رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ياسر برهامي 3 أغسطس، 2015 0 تعليق

مناقشة شبهات التكفيريين في مصر

شهدت الفترة الأخيرة رواجًا كبيرًا لفكر التكفير، وبالتالي نشطت عمليات التفجير والاغتيالات السياسية، ونحاول في هذه المقالة أن نناقش على عجالة أهم الشبهات التي يتم الترويج لهذا الفكر عن طريقها:

 الشبهة الأولى: تكفير الشعوب والحكومات مِن خلال قضية (الحكم بغير ما أنزل الله)

     وجوب الحكم بما أنزل الله هو أحد مقتضيات توحيد الله، وقد وصف الله مَن لم يحكم بما أنزل بالكفر تارة وبالظلم تارة وبالفسق تارة ثالثة فقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (المائدة:45)، وقال: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (المائدة:47).

لكن المشكلة أن هؤلاء يطبقون هذه الآيات بطريقة توصلهم إلى تكفير معظم الأمة، بل ربما رمى بعضهم الأمة بأنها ارتدت ردة جماعية منذ القرن الرابع الهجري أو القرن السابع الهجري.

الأمة لم ترض

     وفي الواقع أن دعوى هؤلاء أن الأمة رضيت هذا الوضع وقبلت به دعوى عارية عِن الصحة؛ فنحن بلا شك نُعَاني منذ عصور الاحتلال الغربي الذي سعى أَوَّل ما سعى إلى تغيير شكل الحياة في المجتمعات التي سيطر عليها، وكان مِن ضمن ذلك التعليم والإعلام والفن والثقافة، وكذلك النظام القضائي الذي فرض فيه قوانين الغرب المخالفة للشريعة، وهذا الأمر كان مرفوضًا مِن عامة جماهير الأُمَّة، ولم يزل مرفوضًا كذلك، إلا قِلَّة قليلة هي التي صارت تتبنَّى وجهة النظر الغربية، لكن معلوم أن عامة جماهير الأُمَّة في مشارق الأرض ومغاربها يريدون شرع الله سبحانه وتعالى، ومعلوم أن الله -سبحانه وتعالى- قد قال في كتابه: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (المائدة:44)، هذا الذي يستغله الكثيرون في الحكم بالتكفير على الدول والمجتمعات والحكومات؛ لأنهم مَن يباشر الحُكْم بغير ما أنزل الله، والمجتمعات بزعم أنها ترضى بهذا الأمر، وغَفَل عن حقيقة ما ذَكَرْنا مِن أن تحكيم القوانين الغربية قد وقع في عصور الاحتلال؛ والمسلمون إلى الآن لم يتخلصوا مِن آثار السيطرة الغربية أو العُلُو الغربي على العالم، المشكلة أن أكثر الدول استقلت، ولكنها كُبِّلت بوثائق واتفاقات، ولم يتمكن جمهور الأمة من انتزاع ما يريدون لبلادهم وشعوبهم، بينما كانت النُّخَب منقسمة على النحو الذي استمر حتى الآن بين مَن يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : «هم مِن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس»، وبين محبين للشريعة معتزين بهوية الأمة حريصيين عليها، وهؤلاء انقسموا فيما بينهم حول الطريقة المثلى التي ينبغى سلوكها للوصول إلى تحكيم الشريعة، وانتصر في النهاية الفريق الذي يطالب بالتدرج الهادئ جدًّا في هذا الباب خوفًا مِن حدوث فراغ تشريعي، ومراعاة للعالم المتربص ببلاد المسلمين، وهي تخطو خطواتها الأولى نحو الاستقلال، ومهما يكن لنا مِن اعتراضات على هذا المسلك، إلا أنه لا يمكن أن تصف أصحابه بحال مِن الأحوال أنهم خصوم للشريعة أو حاكمون بغير ما أنزل الله بهواهم، وقد استمر النجاشي حاكمًا في قومه بما يطيق مِن إقامة العدل مع عجزه عن دعوة قومه إلى الإسلام فضلًا عن تطبيق الشريعة فيهم.

اقتربت الأمة من الشريعة

     وبالفعل اقتربت الشعوب العربية والمسلمة تدريجيًّا في دساتيرها وقوانينها من تأصيل مرجعية الشريعة، وإن كانت لا تستطيع أن تطبقها في كل جوانب الحياة كما هو معلوم؛ لأن هناك ارتباطات قوية وتأثيرًا هائلًا للقوى العسكرية، وللقوى الاقتصادية، وللقوى الإعلامية، في المشاحنات داخل المجتمعات بين أناس ذوي تأثير هائل يتبنَّوْن الفكر الغربي، ويتبنَّوْن فصل الدين عن الدولة وعن الحياة وبين عامة الناس.

مرجعية الشريعة

     وفى مصر قطعنا شوطًا جيدًا؛ حيث يَنُص الدستور على مرجعية الشريعة، بل ويَنُص على أن الواجب هو تغيير كل القوانين المخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، وإنما لابد مِن مُهْلة للدراسة العلمية والتحقيق والنظر في المصالح المعتبرة وسط تداخل مع كل دول العالم، ولا يمكن أن يصَنَّف مَن قال ذلك واعتقده بأنه محارب للشرع ومحارب للدين ورافض للشريعة أو أنه يُلزم في التشريع العام بما يخالفها، نعم؛ هناك موروث مِن العهود السابقة -عهود الاحتلال- في ذلك، لكن ما زال المسلمون لا يستطيعون أن يحققوا في بلادهم كل ما يريدون إلا بنوع مِن التدرج كما ذَكَرْنا، فالذي يقرر التدرج مراعاة للمصلحة ومراعاة لعدم الانهيار في المنظومة القضائية التي تؤدي إلى فوضى عارمة لا يستطيع الناس أن يتحملوا مفاسدها، وبهذا التأصيل يُعلَم أنه لا يُعَد ذلك محاربة لدين الله سبحانه وتعالى؛ ذلك أنه يقرر الإلزام بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم جواز الالتجاء إلى غيرها، فانتفى الجانب العقدي في هذا الباب، وبالتالي يبقى الجانب العملي، وهذا الأمر قد سَبَق فيه كلام ابن عباس رضي الله عنه ومَن وافقه مِن الصحابة والتابعين في أن هذا كُفْر دون كفر، ليس بالكفر الذي يَنْقِل عن الملة.

فساد الأصل

     وإذا تبيَّن فساد الأصل؛ تبيَّن فساد ما يرتبونه عليه مِن أن الحكومات كافِرة؛ لذا الجيوش كافرة والشرطة كافرة، وبعضهم تجاوز إلى أن كل مشارك في الأعمال السياسية والأحزاب السياسية والانتخابات والبرلمانات كلهم كفار، وبعضهم جاوز إلى أن الشعوب كذلك؛ لأنها تتحاكم في كل أمورها، وهي مضطرة لأن تذهب في مصالحها وزواجها وطلاقها وشؤونها إلى هذه المحاكم، فحكموا على الكل بالكفر، وهذا -كما ذكرنا- مِن الباطل الذي لا يحتمل قبول الاجتهاد فيه، ولا يصح أن يقول: إن هذا فيه اجتهاد أن يكفر بهذه الطريقة.

لا يلزم تكير المعين

     ولو افترضنا جدلًا أن المسألة كانت كفرًا أكبر، فلا يلزم منه تكفير الـمُعَيَّن، بل لابد من التفرقة بين النوع والعين؛ يعني أنه قد يقع المسلم في كفر قولي أو عملي، ولكن يمنع من وَصْفِه وإسقاط حُكْم الكفر عليه مانع كمانع الجهل، والتأويل وهو مِن أوسع الموانع في وقتنا، والإكراه والخطأ والنسيان وموانع التكفير تمنع إطلاق وصف الكفر على شخص بعينه، حتى وإن ثبت أنه وقع في الكفر الأكبر فضلًا عن أنه لم يكن يقع في وصف الكفر الأكبر.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك