رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 16 سبتمبر، 2013 0 تعليق

مليون مسلم يدفعون ثمنًا باهظًا لدعم الدولة في مواجهة المتمردين (التاميل) مسلمو سيرلانكا بين حقد البوذيين ومباركة حكومة كولومبو


استهداف مساجد المسلمين ومصالحهم الاقتصادية يهدد باشتعال التمرد وإعادة البلاد لدائرة الحرب الأهلية

امتداح وزير الدفاع للبوذيين يكشف تعرض الأقلية المسلمة لحرب ضروس

دول الخليج ومنظمة التعاون الإسلامي تستطيع وقف التحريض عليهم

الالتحاق بمؤسسات التعليم الرسمية يهدد هويتهم وصمت الدول الإسلامية يجعلهم على خطى الأركان

هجمات الرهبان والقوميين البوذيين تهدد بتكرار السيناريو البورمي في سيرلانكا

مؤسسات المسلمين التعليمية والصحية ومساجدهم تشكو الحاجة وسياسات تمييزية واضحة في الوظائف

يبدو أن سيناريو المذابح الدموية التي تعرض لها مسلمو ميانمار (بورما) خلال الفترة الماضية مرشحة للتكرار بقوة في سيرلانكا في ظل تشابه الأحداث وتصاعد النبرة ضد مسلمي البلاد الذي يشكلون 10% من سكانها، وهو أمر مهد له المتطرفون البوذيون خلال الفترة الأخيرة عبر استهداف مساجد ومصالح ومراكز تجارية إسلامية خلال الفترة الأخيرة، وإصدار تحذيرات متتالية من أن مسلمي البلاد يشكلون خطرًا شديدًا على استقرار البلاد وأمنها، وهي الاتهامات التي لم تجابه بأي اعتراض من الرئاسة أو الحكومة دون أن تتزامن مع أي تصريحات تهدئ من مخاوف الأقلية المسلمة.

     وزادت تصريحات وزير الدفاع (جوتابايا راجاباكسه) الشقيق الأصغر للرئيس (ماهيندا راجاباكسه) من قتامة الموقف لاسيما من جهة قوله: إن مجموعة ذات صلة بمتمردي تحرير (نمور تاميل) تحاول تقويض جهود الحكومة للمصالحة والتنمية، مشددًا على أنه جرى العثور أيضًا على عناصر إسلامية متطرفة تقيم بصفة مؤقتة داخلها، لافتًا إلى أن مثل هذه العناصر المتطرفة ربما تحاول الترويج للتطرف الإسلامي في بلاده، وهو أحد أسباب القلق ولاسيما أنها يمكن أن تفسر من جهة متطرفين بوذيين بأنها ضوء أخضر لشن هجمات على أهداف ومصالح إسلامية؛ حيث تتجاوز أعداد المسلمين فيها ما يقرب من مليوني مسلم يقطن أغلبهم في العاصمة (كولومبو) والضواحي المجاورة لها

 هجمات متتالية

     ولعل ما يزيد الأمر خطورة تزامن هذه التصريحات مع حوادث متتالية وهجمات يشنها الرهبان البوذيون على أهداف ومصالح إسلامية في البلاد، بل وتحرش بالفتيات المحجبات والمنتقبات ومحاولة نزع حجابهن، بل ومحاولات إحراق متتالية لمحالات تجارية ومولات ومقرات لبيع اللحم الحلال؛ مما فسر في أوساط المسلمين بأنه مقدمة لحملة شعواء ضدهم، والنظر إليهم بجعلهم  طابورا خامسا للمتمردين التأميل الذين ألحقت بهم الحكومة هزيمة نكراء خلال السنوات الماضية، وتتهم من تسميهم بمتطرفين إسلاميين بمحاولة إعادة ضخ الدماء في عروق التمرد في شبه جزيرة جافنا.

     ورغم حالة الصمت التي التزمت بها حكومة كولومبو إلا أن عددا من الهيئات الإسلامية أدانت هذه الروح العدائية، وفي مقدمتها جمعية علماء (كل سيلان) التي أكدت على لسان المتحدث الرسمي باسمها (فطيم فاروق) الهجوم الذي تعرض له أحد المساجد، مشيرًا إلى تنامي حدة الكراهية التي تستهدف المسلمين، مشيرا إلى أن أعمال العنف الأخيرة تأتي بعد مرور خمسة أشهر على حملة شنت ضد المسلمين، بلغت ذروتها بإحراق مقري عمل يملكهما مسلمون خارج العاصمة، مضيفًا إلى أنه كان يعتقد أن الأوضاع ستستقر ويتوقف العنف عند ذلك الحد، إلى أن جاء الحادث الأخير ليثير قلق الجميع كاشفا كيف انتهي شهر العسل بين الحكومات المتتالية في كولومبو مع المسلمين؛ حيث كانت تمتدح حيادهم خلال الحرب وعدم تورطهم فيها، رغم تعرضهم لهجمات دموية من المتمردين التأميل قبل التدخل ودعم محاولات الحكومة إنهاء التمرد.

إدانة ضعيفة

     وتكرر الموقف نفسه على لسان المجلس الإسلامي السريلانكي الذي أعرب عن قلقه على سلامة المسلمين، وأكد أن الهجوم وقع رغم وجود رجال الأمن الذين لم يتمكنوا من حماية المسجد مع تعهد السلطات بفعل ذلك، خصوصًا أن هذا الحادث قد جاء في خضم تزايد حملة مناهضة للمسلمين من قبل الجماعات القومية البوذية التي تعد المسلمين (خطرًا سياسيًا واقتصاديًا) على الأغلبية من ذوي العرقية السنهالية البوذية التي تمثل 70% من عدد السكان، بل وصل الأمر إلى الدعوة لمقاطعة المتاجر التي يملكها المسلمون.

تآمر وانتهاكات

     وقد عكست تصريحات مفوضة الأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان (نافي بيلاي) -حول حدوث انتهاكات لحقوق الأقليات، وعدم تدخل الحكومة لردع هذه الهجمات أو تجريمها قانونًا- حالة من القلق في أوساط المجتمع الدولي من تفشي التوتر بين العرقيات المختلفة، وميل الحكومة الحالية لتبني سياسات أكثر استبدادًا، فضلاً عن هيمنة الجيش على الحياة المدنية بشكل يرجح معه أن تشهد مناطق المسلمين والتأميل هجمات مكثفة خلال المرحلة المقبلة من قبائل الرهبان والقوميين البوذيين بشكل ينهي حالة الوفاق التي استمرت بين المسلمين وحكومات كولومبو المتعاقبة منذ اندلاع الصراع مع التأميل عام 1983م، رغم أن المسلمين لم يبدوا أي رغبة في الانفصال أو أن تكون لهم مطالب فئوية، بل اندمجوا في الحياة السياسية منذ عقود طويلة.

     وقد أشعلت هذه الروح العدائية حالة من الرعب في أوساط المسلمين الذين وجهوا اتهامات صريحة للحكومة الحالية بالتآمر عليهم، وعدم حمايتهم, وهي الاتهامات التي نفتها الحكومة جملة وتفصيلاً, لكن هذه الاتهامات تطورت بعدما وقفت الشرطة موقف المتفرج من الهجوم على سلسلة (فاشون باغ) التابعة لرجال أعمال مسلمين، فضلاً عن أن امتداح وزير الدفاع للرهبان البوذيين بأنهم دوما يوفرون الحماية للبلاد والدين والثقافة, ودائمًا يسيرون في المسار الصحيح خلق أجواء من الريبة والقلق بأن المسلمين وقعوا بين مطرقة الحكومة وسندان الرهبان البوذيين.

تهميش وإقصاء

     ولكن الأمر المحير أن المواقف الرافضة لتآمر الحكومة علي الأقلية المسلمة لم تتجاوز التنديد الواسع من العديد من المنظمات والهيئات العالمية الإسلامية وغير الإسلامية، وهي مواقف لن تكفي لوقف موجة العنف إن اندلعت، ولا بد من التحرك سريعًا قبل أن تسير البلاد على خطى جارتها بورما، خصوصًا أن حكومة كولومبو ترتبط بعلاقات قوية مع حكومات عربية وفي مقدمتها دول الخليج العربي لاسيما بعد أن رفضت توثيق علاقاتها مع الكيان الصهيوني، وهي الخطوة التي أغمضت أعين الدولة العربية والإسلامية عن التجاوزات في صفوف المسلمين ومحاولة تهميش دورهم، بل وإجبارهم على مغادرة البلاد.

     بل إن مواقف الدول الإسلامية قد تغري الحكومة -كما يؤكد الدكتور عبد الله الأشعل المستشار السياسي السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي- على المضي قدمًا في هذه الإجراءات العدائية ضد الأقلية المسلمة، بل قد تدفع المتمردين البوذيين إلى التشكيك في مواطنة مليوني مسلم كما جرى في بورما المجاورة.

     واستغرب الأشعل بشدة الحملة على الأقلية المسلمة بالقول: إن هذه الأقلية لم تقدم على أي خطوات تثير الخطر على وحدة البلاد أو تدعم محاولات التأميل للانفصال، بل على العكس تمامًا دعمت محاولات الحكومة لإنهائه، بل كان لها دور مؤثر في ذلك عام 2009، بل إن المسلمين  مندمجون في الحياة السياسية عبر عدد كبير من الوزراء؛ ولهم أنشطة تجارية رائجة بشكل يصعب معه تسويغ الهجمات عليهم واستهدافهم من قبل مسؤولين رسميين بالاتهامات تلو الأخرى.

     وأشار الأشعل إلى أن الاتهامات المتتالية بوجود نزعات متطرفة في صفوف المسلمين ليس لها ما يؤيدها؛ فالبلاد لم تكن أبدًا من المراكز المعروفة لتنظيم القاعدة، ولم تتبن المؤسسات الإسلامية -هناك- أي أطروحات متطرفة بشكل يجعلنا نرجح وجو رغبات لدى الأغلبية السينهالية للهيمنة على المشهد منفردين، وتمهيد الساحة لهجمات ضد الوجود الإسلامي، وإضعافه وقطع الطريق على طموحات مشروعة له.

طقوس بوذية

     ولا تتوقف المتاعب التي تواجه الأقلية المسلمة عند مهاجمة مساجدهم بل وتهجيرهم من مناطق ذات أغلبية بوذية، بل إن المسلمين يعانون مشكلات داخل المؤسسات التعليمية، ولا تتوفر لهم حقوق في شغل وظائف راقية، بل إن مؤسساتهم التعليمية والصحية لا تحظى بأي اهتمام من الحكومة، وطلابهم وطالباتهم يحرمون من أداء صلاة الجمعة، وتفرض عليهم إدارات المدارس والجامعات ذلك، وأحياناً يضطرون لمشاهدة طقوس بوذية مقامة في حرم المدارس، وذلك لقلة إمكانات وكفاءة المدارس الإسلامية، أو أن أولياء أمور هؤلاء الطلبة أيضاً درسوا في هذه المدارس، ويرون أن مدارس المسلمين غير مؤهلة، لأنها مهملة من الحكومة، ويعتقدون أن فرصهم للحصول على وظيفة في الحكومة أكثر من غيرهم هذا ما يشكل خطرًا كبيرًا على هويتهم الدينية في ظل محاولات تذويبهم في الثقافة البوذية.

     وكشفت التقارير الإعلامية، عن قيام الرهبان البوذيين المتشدّدين، -أخيراً- بمظاهرات احتجاجية حاشدة، تطالب بإزالة عدد من المساجد، ومنها مسجد حي (ماوات وأويا)، من منطقة (أنور أذابورا)، وكذلك تعديهم بالحرق على بعض دور تحفيظ القرآن؛ بحجة أن إنشاء بعضها غير قانوني، وقيامهم بحرق مسجدين، بدواعي أن المسجد يقوم بذبح الحيوانات!.  وعدّت جهات دولية أن تلك الممارسات إرهاصات لبداية أحداث عنف جديدة ضد المسلمين.

حرب أهلية

     يأتي هذا في الوقت الذي رأى فيه الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية سمير حسين أن المتتبع لما يدور في المجتمع يلاحظ انتشار حملات عنصرية إلكترونية، ترافقها هتافات وشعارات عدائية، من الأغلبية البوذية ضد الأقلية المسلمة من مدينة (بادولا) بمحافظة (أووا) التي تعد معقلاً للرهبان البوذيين، ويتواجد فيها المسلمون بشكل لافت.

     ولفت إلى أن هذه الهجمات من جانب القوميين البوذيين أضعفت بشدة أمل الوحدة والانسجام الداخلي الشعبي، بل إنها قد تهدد باندلاع حروب تمرد أخرى في ظل رغبة كامنة لدى المتمردين التاميل في رفع راية التحدي أمام الحكومة، وفيما لن تكتفي الأقلية بالصمت حيال المساعي لتحويلهم لمواطنين منبوذين لافتا إلى أن ضاحية (دهيولا) في كولومبو, التي شهدت مقرًا للاحتجاجات الشرسة والاحتقان الطائفي والتوترات يعزز رؤية بأن السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية في البلاد أصبحت على المحك.

     وشدد حسين على أهمية الدور الذي ينبغي على منظمة المؤتمر الإسلامي والدول العربية خصوصًا دول الخليج لوأد محاولات المتطرفين البوذيين لتكرار السيناريو البورمي بعدّ أن التساهل مع هذه الحكومة التي تربطها صلات اقتصادية وتحصل على معونات وتسهيلات لعمالتها في دول الخليج، لن تستطيع مقاومة ضغوط منظمة المؤتمر الإسلامي بدلا من أن نفاجئ بين ساعة وأخرى بتكرار نفس السيناريو وبشكل أكثر دموية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك