رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 24 فبراير، 2014 0 تعليق

مليون مسلم يواجهون أبشع جرائم القتل والتصفية والتطهير العرقي برعاية فرنسية- مسلمو إفريقيا الوسطى يسددون فاتورة صراع القوى الكبرى


ميشيل جوتوديا فتح المجال لشركات صينية للاستثمار في قطاع النفط والغاز لتحقيق طفرة في اقتصاد بلاده

مؤامرة فرنسية ودعم كنسي أفضى إلى إنهاء حكم أول رئيس في تاريخ البلاد منذ الاستقلال

باريس رفضت تصاعد النفوذ الص يني ودعمت مجازر في صفوف المسلمين لإعادة بوزيزي للحكم

الإرساليات التنصرية تدعم جرائم الإبادة الجماعية للمسلمين وسط صمت إسلامي مطبق

بقدر ما أنعم الله على شعب إفريقيا الوسطى بثروات معدنية وطبيعية كان يمكن أن تحدث نقلة نوعية في هذا البلد الفقير الذي لا يتجاوز عدد سكانه 4.4 مليون نسمة، ووضعه في مصاف الدول الأكثر نموًا في القارة السمراء بقدر ما عصف غياب الاستقرار السياسي وشيوع الفساد والاستبداد والانقلابات العسكرية بكل هذه الإمكانات، بل حول الشعب إلى واحد من أفقر الشعوب في القارة السمراء؛ حيث لم تشهد البلاد أي نوع من الاستقرار يوما منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960ولاسيما خلال حقبة (بوساكا) الذي نصب نفسه إمبراطورًا على الشعب الفقير؛ حيث أنفق حوالي 50% من موازنة البلاد على حفل التنصيب، ودخل في صراع مع فرنسا أفضى لإسقاطه نهاية السبعينيات من القرن الماضي بانقلاب عسكري قاده أحد الضباط الموالين لفرنسا ويدعي (باناسيه).

انقلاب واستبداد

     وخلال ما يقرب من عقدين من حكم باناسيه لم تعرف البلاد أي نوع من الاستقرار والتنمية حتى اشتعلت هبة شعبية احتجاجًا على الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، مهدت السبيل لانقلاب عسكري قاده الجنرال بوزيزي عام 2003، الذي استمر في حكم البلاد بنفس أساليب (بوساكا) و(باناسيه) حتى أسقطه انقلاب عسكري في عام 2013على يد ميلشيات (سلاكا) التي يهيمن عليها مسلمو البلاد الذين تتجاوز نسبتهم 25% من سكان البلاد بقيادة الرئيس (ميشيل جوتوديا) المدعوم من السودان وتشاد، وهو الحكم الذي لم يستمر لعدة أشهر، حتى اشتعلت حرب أهلية في البلاد قادتها ميلشيات (انتي بالاكا) المسيحية المتطرفة التي أعملت القتل والتعذيب في صفوف أبناء المسلمين، مما أدى إلى هروب جماعي للمسلمين إلى تشاد والكاميرون المجاورتين من حرب التطهير العرقي والديني التي ترعاها الكنسية والإرساليات التنصيرية في البلاد.

     ولا شك أن هذا العرض لنبذة تاريخية عن البلاد يكشف بجلاء أنها كانت على موعد دائم مع الانقلاب والأزمات الدموية؛ حيث لم يكتب لرئيس منذ الاستقلال أن يكمل ولايته، وحتى إن أكملها لا يخرج بطريقة طبيعية من القصر. والحقيقة أن إفريقيا الوسطى قدمت نموذجًا لتهميش مسلميها وإقصائهم عن مفاصل السلطة، ولا حتى المناصب الرفيعة رغم أنهم يؤدون دورًا اقتصاديًا داخل البلاد، بل ويحكمون سيطرتهم على ثرواتها المعدنية من ماس ويوارنيوم، فضلاً عن أسواق الثروة الحيوانية، بل إن الحكومات المتتالية أمعنت في تهميشهم منذ الاستقلال وحتى وصول الرئيس ميشيل جوتوديا للسلطة خلال مارس من العام الماضي مدعومًا من عدد من دول الجوار.

نفوذ صيني

     وخلال عام من حكم (جوتوديا) سعى الرئيس الذي كانت فرنسا لا تبدي ارتياحًا لوجوده في السلطة لتغيير موازيين القوى داخل البلاد؛ حيث تم إسناد عقود ضخمة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي والبوكسيت لشركات صينية وشركاء سودانيين ليحلوا محل شركات نفطية فرنسية وأمريكية تعرضت لهجمات دموية أجبرتها على وقف أعمالها في البلاد، مما حدا بحكومة بانجي لإسناد هذه المشروعات لشركات أخرى وهو ما أغضب فرنسا المستعمر السابق للبلاد التي بذلت أقصى جهودها لإسقاط حكم الرئيس المسلم بكل السبل حتى لو كان ثمن ذلك إشعال حرب أهلية في البلاد الهدف منها استئصال شأفة النفوذ الإسلامي الذي تحول لأكبر مهدد للمصالح الفرنسية في مستعمراتها السابقة وفي دول الجوار.

     ولذا لا يبدو غريبًا تفسير الصراع المحتدم في البلاد، والمذابح الدائرة في صفوف مسلمي إفريقيا الوسطي إلا أنه حلقة من صراع القوي الكبرى على كعكة النفط والغاز واليورانيوم والماس في البلاد، فلا يمكن لواشنطن وباريس أن تصمت وهي ترى الرئيس ميشيل جوتوديا وهو يفتح أبواب البلاد أمام الشركات الصينية لتنقب عن هذه الثروات وتخرج باريس خالية الوفاض، لذا فلم تجد المخابرات الفرنسية أمامها إلا مليشيا (انتي بالاكا) المسيحية المتطرفة الموالية للرئيس المخلوع بوزيزي لاستعادة نفوذها وسيطرتها حتى لو تحولت شمال البلاد والعاصمة بانجي إلى أرض محروقة نتيجة آلاف القتلى من المسلمين الذين لم يكتفوا بقلتهم بل أحرقوا جثثهم.

صمت مطبق

     ولم تفرق (بالاكا) في عمليات القتل بين شيخ وطفل وامرأة أو صبي فجميع من يرفع كلمة (التوحيد) حتى لو كان من خارج البلاد أو من أصول عربية صار هدفًا مشروعًا لعمليات اغتيال وتصفية خارج القانون وسط صمت مطبق من قوات حفظ السلام الإفريقية والفرنسية، حتى إن أحد قادة الكتائب التشادية المسؤولة عن تأمين طرق الخروج لمسلمي إفريقيا الوسطي قد قتل بعد استهدافه من قبل المليشيات المسيحية التي لا تتورع عن قتل كل من تطاله يداها من المسلمين، لدرجة أن أحد الفتيان ساقه حظه العاثر للوقوع من الشاحنة فما كان من هذه المليشيات المسلحة إلا قتله والتمثيل بجثته.

     ولعل التحالف الذي أبرمته فرنسا في إفريقيا الوسطي بدعم من الكنيسة الأرثوذكسية وإرساليتها لم يكن هدفه الوحيد إسقاط حكم الرئيس (جوتوديا) فقط لوقف الامتداد الإسلامي، فهناك حركة اعتناق للدين الحنيف بطريقة لافتة في صفوف المسيحيين نتيجة العلاقات الوطيدة بين المسيحيين والمسلمين، لدرجة أن الرئيس بوزيزي كان يناشد قبل سقوط حكمه من أسماهم بأبناء العمومة الفرنسيين والأمريكيين التدخل لإنقاذه من المد الإسلامي ومليشيات (سالاكا) وهو ما لم تنجح باريس وواشنطن في تحقيقه نتيجة الدعم السوداني التشادي للميلشيات المسلمة لإنهاء حوالي نصف قرن من التهميش الذي تعرض له المسلمون في هذا البلد الإفريقي الفقير.

سلب ونهب

     ولا تتوقف مأساة المسلمين عند حد سقوط آلاف القتلى وتهجير حوالي سبعين ألفا لدول الجوار، ومعاناة مليون مسلم من الجوع والتشرد والتعرض لاستهداف المليشيات، بل إن جميع مصالح المسلمين من مساجد ومراكز دعوية ومؤسسات اقتصادية قد تعرضت للنهب المنظم من قبل هذه المليشيات الدموية دون أن تجد من يردعها، بل على العكس هناك تشجيع من الرئيسة المؤقتة (كاثرينا سامبا) التي عينت في منصبها بوساطة إفريقية وصمت مريب حيال عمليات الإعدام الموسعة في صفوف المسلمين، لدرجة أن أحد نواب البرلمان ويدعي (جان إيمانويل نجاروا) قد قتل بعد إدانته لأعمال العنف الطائفية في صفوف المسلمين.

     ومن البديهي التأكيد أن عمليات التطهير العرقي والطائفي لن تتوقف أضرارها على مسلمي البلاد، فهجرة أصحاب رؤوس الأموال من المسلمين ستضر ضررًا بالغًا باقتصاد البلاد المتداعي، بل ستدفع المستثمرين للخروج من البلاد ولاسيما في قطاع النفط والغاز؛ لأن هجمات مليشيات (إنتي بالاكا) وبعد أن تفرغ من تهجير المسلمين ستواصل عملياتها ضد الشركات الصينية والسودانية العاملة في قطاعي النفط والغاز، التي لن تعمل في مثل هذه الأجواء مما يكرس الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.

     ومن المؤسف أن عمليات الإبادة الجماعية الجارية في صفوف المسلمين والعمل على استئصال شأفة الإسلام من أفريقيا الوسطي تأتي في سياق مناف لكل الأعراف الإنسانية والقانونية، فقد جرت مذبحة للمسلمين المحتمين بأحد مساجد العاصمة بانجي تمهيدًا لنقلهم للأراضي التشادية تحت أعين القوات الفرنسية المنتشرة في البلاد؛ حيث تواطأت هذه القوات وغضت الطرف عن هذه المذابح لكون هذه الانتفاضة ستتدحرج وتعود إلى حجر المستعمر السابق للبلاد، وتقطع الطريق على أي رغبة صينية في لعب دور مهم داخل البلاد التي تنتظر مستقبلا باهرا في قطاعي النفط والغاز.

فاتورة الصراع

     وفي ظل هذا المناخ الدموي فمن الواضح أن المسلمين في إفريقيا الوسطي يدفعون فاتورة الصراع بين القوي الدولية والشركات العابرة للقارات ومساعي فرنسا للحفاظ على نفوذها بدعم وتمويل من الكنيسة الكاثوليكية الراعي الأول للمذابح في صفوف المسلمين، كما يؤكد إبراهيم نصر الدين، أستاذ الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، الذي رجح استمرار هذه المأساة حتى تنجح هذه القوى في تقليص النفوذ السياسي والاقتصادي للمسلمين في هذه البقعة المهمة من القارة السمراء في ظل حديث تقارير دولية عن ثورة نفطية تنتظر استثمارات ضخمة لنقل هذا البلد نقلة نوعية.

     والأمر لا يقتصر فقط على الصراع الدولي، بل إنها قوى إقليمية حولت إفريقيا الوسطي إلى محطة للحفاظ على نفوذها، فهناك قوى كانت تبدي اعتراضًا على تصاعد دور المسلمين في الساحة السياسية، ورغبة الرئيس المستقيل في تغيير موازين القوى خصمًا من رصيد القوى التقليدية والرهان على الصين والسودان وتشاد لتعزيز نفوذه تعزيزا أغضب قوى إفريقية كبرى مثل جنوب إفريقيا وإثيوبيا والكاميرون.

وتابع لا أعتقد أن هذا الصراع سينتهي قريبًا، بل قد يواجه مقاومة من مليشيات (سالاكا) مرة أخرى والقوي الدولية والإقليمية الداعمة دعما يرجح معه عدم استمرار الحكومة الحالية التي عجزت أو تواطأت عن استعادة الأمن ووقف المذابح في صفوف المسلمين.

جريمة بشعة

     إذا كان المشهد قد بدا معقدًا طبقًا لوجهة نظر الدكتور نصر الدين فإن الأمر المؤسف يتمثل في حالة الصمت المطبق من جانب العام الإسلامي حيال المجازر الجارية في صفوف مسلمي إفريقيا، فلم تنتفض دولة مسلمة لوقف هذه المجازر، ولم تحرك منظمة التعاون الإسلامي ساكنًا لإدانة التطهير العرقي ووقفه وقفا فوريا، وهو ما يعده الدكتور يحيي إسماعيل حبلوش، -الأمين العام لجبهة علماء الأزهر- جريمة شنعاء، متسائلاً كيف يصمت العالم الإسلامي على جرائم يندى لها الجبين؟؛ حيث تسحل النساء والأطفال والشيوخ، وتنتهك الأعراض، وتحرق المساجد والجثث والبيوت، وتجري عملية تطهير عرقي لم يجر لها مثيل إلا في البوسنة والهرسك في تسعينات القرن الماضي.

     واتهم إسماعيل القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام الإفريقية بالتواطؤ مع هذه المجازر الجارية في صفوف المسلمين، وعدم التصدي لجريمة التطهير العرقي والديني في وقت كانت هذه القوات ستنتفض إذا تم المساس بأي من مسيحيي إفريقيا الوسطى في وقت تكتفي بعض الحكومات الإسلامية بإبادة مواطنيها إذا طالبوا بالحرية أو الخروج من بيت الطاعة الحكومية.

     وطالب إسماعيل منظمة التعاون الإسلامي باجتماع عاجل على مستوي وزراء الخارجية للبحث في كيفية وقف هذه المجازر، وتبني مواقف قوية ضد الحكومة الفرنسية وضد الدول المشاركة في قوات حفظ السلام الإفريقية بصفته الراعي لهذه المجازر، متسائلاً لماذا لم توفر الوساطة الإفريقية الحماية للمسلمين؟ واكتفت باستقالة الرئيس وحكومته دون أن تتعهد بملاذ آمن لآلاف المسلمين الذين تحولوا للاجئين في دول الجوار يواجهون الجوع والموت إذا نجحوا في الفرار من المليشيات المسيحية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك