هذا الحفظ، لا أن ُتضحي ولا تُساوم به ولا أن تُعرضه للخطر، وتتكلم في أشياء مفقودة وفي طرائق بعيدة وأفكار غامضة؛ فالواجب عليك أن تحفظ الموجود: الإسلام والأمن والصحة والدولة والأمة والأسرة والمدرسة؛ فهذه أشياء موجودة ينبغي الحفاظ عليها، وأن أبحث عن المفقود بعد أن أحفظ الموجود، ولهذا قال علماء القواعد الفقهية: «الحفاظ على الموجود خير من طلب المفقود».

(6) حفظ رأس المال

     الأمر السادس في التعامل مع الأزمات: حفظ رأس مالنا في نخبتنا وأولياء أمورنا وعلمائنا وقدوتنا؛ فإن الأمة إذا وقعت بها النازلة وظهرت الفتنة والأزمة فزعت اضطرارا إلى العلماء وإلى النُخب؛ لأنهم بمثابة رأس مال الأمة في الأزمة، فإذا أسقطنا العلماء وشككنا بالحكام وأضعفنا دور القدوات، آنذاك سيقود الأزمة الرعاع والجهال وأصحاب الأهواء؛ لهذا الحفاظ على رأس المال في الأزمة فقه دقيق ونظر سديد.

 

(7) الحفاظ على الثوابت

     الأمر السابع: الحفاظ على الثوابت، والتميز في الأزمة بين الثوابت والمتغيرات؛ لأنك إن حافظت على الثوابت تمكنت من الخروج من الأزمات، وستخرج بأقل الخسائر، لكن إن عرضت الثوابت والأصول والقيم والأعراف للتنازل والسقوط، فعندها تكون قد أدخلت أمتك في أزمة جديدة.

(8) تشخيص الواقع وفهم الواجب

     الأمر الثامن في التعامل مع الواقع والأزمات: هو تشخيص الواقع وفهم الواجب، الأزمة أيا كانت تتطلب حلا وموقفا وحكما وعملا ومبادرة ورؤية ومعالجة لهذا الناهض والقائم بالتعامل مع الأزمات، ويحتاج أن يُصور واقعه تصورا دقيقا، ثم يفهم الواجب ويأخذ من الواجب ما به علاج للواقع، وهذا فقه شامل للتأصيل والتنزيه كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس -رضي الله عنهما لما دعا له بدعاء جامع-: «اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل»؛ فالأزمة تحتاج إلى تفقه في الأحكام وإلى معرفة للأحداث والواقع، وأن المصلح يتصور الواقع ويفهم الواجب.

(9) الرجوع إلى أهل  الاختصاص والخبرة

     الأمر التاسع: وجوب الرجوع إلى أهل الاختصاص والخبرة، لا إلى أهل الإعلام والشهرة، كما قال الله -تعالى-: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}؛ فهنا العبد الصالح يقول لموسى -عليه السلام-: أنت لا تقدر في الأزمات والنوازل والأحداث الكبيرة أن تصبر على شيء ما لم تكن من أهل الخبرة فيه؛ لهذا نحن ينبغي علينا عند حلول الأزمات أن نحتكم إلى عقلية أهل الاختصاص والخبرة لا إلى شعارات أهل الإعلام والشهرة؛ فإن الانسان إذا ابتُلي بداء عظيم وخطير فإنه يلجأ إلى الأطباء لا إلى غيرهم.

(10) تغليب لغة المشاورة والابتعاد عن سلوك المصادمة

     الأمر العاشر والأخير والمهم في الخروج من الأزمات: أنه ينبغي تغليب لغة المشاورة والمناصحة، والابتعاد عن سلوك المصادمة والمعارضة؛ فالأمة في أزماتها والناس في مصائبهم والشعوب في تحدياتها، والأمم في وقائعها وحروبها تحتاج إلى لغة المشاورة والمناصحة وإلى أسلوب المحاورة، وليس إلى لغة المصادمة والمعارضة؛ فإنها لغة لا تُرشد إلى مقصود، ولا تدفع شرا، ولا تزيل مفسدة، أما المشاورة والمناصحة فهما أسلوبان ولغتان ضروريتان في الخروج من الأزمة وفي إعادة العافية للأمة.

 

مصداقية وسائل الإعلام  في أثناء الأزمات

- وفي هذا السياق قال رئيس قطاع العلاقات العامة والإعلام سالم الناشي: لما كان الإعلام يعتمد على الخبر الحادث والمهم اعتمادا أساسيا، فإنه طرف فاعل في الأحداث التي تمر بالأمة؛ ولذلك يجب أن يتسم هذا الإعلام بالمصداقية التي هي عنوان نجاحه والثقة فيه، وتزداد الحاجة لهذه المصداقية بوجه خاص في أثناء الأزمات.

- والإعلام في وقت الأزمات يختلف عنه في الأوقات العادية. فالظروف هنا أكثر حساسية، والأفراد المتأثرون بالخبر متلهفون ومتفاعلون مع الخبر؛ لذا يجب أن نقدم إعلاما خاصا يتناسب مع الظروف الطارئة والأزمات.

- ويجب أن يلتزم الإعلام وقت الأزمات بالمهنية العالية، ويضع اعتبارا مهما للجانب الأخلاقي والإنساني، ويقدر المصلحة العامة ومصلحة الواقعين في دائرة الحدث؛ فيقدم الخبر بشفافية عالية، ودقة عالية، تشرح كل الظروف المحيطة والملابسات؛ انطلاقًا من المسؤولية الاجتماعية، واحتراما لمصداقية الخبر والأمانة العلمية في التعامل مع الجمهور.

- ويؤدي الإعلام دورا أساسيا في الأزمات، وذلك بتحريك الجماهير، والتأثير الإيجابي عليهم، ورفع الروح المعنوية والنفسية إن تطلب الأمر، وبث روح الطمأنينة والثقة العالية في إدارة الأزمة وتحويلها إلى منحة بدلا من محنة.

أدوار الإعلام

- وأضاف الناشي، لكي تحقق وسائل الإعلام الأدوار المرجوة منها على النحو الأمثل، لابد أن يتسم أداؤها بمزيد من المهنية العالية، والسرعة في الأداء، ومواكبة الأحداث، وكل ذلك في إطار من المصداقية، من خلال التزامها بعدد من الضوابط التي تحكم دورها في إدارة الأزمات، فيما يسمى (بميثاق الشرف الإعلامي).

- واستطرد الناشي قائلا: إن إعلام الجمهور بالحقائق التفصيلية أولًا فأول، والعمق والشمول في تغطية الأزمة وجوانبها المختلفة، وضبط النفس والتعامل بموضوعية مع أجهزة الرأي العام، والاعتراف بالأخطاء التي قد تحدث في أثناء التغطية، والرجوع إلى المصادر الأصيلة والاعتماد عليها، في إطار خطة متقنة، هي من أساسيات إدارة الأزمة إعلاميا.

- وأضاف الناشي: كما أنه من الأهمية بمكان إدراك أن تحقيق الثقة لدى الجماهير عامة والنخب باختلاف مجالاتها ليس بالأمر السهل، ولا سيما خلال الأزمات التي -عادة- تطول مدتها، كما أن وجود آلية لبث المعلومات وإمكانية الحصول عليها بسهولة، وتبادلها بين المهتمين يعد البوابة الرئيسية لتحقيق إعلام يسهم في مواجهة الأزمات، وليس إعلامًا يختلق أزمات أو يُهوِّل بعضها.

مساعدة المجتمع

- وفي ختام تصريحه أكد الناشي ضرورة أن يكون الهدف دائمًا من التناول الإعلامي على مستوياته كافة لأي أزمة، هو مساعدة المجتمع في مواجهتها والتغلب عليها، وغرس قيم الاستعداد وروح الأمل وليس الإحباط أو تفرقة المجتمع الواحد وتفتيته.

منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في إدارة الأزمات

     منذ اليوم الأول لهجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وتوالت الأزمات على المجتمع الوليد؛ فكانت الأزمة الأولى هي توفير مكان السكن والطعام والشراب لأهل مكة المهاجرين التاركين خلفهم بيوتهم وأموالهم وأهليهم وتجارتهم، فآخى بين المهاجرين والأنصار بعد أن تهيأت النفوس للمنافسة على البذل والعطاء في الوقت الذي تعفف فيه المهاجرون عن قبول الأموال دون مقابل من عمل وبذل جهد.

أزمة غزوة الخندق

     ومن نماذج فن إدارة النبي - صلى الله عليه وسلم - للأزمات ما واجهته المدينة في غزوة الخندق، حين حاصرت قريش بجحافلها بالشراكة مع قبائل العرب لمدينة رسول الله، يتجلى دور القائد في استشارة جنوده في كل صغيرة وكبيرة طالما ليس هناك نص، فيشير سلمان الفارسي بحفر الخندق حول المدينة للحول بين دخول المشركين للحرب مباشرة، ثم يقسم المسلمون لفرق عدة، لأداء مهمة الحفر، ويجهز الخندق بالفعل قبل وصول جيش الكفار ليعودوا دون قتال بعد فترة حصار شديد.

 

 

حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفهمه

وقد ظهرت حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفهمه في إدارة الأزمات مهما صغرت أو كبرت بمراحل عدة:

1- تحديد الهدف

     إذ كيف يكون مسار البحث عن حلول إن لم يكن هناك أهداف واضحة ومحددة يجب الوصول إليها، وتحديد الوسائل ينبني على تحديد الأهداف أولاً، وعمل بغير هدف أو غاية تستوي معه النتائج كافة، وحين تستوي الاتجاهات، فلن يكون هناك وصول.

توفير المعلومات

     وبتوافر المعلومات الدقيقة يسهل الوصول للهدف بأقصر الطرق، فعلى سبيل المثال إذا أردت حل مشكلة كالتي تواجه العالم اليوم، كيف يمكن أن تضع قرارًا لمنطقة أو دولة دون أن تعرف أولاً معلومات عن كيفية انتشار المرض، ومعلومات عن خطورته، ومعلومات عن الدول المجاورة وحجم الانتشار بها، ومعلومات عن طرائق السلامة، ومعلومات عن الحالة الاقتصادية للشعب الذي تديره، ومعلومات عن مخزون الطعام وكم يكفي زمنيا؟ ومعلومات عن عادات الناس وتقاليدهم واستجابتهم ووعيهم، هنا يمكنك أن تتخذ قرارات بالعزل، أو بالتوعية إعلاميا، أو بحملات منزلية، أو بمنع الطيران، أو بتقديم مساعدات مالية لمجموعات من الفقراء... وهكذا.

     وقد ظهر ذلك جلياً في قرار حفر الخندق بقوة الجهاز الاستخباراتي لدولة المسلمين، حين قدموا المعلومات كاملة عن جيش الكفار والمسافة التي تفصلهم عن المدينة، والزمن اللازم لوصولهم، ومن ثم المدة التي يجب أن ينتهي فيها حفر الخندق.

2- الشورى

     فالقائد المستأثر بالقرار قد ينجح لبعض الوقت، لكنه في وقت الانتكاسة سوف يتحمل النتائج وحده، إنما القائد الفذ هو الذي يطرح الأمر للشورى، ويضع الجميع في مواجهة المسؤولية، ويتخير أفضل الآراء ولا يسفه من آراء جنوده أو موظفيه.

3- متابعة فريق إدارة الأزمة

      وذلك دور القائد الذي أسند الأدوار لكنه لا يتركها للظروف، وإنما يعتمد مبدأ المتابعة بدقة، وذلك بوضع أهداف مرحلية؛ فالخندق الذي يجب أن ينتهي حفره في فترة زمنية محددة كأسبوع مثلاً، يجب أن يكون قد وصل لمنتصفه في منتصف الأسبوع المحدد، وينتهي من ربعه في أول يومين من الأسبوع وهكذا، فوضع أهداف مرحلية للمتابعة الدقيقة ييسر الوصول إلى النتائج النهائية في وقتها، أو على الأقل بنسبة كبيرة منها.

 منهج الإسلام في التعامل مع الأزمات الاقتصادية

للإسلام نظرة متميزة وطريقة فريدة للتعامل مع الأزمات عموما والأزمات الاقتصادية خصوصا، ويتبين ذلك بما يلي:

أولا: الأزمات نوع من الابتلاء

     الإيمان الكامل بأن هذه الأزمات نوع من ابتلاء الله -عزوجل- لعباده قال -تعالى-: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء: 35) وقال -عزوجل-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 155)، الأمر الذي يستلزم الصبر المتبوع بالبشرى من الله -عزوجل- في قوله: {وبشر الصابرين}.

ثانيا: ضرورة التوبة والرجوع إلى الله تعالى

     ضرورة العودة إلى الله -عزوجل- بالتوبة والإقلاع عن الذنوب، وإصلاح العلاقة بيننا وبين الخلق، وبيننا وبين الحق، قال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96)، وقال -سبحانه وتعالى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى: 30)، قال الزرعي -في بدائع الفوائد-: «وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته؛ فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفظها عليه ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه» {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (الرعد: 11).

ثالثا: مضاعفة العمل والإنتاج

      وذلك لمواجهة النقص الذي يعتري حياة المجتمعات، حتى يستطيع المواطنون إشباع الحاجات الضرورية فضلا عن الحاجية والتحسينية، ولن تواجه الأزمات الكبرى بالعويل، والصراخ، والصياح، وإلقاء اللوم على الحكومات والدول؛ لأن هذا لن يجدي نفعا، وإنما يجب على الإنسان أن يكدح منه اليمين، وأن يعرق منه الجبين، وأن يستغل طاقاته وقواه الكامنة التي أودعها الله -عز وجل- فيه.

رابعا: التعاون لمواجهة الأزمات

     التعاون بين الشعوب في كيفية مواجهة الأزمات، بغض النظر عن الأديان والعقائد؛ فما خلق الله البشر إلا لذلك، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، وكذا بين المواطنين بتبادل المنافع فيما بينهم ومساعدة كل منهم للآخر، قال -تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة: 2).

خامسا: الاستغناء عن بعض السلع

وذلك بمواجهة موجات الغلاء بالاستغناء، وبهذا يستطيع الإنسان أن يواجه بعض أزمات الغلاء بترك بعض السلع، والاقتصار على إشباع الحاجات الضرورية فقط، الأمر الذي يسهم في حل الأزمة من ناحية، وإرخاص السلع من ناحية أخرى.

سادسا: إخراج زكاة الأموال

     وذلك من خلال عطف الأغنياء على الفقراء، بإخراج حق المال، ومساعدة الغني للفقير، وتعاون المجتمع وانصهار جموع المواطنين في لحمة واحدة، الأمر الذي يسهم إسهاما فعالا في مواجهة الأزمات الاقتصادية، ويجعل المجتمع ينجو إلى شطآن النجاة بفضل تعاون مختلف الأطياف من أبنائه.

سابعا: تسعير أثمان بعض السلع

     قيام الدولة بتسعير أثمان بعض السلع، وعدم ترك ذلك لإرادة التجار المنفردة، حتى لا يقع الاستغلال، ولا ينتشر الجشع، ولا يسود الطمع قطاع التجار، الأمر الذي ينعكس أثره على محدودي الدخل.

ثامنا: تشريع القوانين الرادعة

     لابد من وضع العقاب الرادع لكل من تسول له نفسه بالتلاعب بالأسواق، ورفع أثمان السلع دون مسوغ، وذلك بالخروج على القواعد التي رسمتها الدولة في أثمان السلع والخدمات، حتى يتحقق الردع الخاص لمن يخرج على القانون، فلا يعاود هذا السلوك مرة أخرى، والردع العام لجموع المواطنين؛ بحيث لا يسلك هذا السبيل شخص آخر.

تاسعا: تخفيف العبء عن الفقراء

     من المهم أن تقوم الدولة بتخفيف العبء عن محدودي الدخل، من خلال دعم بعض السلع والخدمات، الأساسية من ناحية، ورفع رواتبهم من ناحية أخرى بما يفي بمواجهة بعض هذه الأزمات.

عاشرا: تنمية الوعي الشرائي

     من المهم جدًا تنمية الوعي الشرائي لدى المواطنين؛ بحيث يكون لدى المواطن الوعي الكافي لترتيب أولوياته؛ بحيث يشبع الحاجات الضرورية أولا، ثم الحاجية، ثم التحسينية، مع التوعية بالبدائل الممكنة لمواجهة غلاء الأسعار، وسبل النجاة من هذه الأزمة.

 

منهج الإسلام في التعامل مع الأزمات الاقتصادية

- أولا: الوعي بأن الأزمات نوع من الابتلاء

- ثانيا: ضرورة التوبة والرجوع إلى الله تعالى

- ثالثا: مضاعفة العمل والإنتاج

- رابعا: التعاون لمواجهة الأزمات

- خامسا: الاستغناء عن بعض السلع

- سادسا: إخراج زكاة الأموال

- سابعا: تسعير أثمان بعض السلع

- ثامنا: تشريع القوانين الرادعة

- تاسعا: تخفيف العبء على الفقراء

- عاشرا: تنمية الوعي الشرائي

 

 

 

القواعد العشر في التعامل مع الأزمات (1) الاستعانة بالله تعالى.

(2) العمل في إطار الحلول العملية.

(3) العمل على اجتماع الكلمة.

(4) الاعتناء بفقه المألات.

(5) العمل على حفظ الموجود

(6) حفظ رأس المال.

(7) الحفاظ على الثوابت.

(8) تشخيص الواقع وفهم الواجب.

(9) الرجوع إلى أهل الاختصاص والخبرة.

(10) المشاورة والابتعاد عن المصادمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك