رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 28 يناير، 2025 0 تعليق

منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع نصوص الفتن والملاحم – الحقلة الثانية

  • أخبر الله عز وجل أنَّ الإسرائيليات وهي الأخبار التي جاءت في كتب اليهود والنصارى محرفة فالمصادر غير موثوقة وتفسيرهم أقرب ما يكون للهذيان وكلام غير العقلاء
  • من مصادر الدجالين في معرفة الأخبار الغيبية التنجيم وهو ربط الحوادث الكونية بالأحداث الفلكية والوقائع الأرضية والربط بينها إذا ظهر نجم كذا يحصل كذا وكذا وهذا شعبة من السحر
  •  المرجع في التمييز بين الأحاديث المقبولة وغير المقبولة إلى أهل العلم بالحديث فلكل علم رجال يُعرفون به
  •  في دين الله عز وجل أخبار غيبية وأحكام عملية وأخلاق سلوكية كل هذا من الدين المنزّل من الله تعالى على رسوله [ فيجب أن تكون مصادره موثوقة
  •  الإسرائيليات أخبار أوضح الله عزوجل أنها محرفة ومع ذلك يستدل بها بعضهم على أنها من المصادر الموثوقة
  •  لابد من التثبت من مصدر الخبر أو مصدر الحكم فإذا كان الأمر ثابتا في القرآن فهو قطعي الثبوت وأما إذا جاء في السُنَّة فمعلوم أن السُنَّة منها ما هو صحيح مقبول ومنها ما هو ضعيف مردود
  • الكلام في مسائل الشرع بغير علم من القول على الله بغير علم وأي كذب أعظم من أن يقول الإنسان هذا الأمر أخبر الله تعالى به في كتابه وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا دليل على ذلك
  • الكشف معناه الارتقاء في التقوى والولاية ثم ينكشف له الحجاب ويرى من الغيب ما لا يرى غيره ويعدون ذلك مصدرًا موثوقا لأخذ العلم وهذا كله انحراف عن المنهج الصحيح

ما زال حديثنا مستمرا عن ضوابط تنزيل نصوص الوحيين القرآن الكريم والسنة النبوية على وقائع بعينها، وكنا قد ذكرنا أن كثيرا من الناس قد وقع في تنزيل النصوص على الوقائع دون أي ضوابط شرعية ولا الاستناد إلى المصادر الدينية المعتبرة، وقلنا: إن هذه مسألة في غاية الخطورة، فإنه ينبني على ذلك أحكام من الحلال والحرام، والإقدام والإحجام، وقد ينبني عليها استحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فكان لابد من ضبط ذلك بضوابط واضحة، وقد ذكرنا الضابط الأول في الحلقة الماضية وهو: معرفة الأحكام الشرعية العملية والأخبار الغيبية، ونكمل اليوم الحديث عن تلك الضوابط.

الضابط الثاني: الاعتماد على مصادر موثوقة

     شاع في الناس وفي وسائل التواصل وفي المؤلفات والمقالات والحسابات أناس يُنزّلون النصوص الشرعية على الوقائع المعينة استنادا إلى مصادر غير معتمدة وغير معتبرة، فمثلا الكاتب والمؤلف المصري محمد عيسى داود له مجموعة كتب منها كتاب: (احذروا)، ذكر أمورا منها على سبيل المثال: قد يسألني قارئي الحبيب كيف اهتديت إلى كل هذه المعلومات بلا مصادر؟! أقول: بل هناك مصادر، فالقراءة الواعية ثم استقراء الأحداث، ورفع درجات حدة الحدس والاستبصار والتدبر والتأمل، كل هذه وسائل لتنزيل هذه الأخبار على الواقع، بل هو يصفها أنها جهاز استقبال الخواطر يمكن أن يقف أمام التحليل العلمي والفلسفي عاجزين، وكثير من فكري ومضات من البرق واستنارات فجائية إن لم تداركها بالتسجيل ضاعت.

     وفي كتابه هذا يبين حوادث بالتواريخ والأماكن والأسماء قصص وحكايات وأفلام على النمط الأمريكي كما سيأتي، مصادره الحدس، والاستبصار، والـتأمل، والتدبر، ونصوص من التوراة المحرفة، والناس -مع الأسف- عندهم تشوّف لمعرفة الغيبيات فيصدقون مثل هؤلاء.

الإسرائيليات

       الإسرائيليات، وهي الأخبار التي جاءت في كتب اليهود والنصارى التي أخبرنا الله -عزوجل- عنها أنها محرفة {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ}، فهذه كتب قرر الله -عزوجل- أنها محرفة، وما زالوا يرجعون إليها، فالمصادر غير موثوقة وتفسيره أقرب ما يكون للهذيان وكلام غير العقلاء، ولا يخفى عليكم الموقف من الإسرائيليات.

التنجيم

        ومن مصادرهم التنجيم، ومعلوم لديكم أن التنجيم هو ربط الحوادث الكونية بالأحداث الفلكية بالوقائع الأرضية، والربط بينها إذا ظهر نجم كذا يحصل كذا وكذا، وهذا شعبة من السحر، وعِلم التنجيم محرم؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أَتَى عَرَّافًا فسأله عن شيءٍ فصَدَّقَهُ بما قال لم تُقْبَلْ له صلاةٌ أَرْبَعِينَ يومًا»، وفي حديث آخر «فإن صدّقه كفر بما أنزل على محمد»، وما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يعلم الغيب إلا الله {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا}، {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله}. ومن ثم فهؤلاء الناس يرجعون إلى المنجمين لمعرفة الوقائع المستقبلية.

       يقول أمين محمد جمال الدين وهو من مشايخ الأزهر في كتاب (هرمجدون)، وهرمجدون هذا مصطلح في التوراة اقتبسوه وأدخلوه في أحاديث الملاحم وجمعوا بينهم، وبينهم فرق شاسع وأحوال مختلفة، فيقول هذا المؤلف: إن من مصادر هذا الكتاب الذي ذكر فيه قصص وحكايات على الحقيقة والواقع مصدره اليهودي المنجم الفلكي (ميشيل دي نوسترادام) الذي عاش في القرن السادس عشر، ثم كأنه استدرك كيف تأخذ كلامك من منجم،؟ قال: هذا العراف وهو طبيب في الأصل لم يأت بما أتى من باب الكهانة، وإنما عثر على مخطوطات إسلامية، اطّلع عليها ونقل منها هذه الأخبار الغيبية. فهذه بضاعتنا ردت إلينا، فأنا آخذ العلم من مخطوطات إسلامية التي اطّلع عليها هذا اليهودي ونشرها، ومن ثم يصوّر للقارئ أن مصادره موثوقة.

علم حساب الحروف

        ومنهم من يرجع إلى علم حساب الحروف، بأن يركّبوا حروف الأبجد هوز، ويركّبوا منها أرقاما ويستنبطون منها تواريخ وحوادث، ومن ثم يستنبطون هذه الأحكام ويربطونها بالوقائع، فمثلا: «ألم» نأخذ الألف معناها كذا ونركّب منها، ونأخذ هذه الحروف ونركّب منها ثم يركّبون تواريخ على وقائع، وهذا العلم كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية يقول: ولهذا تجد عامة من في دينه فساد يدخل في الأكاذيب الكونية، مثل أهل الاتحاد، فإن ابن عربي في كتاب العنقاء أخبر مستقبلات كثيرة عامتها كذب، وكذلك ابن سبعين، وكذلك الذين استخرجوا مدة بقاء هذه الأمة من حساب الجمل الذي ورثوه من اليهود ومن حركات الكواكب الذي ورثوه من الصابئة، كما فعل الكندي من الفلاسفة وغير ذلك.

الكشف

        ومنهم من يرجع إلى الكشف، والكشف عند الصوفية معروف، وهو أن الإنسان يرتقي في التقوى والولاية ثم ينكشف له الحجاب، ويرى من الغيب ما لا يرى غيره، ويعدون ذلك مصدرًا موثوقا لأخذ العلم، وهذا كله دعاوى عريضة وانحراف عن المنهج الصحيح؛ ولهذا يقول محمد عيسى داوود في كتاب احذروا: وله -أي الدجال- قصر مهيب رهيب لا أدري موضعه بالتحديد، ولكنني بالحدس الإسلامي أقول: إنه في فلوريدا، ولِيَ حدس أن فلانا وفلانا من رجاله، قريب من دعوى الكشف هذا الحدس، ثم استنادهم إلى الأحلام وإلى المنامات فهذا الانحراف عن هذا الضابط.

مصادر الأخبار الغيبية

       فإذًا أول الأمر -سواء في الأخبار الدينية الغيبية أم في الأحكام العملية- لا يؤخذ إلا من مصدر واحد وهو الخبر الصادق فيما جاء في الوحي المنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة، فلا نعتمد على مصادر أخرى مثل هذه المصادر، والسؤال الأول دائمًا فيما يقرر حكما دينيا سواء في الأخبار الغيبية أم الأحكام العملية هو: ما دليلك؟ ما مصدر هذه المعلومة؟ هل هو الوحي أم مصدر آخر؟ إذا كان الوحي نأتي إلى المرحلة الثانية وهي التحقق من هذا المصدر؛ لأن الله -تبارك وتعالى- أمرنا بالتثبت ونهانا عن القول بغير علم، قال -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، قال قتادة: لا تقل رأيت ولم ترَ، ولا سمعت ولم تسمع؛ فإن الله -تبارك وتعالى- سائلك عن ذلك كله.

        والكلام في مسائل الشرع بغير علم من القول على الله بغير علم، {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وأي كذب أعظم من أن يقول الإنسان هذا الأمر ما أخبر الله -تعالى- به في كتابه وقع وحصل أو هذا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا دليل عليه.

التثبت من مصدر الخبر

        فإذًا لابد من التثبت من مصدر هذا الخبر أو مصدر هذا الحكم، إذا كان الأمر ثابتا في القرآن فالقرآن قطعي الثبوت، أما إذا جاء في السُنَّة فمعلوم أن السُنَّة منها ما هو صحيح مقبول، ومنها ما هو ضعيف مردود، فالصحيح الذي توافرت فيه شروط الصحة يكون مقبولا في الجملة، أما ما لم تتوافر فيه شروط الصحة بأن يكون ضعيفا فلا يقبل لا في العقيدة ولا في العمل.

         وأشنع من ذلك وأفظع من يقبل الأخبار الموضوعة، وهي الكذب المختلق المصنوع الموضوع المنسوب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زورا وبهتانا، فكثير من هؤلاء يرجع إلى أحاديث موضوعة وأكاذيب لا أصل لها وينسبها إلى النبي الكريم وينسبها إلى هذا الدين؛ لهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الاستدلال بما لم تُعلم صحته لا يجوز بالاتفاق؛ فإنه قول بلا علم وهو حرام بالكتاب والسُنَّة والإجماع، ولا يخفى عليكم قول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وقال: «مَن حَدَّثَ بحديثٍ، وهو يَرى أنَّه كَذِبٌ؛ فهو أحَدُ  الكاذِبَيْنِ، وقال عبدُ الرَّحمنِ: فهو أحَدُ الكَذَّابينَ» إما الكذاب الذي رواه أو الكذاب الذي نقله.

الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -

         يقول البغوي: اعلم أن الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم أنواع الكذب بعد كذب الكافر على الله -سبحانه وتعالى-، وحذّرنا النبي من هذه الفئة فقال: «سَيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي أُناسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ ما لَمْ تَسْمَعُوا أنتُمْ ولا آباؤُكُمْ، فإيَّاكُمْ وإيَّاهُمْ» أخرجه مسلم، ومن الأحاديث غير الصحيحة في هذا الباب، كثير من أحاديث الملاحم، قال الإمام أحمد: ثلاثة كتب ليس لها أصول: المَغازي، والملاحم ، والتفسير، قال الخطيب البغدادي في تعليقه على هذا الكلام: إن كتب الملاحم جميعها بهذه الصفة، يعني أحوال مصنفيها سيئة وناقليها غير عدول، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم - من وجوه مُرضِية، يقول يحيى بن معين: قال لنا أبو اليمان: الحقوا ألواحا سأملي عليكم، فإنه يجيء ههنا الآن خليفة بسلمية فيتزوج ابنة هذا القرشي الذي عندنا، ويفتح بابا ههنا، وتكون فتنة عظيمة، قال يحيى بن معين: فما كان من هذا شيء وكان كله باطلا، قال يحي بن معين: وهذه الأحاديث التي تحدثون بها في الفتن وفي الخلفاء كلها كذب وريح ليس لها أساس، لا يعلم هذا أحد إلا بوحي من السماء.

التمييز بين الأحاديث المقبولة وغير المقبولة

         كيف نميّز بين الأحاديث المقبولة والأحاديث غير المقبولة؟ نرجع إلى أهل العلم، نرجع إلى المتخصصين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وذاك إلى أهل العلم بالحديث، كما نرجع إلى أهل النحو في معرفة نحو العرب من نحو غيرهم، وإلى أهل اللغة في معرفة الألفاظ العربية من غيرها، ونرجع إلى أهل الشعر وأهل الطب، كذلك نرجع إلى أهل الحديث في التمييز بين الأحاديث فلكل علم رجال يُعرفون به، والعلماء بالحديث أجَل هؤلاء قدرا وأعظمهم صدقا وأكثرهم دينا، ولهذا قال ابن سيرين: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم؟ الدين أخبار غيبية وأحكام عملية وأخلاق سلوكية، كل هذا دين منزّل من الله -عز وجل- على رسوله الكريم. فينبغي أن تكون المصادر محل ثقة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X