رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ناصر نعمه العنيزان 17 مايو، 2016 0 تعليق

مناقشة تأصيلية علمية هادئة، ويليه التحرير في مسألة التكفير- الحكم بغير ما أنزل الله (1)

الكتاب هو في الحقيقة كتابان في مجلد واحد الأول -كما وصفه مؤلفه: بندر بن نايف المحياني العتيبي- (مناقشة تأصيلية علمية هادئة)، وهو كتاب: (الحكم بغير ما أنزل الله). قال عنه الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ -عضو هيئة كبار العلماء-: إن مؤلفه أجاد فيه وأفاد، وبين موقف أهل السنة والجامعة ممن حكم بغير ما أنزل الله، مدعماً ما ذكره بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة المعتبرين من علماء هذه الأمة وفتاواهم.

أما الكتاب الثاني فهو كتاب: (وجادلهم بالتي هي أحسن)، وهي مناقشة علمية هادئة لـ (18) مسألة متعلقة بحكام المسلمين.

قامت جمعية إحياء التراث الإسلامي بطباعته وتوزيعه ضمن مكتبة طالب العلم الثامنة التي تصدرها.

وقد صدر الكتاب بنسخة مجلدة فاخرة، الجزء الأول منه تضمن أربعة مباحث مهمة وملحق خاص لمسألة (التحرير في مسألة التكفير) للشيخ العلامة محمد صالح العثيمين -رحمه الله-.

وقد جاء في المبحث الأول بيان قواعد لابد من معرفتها وهي ست قواعد: أن الحكم بما أنزل الله فرض عين على كل مسلم، كذلك أن وقوع المرء في شيء من المكفرات لا يلزم منه كفره، ذلك أن تكفير المعين مشروط بإقامة الحجة.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة». (الفتاوى: 12/466).

     وإقامة الحجة تعني التأكد من توفر شروط تكفير المعين في ذلك المرء كالعلم المنافي للجهل، والقصد المنافي للخطأ، والاختيار المنافي للإكراه، وعدم التأويل السائغ المنافي لوجود التأويل السائغ، وعليه فما قرره أهل العلم من الكفر الأكبر فلا يلزم منه كفر كل من وقع فيه؛ إذ لابد من إقامة الحجة قبل الحكم بالكفر.

     كذلك من القواعد التي لا بد من معرفتها أن كفر الحاكم لا يلزم منه جواز الخروج عليه، وأن الأصل في الأعمال المخالفة للشرع عدم التكفير، والتكفير طاريء على هذا الأصل ناقل عنه، فإذا كان توقف علماء الإسلام عن قبول القول بنقض عبادة الوضوء إلا إذا جاء قائله بدليل، فإن نقض الإسلام أولى بهذا التوقف، وذلك أن إبطال إسلام المرء أبلغ من إبطال وضوئه.

وعليه: فإن الأصل في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله أنها غير مكفرة، فمن كفر بأي صورة من صور المسألة لزمه الدليل، فإن لم يأت بالدليل فلا عبرة بما قال.

     ومن القواعد التي ذكرها الشيخ المؤلف أن مسألة الحكم بغير ما أنزل الله لا تختص بأحد دون أحد، فكل من حكم بين اثنين فهو قاض، كذلك فإن الإجمال سبب في كثير من الإشكالات؛ فالواجب التفصيل في أي مسألة فضلتها الأدلة الشرعية، ولا يصح إطلاق الأحكام على الأفعال دون اعتبار التفصيل الذي اقتضاه الدليل.

أما المبحث الثاني ففيه تفصيل مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وهي تسع حالات، ست من الكفر الأكبر بلا خلاف، وثلاث نازع فيها بعض المتأخرين والحق أنها من الكفر الأصغر.

أما الست فهي: (الاستحلال، والجحود، والتكذيب، والتفضيل، والمساواة، والتبديل)، أما الثلاث فهي: (الاستبدال، والتقنين، والتشريع العام).

     المبحث الثالث، فكان بعنوان: (فصول متتمة)، وهي ثمانية فصول أوضح فيها الشيخ المؤلف ما يلي: خلاصة الكلام في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، لم يقع الاختلاف فيما قررته في الحالات التسع إلا في أربعة مواضع، موافقة ما قررته لأقوال علماء العصر الثلاثة، موافقة ما قررته لقول عبداللطيف بن عبدالرحمن وإقرار سليمان بن سحمان، وأن عمل أهل العلم عليه، ونقله عامة السلف، موافقة ما قررته لأقوال أصحاب ابن عباس، موافقة ما قررته لقول ابن عباس، اتهامات وإلزامات الخصوم لمن قال بمثل ما قال به علماء العصر في المسألة.

     كما ذكر المؤلف في المبحث الثالث أيضاً بعض المسائل التي من قالها فقد بريء من الإرجاء، ومن ذلك: من قال: إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، ومن قال: إن الإيمان يزيد وينقص، ومن قال بجواز الاستثناء في الإيمان، ومن قال بإن الكفر يكون بالقول أو بالعمل.

كذلك من قال بوجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا فقد فارق المرجئة؛ ذلك لأن المرجئة لا يرون لولاة الجور سمعاً ولا طاعة، بل يرون السيف.

     فهذه هي أصول المرجئة التي حكاها عنهم ونقضها أهل السنة، التي غابت عن كثير من طلاب العلم، فأصبحوا يرمون بالإرجاء من خالفهم، ولو لم يكن متلبساً بشيء من آراء المرجئة! فترى آثار السلف تبريء الرجل من الإرجاء، ثم يأتي من أهل عصرنا من يرميه به، فمن أعلم بالإرجاء وأصوله، أئمة السلف؟ أم طلاب العلم هؤلاء؟ أم أن لهؤلاء سلفاً غير سلفنا؟!

وفي المبحث الرابع ذكر المؤلف الأجوبة عن أهم أدلة المخالفين، وهي أربعة عشر دليلاً.

     بعد ذلك جاءت الفتوى المتأخرة لابن عثيمين -رحمه الله- في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، التي سميت بـ(التحرير في مسألة التكفير)؛ حيث جاء في السؤال: أن كثيراً من طلبة العلم يدندنون حول الحاكم الذي يأتي بشريعة مخالفة لشريعة الله، ثم يأمر الناس بها ويلزمهم بها، ومع أنه يعترف أن حكم الله هو الحق وما دونه هو الباطل، وأن الحق جاء في الكتاب والسنة، ولكنه لشبهة أو لشهوة جرى إلزام الناس بهذه الشريعة، فهل يكون بفعله هذا كافراً؟ أم لابد أن ينظر لاعتقاده بهذه المسألة؟

الجواب: إن مسألة التكفير مسألة كبيرة عظيمة، وأرى أولاً ألا يشتغل الشباب بهذه المسألة، فعليهم أن يهتموا بعباداتهم التي أوجبها الله عليهم، وأن يحرصوا على التآلف بينهم والاتفاق.

     أما فيما يتعلق بالحكم بغير ما أنزل الله فهو كما في كتاب الله العزيز ينقسم الى ثلاثة أقسام: كفر، وظلم وفسق على حسب الأسباب التي بني عليها هذا الحكم، فإذا كان الرجل يحكم بحكم بغير ما أنزل الله تبعاً لهواه مع علمه بأن الحق فيما قضى الله به؛ فهذا لا يكفر، لكنه بين فاسق وظالم، وإذا كان يشرع حكماً عاماً تمشي عليه الأمة يرى أن ذلك من المصلحة، وقد لبس عليه، فلا يكفر أيضاً.

وإذا كان يعلم الشرع، ولكنه حكم بهذا، أو شرع هذا، وجعله دستوراً يمشي الناس عليه، وأن الحق فيما جاء به الكتاب والسنة، فإننا لا نستطيع أن نكفر هذا.

وإنما نكفر من يرى أن حكم غير الله أولى أن يكون الناس عليه، أو مثل حكم الله -عز وجل- فإن هذا كافر؛ لأنه مكذب لقول الله تبارك -وتعالى-: {أليس الله بأحكم الحاكمين} (التين:8).

ولا يعني أننا إذا كفرنا أحداً فإنه يجب الخروج عليه؛ لأن الخروج يترتب عليه مفاسد عظيمة أكبر من السكوت.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك