رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - الفرقان: أحمد عبد الرحمن 3 يناير، 2011 0 تعليق

مليون طن حجم واردات الغذاء العربية سنوياً- أزمــة غـذاء تعصف بالعالم العربي

 

 

 بين الحين والآخر ومن أزمة غذائية لأخرى تنفجر بعد تسجيل أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية ارتفاعات قياسية كما حدث خلال نهاية الصيف الماضي حيث ارتفعت أسعار القمح بنسبة تتراوح بين 60 و80% وما تلا ذلك من ارتفاع أسعار السكر في الأسواق العالمية بنسبة تجاوزت 100%، تعود قضية الأمن الغذائي العربي لتلوح في الأفق من جديد ومعها مجموعة من التصريحات الرسمية من قبل مسؤولين عن ضرورة عدم السماح بتكرار هذه الأزمة مجددًا.

     البدائل حاضرة لتلافي تداعياتها مستقبلاً بل قد يصل الأمر ببعضهم للحديث عن تبني بعض الدول لمشاريع لزراعة ملايين الأفدنة في بلدان أفريقية حيث تتوافر التربة والمياه لسد هذه الاحتياجات.

     ولكن الأوضاع تعود للهدوء مجددًا إذ شهدت الأسواق العالمية لسبب أو لآخر تراجعًا في أسعار هذه السلع، بل يتجاهل بعضهم التداعيات المدمرة لهذه الارتفاعات على ميزان المدفوعات في العالم العربي وعلى فاتورة الغذاء العربية التي ارتفعت قيمتها من 20مليار دولار عام 2007 إلى ما يقرب من40:35 مليار دولار بحسب تقرير صدر حديثًا عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية، بل سجل حجم الاستهلاك ارتفاعًا كبير في حجم الواردات الغذائية العربية التي تجاوزت 72 مليون طن منها 6 ملايين طن سكر سنويًا بحسب تأكيدات للدكتور أحمد الجويلي الأمين العام السابق لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية.

     ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تأخذ الحوارات طابعًا معاكسًا إذ يبدأ الحديث عن صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع والحبوب في ظل تراجع مساحات الأرض الصالحة للزراعة ومعها كميات المياه في ظل تصنيف أغلب الدول العربية على أنها دول مصب تتلقى كميات مياهها من دول المنبع سواء في إثيوبيا بالنسبة لمصر والسودان أو تركيا فيما يتعلق بسوريا والعراق، وتسود نغمة أن الاعتماد على الاستيراد هو الخيار المفضل متجاهلين أضرار ترك الأمن الغذائي العربي أسيرًا لمؤامرات القوى الكبرى.

إخفاق سياسات

     غير أن الدلالة الأهم التي تعكسها الأزمة الأخيرة تأكيدها على الإخفاق العربي الشديد في مواجهة هذه الأزمة وفشل الرهان على دور ثانوي للقطاع الزراعي في الهياكل الاقتصادية للدول العربية منذ أن ركزت المخططات التنموية خلال العقود الماضية على الصناعة بوصفها قاطرة للتنمية وتجاهلت تجاهلاً كبيراً الدور التقليدي للزراعة بشكل أدى لتصاعد حدة الأزمة الغذائية وأفضى إلى اعتماد أغلب الدول العربية ومن بينها مصر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج على الخارج في الوفاء باحتياجاتها الغذائية، ولاسيما في سلع استراتيجية مثل القمح والأرز والذرة بنسبة تتراوح ما بين 30 و40% من احتياجاتها من هذه السلع.

      كما يستورد الوطن العربي ثلثي احتياجاته من السكر وأكثر من نصف احتياجاته من الزيوت والشحوم وحوالي ثلث متطلباته من اللبن والبقوليات الذاتي.

زراعة مروية

     ويعود العجز الكبير في السلع والمنتجات الغذائية إلى جملة من الأسباب على رأسها أن الإمكانيات والموارد المتاحة عربيًا لم يتم التعامل معها بطريقة رشيدة في أغلب البلدان؛ فهناك مساحات خصبة من الأراضي الزراعية تزيد على 220 مليون فدان يعمل فيها ما يقرب من 35 مليون مواطن، فضلاً عن أن هذه المساحات تتراجع سنويا بسبب البناء على الأراضي الزراعية وتعرض مساحات شاسعة لعوامل كيميائية وقلوية وتحجر مساحات واسعة منها في وقت يتزايد فيها الطلب على السلع الغذائية، وتتزايد معدلات الاستهلاك نتيجة الهجرات الواسعة من الريف للحضر وارتفاع مستويات المعيشة لعدد كبير من القطاعات البشرية؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على السلع الغذائية، فضلا عن تراجع حصص دول المنطقة من موارد المياه واستخدام هذه الموارد بشكل سيئ مما خلق ميلاً للاعتماد على الزراعات المروية وعدم ايلاء  أهمية كبيرة للزراعة المطرية بفضل التغييرات المناخية وزيادة معدلات الجفاف.

     وقد عمقت هذه الأسباب من الأزمة الغذائية في الوطن العربي فلم تفلح السياسات الزراعية في إشباع حاجيات مواطنيه من إنتاج أراضيها في ظل انخفاض مساحات الأراضي الصالحة للزراعة؛ حيث لم تتجاوز المساحات المزروعة أكثر من 38% وفي وقت تراجع إنتاج هذه الأراضي بنسبة تتجاوز 15% وهو ما أكدته دراسة صادرة عن مركز زايد للتنسيق العالمي فقد أشارت إلى معاناة الدول العربية من فجوة غذائية خطيرة زادها اعتماد هذه الدول بشكل رئيسي على الاستيراد مما أدى إلى زيادة العجز في موازين المدفوعات بشكل كبير.

     ولفتت الدراسة إلى أن ما يؤثر بالسلب على مشكلة الأمن الغذائي في العالم العربي يتمثل في أزمة العجز المائي حيث يتوقع أن تصبح 13 دولة عربية عام 2025 تحت خط الفقر المائي مما سيزيد من الفجوة الغذائية عام 2050 لتصل إلى 50 % وهي نسبة ضخمة يمكن أن تشكل تحدياً حقيقياً للحكومات العربية في ظل النمو المطرد للسكان في ظل عجزها الحالي عن الوفاء بمتطلبات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) للدول الأكثر استيرادًا للحبوب بضرورة إحداث زيادة في مساحات الرقعة الزراعية إلى 120 مليون فدان لكي تكون قادرة على الوفاء بنسبة كبيرة من احتياجاتها الغذائية.

محلك سر

     ويزيد من حدة الأزمة أن الدول العربية أو بالأحرى أغلبها لا تمتلك استراتيجية واضحة لمعالجة هذه الأزمة حيث يقتصر الأمر طوال السنوات على مجرد إعلانات سياسية موسمية تتمثل في مساع لزراعة ملايين الأفدنة في دول مثل السودان وأوغندا وموزمبيق من قبل عدد كبير من هذه الدول، غير أنه وبعد مرور سنوات على هذه الإعلانات لم يطرأ أي تغيير؛ حيث سبقها بكثير عدد من شركات الإنتاج الزراعي متعددة الجنسيات والتي نجحت في الحصول علي ملايين الأفدنة لزراعتها مستفيدة من التكاليف المنخفضة والأيدي العاملة الرخيصة وقبلها عدم وجود «فيتو» سياسي على أنشطتها بعكس ما يحدث مع عدد من الدول العربية، حيث أعلنت أوغندا تحفظها على منح مصر أراضي لزراعتها وهو ما اعتبر ردًا على الخلافات القائمة بين البلدين فيما يتعلق بالاتفاق الإطاري حول استخدام مياه النيل.

     ولم تتوقف الدول العربية عند المراهنة على تأجير الأراضي فقط، بل إن بعض هذه الدول وفي مقدمتها مصر والجزائر واليمن والمغرب قد لجأت لدخول شراكة مع شركات متعددة الجنسيات تعمل في مجال الهندسة الوراثية ولاسيما في مجالي القمح والذرة والأرز رغم التكلفة العالية لهذا النوع من الزراعات نتيجة حصول هذه الشركات على براءة اختراع لهذا المحصول مما يجعلها الجهة الوحيدة التي تحتكر توريد البذور للمنطقة بل يجعل حل مسألة الأمن الغذائي عرضة للمساومات والابتزاز، يضاف إلى ذلك أن موقف الدول العربية التفاوضي مع الدول المصدرة يبدو ضعيفًا حيث تتعامل بشكل منفرد مع القوى المسيطرة على الأسواق العالمية وهو موقف يمكن تحسينه في حالة خوضها مفاوضات جماعية مع هذه الدول وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

اضطرابات اجتماعية

      فيما يهدد تفاقم الارتفاعات العالية في أسعار السلع الغذائية في العالم العربي برفع فاتورة الأمن الغذائي بشكل يؤثر بالسلب على ميزان مدفوعات هذه الدولة، بل قد يخفض هذا الارتفاع من قدرة هذه الدول على تقديم الخدمات في مجالات متعددة مما يهدد بخلق اضطرابات اجتماعية في عدد من البلدان باعتبار أن هذه الأزمة ستجبر عدد من الدول العربية على رفع أسعار عددا من السلع الأساسية وتقليل الدعم المقدم للفئات محدودة الدخل في ظل الثورة الديمجرافية في العالم العربي وزيادة عدد السكان بشكل مطرد سنويا.

     ولا تبدو في الأفق حاليًا أية احتمالات بتراجع حدة هذه الأزمة ولاسيما أن التغييرات المناخية وزيادة الجفاف في العالم كما حدث في روسيا خلال الصيف الماضي وحول معه ثالث أكبر منتج للقمح إلي مستورد له يهدد بتفاقم الأزمة الغذائية عالميا، خصوصا أن الأمر تزامن مع أزمة مشابهة ضربت البرازيل والهند وهما من أكبر مصدري السكر؛ مما رفع سعر هذه السلعة الاستراتيجية وخلف أزمة شديدة في سوق المستهلكين نتيجة تصاعد الطلب وقلة العرض.

حلول إبداعية

     ولكن من غير المنطقي أن نحمّل التغييرات المناخية فقط وقبلها إقبال عدد من الدول على استخدام الحبوب والسكر إلى وقود حيوي أو الطفرة السكانية داخل العالم العربي مسؤولية الأزمة الغذائية وإخفاق دولنا في تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل الأساسية، بل إن الأمر وكما يؤكد د. زيدان هندي أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة عين شمس لا يرجع كذلك لنقص أو شح الموارد المتاحة، عجزًا في الإمكانيات المالية, وإنما يتمثل في فشل السياسات الزراعية وسوء في استغلال ما هو متاح وفقدان الإرادة لتحقيق الاكتفاء الغذائي وتقليل الاعتماد على الخارج.

     ورغم ما يعانيه الوطن العربي من مشكلة فيما يتعلق باحتياجاته الغذائية بحسب د.هندي فإنه يملك من المقومات والإمكانيات ما يجعله قادرًا على سد احتياجاته الغذائية فقط, بل لتحقيق فائض للتصدير للخارج في حالة الاستفادة من الإمكانيات الحالية ولاسيما إذا علمنا أن مساحة الأرض المنزرعة من الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 35% وهذا ما يعني أن ثلثي الأراضي غير مستغلة.

     ولفت إلى أن حل الأزمة الغذائية يتطلب حلولا غير تقليدية لهذه الأزمة عبر رصد ميزانيات هائلة للأبحاث العالمية لاستنباط فسائل وبذور تتواكب مع النقص الحاد في المياه في أغلب بلدان العالم العربي، محذرًا بشدة من تراجع الاهتمام الرسمي بالبحث العلمي في مجال الزراعة في وقت يزيد الضغط على ميزان المدفوعات نتيجة ضخ أموال طائلة للوفاء باحتياجات البلدان العربية من السلع الغذائية وهو أمر يتوقع أن يحقق زيادة تقدربـ5 مليارات دولار في الفاتورة الغذائية خلال الأعوام القادمة نتيجة الارتفاع الحاد في أسعار هذه المحاصيل في ظل ارتفاع الطلب العالمي وتراجع المعروض من هذه السلع بسبب مجموعة من التطورات.

ضغوط سياسية

      وفي نفس الإطار يري د. توفيق سليم أستاذ استصلاح الأراضي بكلية الزراعة في جامعة الأزهر أن المساعي لتخفيف حدة الأزمة الغذائية في العالم العربي تبدو قاصرة حتى الآن، فالاعتماد على إبرام شراكة مع الشركات متعددة الجنسيات، لاسيما المتخصصة منها في الأغذية المعدلة وراثيًا فضلاً عن الاعتماد على تأجير أراض في الخارج لسد هذه الفجوة، يبقى مخاطرة غير محسوبة العواقب لاسيما أنها تتوقف على حسابات سياسية وعدم وجود ضمانات حقيقية لاستخدام منتجات هذه الأراضي لحل الأزمة.

وتابع:  هناك عدد من الشركات سبق الدولة العربية في تأجير هذه الأراضي وهو ما يشكل ضغطًا على بلداننا العربية؛ مما يجعل مراهنتها على استخدام مواردها الداخلية وتوفير الدعم للقطاع الزراعي والمزارعين ورفع الأسعار المحلية للسلع والحبوب الأساسية هو الخيار الوحيد المتاح أمامها.

وأشار إلى ضرورة وجود إستراتيجية تكامل عربية لحل أزمة توفير الاحتياجات الغذائية تتمثل في ضرورة استخدام الأموال العربية في الخليج والقوى العاملة في مصر والأراضي الخصبة في السودان باعتبار أن الأخير يتمتع بظروف جيدة للاستثمار في القطاع الزراعي بشكل أفضل كثيرًا من أوغندا الواقعة تحت ضغط القوى الراغبة في استخدام الأزمة الغذائية لتستمر بفضلها في ابتزاز البلدان العربية وإخضاع قراراتها السياسية لإرادة القوى الكبرى.


لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك