ملايين السودانيين يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي – السودان تشهد أكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر
- السودان يواجه حاليًا أسوأ فترة في تاريخه من حيث انعدام الأمن الغذائي الحاد ويعاني فيه أكثر من 25.6 مليون نسمة من الجوع الحاد
- فاقت أرقام النزوح واللجوء كل التصورات وتجاوز عدد المحتاجين إلى المساعدات 30 مليون مواطن والنازحين 12 مليونًا
- أكثر من 8.5 ملايين شخص في السودان في المرحلة الرابعة والمعروفة بحالة الطوارئ بينما وصلت حالة أكثر من 755 ألف شخص في السودان إلى المستوى الخامس
- النظام الصحي القومي في أغلب الولايات متوقف عن العمل توقفا أساسيا مع وجود تحديات خطيرة في توفير الإمدادات الطبية والوقود للمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية
- مما زاد من تفاقم الأزمة مهاجمة مخازن صندوق الغذاء العالمي ونهبها مما أدى إلى فقدان ما يصل إلى 4000 طن من المواد الغذائية ونهب ما لا يقل عن 162 شاحنة مساعدات وقدرت الخسائر المسجلة لبرنامج الأغذية العالمي وحده بأكثر من 60 مليون دولار أميركي
- أدت الهجمات الحربية إلى تعطيل النشاط الزراعي وإعطاب زراعة أكثر من مليونين وأربعمئة ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة التي كان يمكن أن تساهم في معالجة الأزمة الغذائية في البلاد إسهاما كبيرا
- يوجد أكثر من 11 ألف حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا وأكثر من 4660 حالة إصابة بالحصبة وأكثر من 8300 حالة يشتبه في إصابتها بحمى الضنك وما يقرب من 1.3 مليون حالة إصابة بالملاريا
تتوالى تحذيرات المنظمات والوكالات الإنسانية الدولية من انزلاق السودان إلى أتون أزمة غذاء حادة، توصف بأنها أكبر كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر؛ إذ تقول وكالات الأمم المتحدة: إن ملايين السودانيين يواجهون مستويات متدنية من انعدام الأمن الغذائي؛ حيث أدى الصراع العنيف إلى وضع 5 ملايين شخص على بُعد خطوة واحدة من المجاعة، وجعل 18 مليونا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
حال السودان الذي كان يطلق عليه وصف -سلة غذاء العالم- يواجه حاليًا أسوأ فترة في تاريخه؛ من حيث انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويعاني فيه أكثر من 25.6 مليون نسمة من الجوع الحاد، وبحسب نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الذي طُور عام 2004 من قبل وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، فإن أكثر من 8.5 ملايين شخص في السودان هم في المرحلة الرابعة والمعروفة بحالة الطوارئ، وهي المرحلة قبل الأخيرة في ترتيب درجات حدة المجاعة بحسب التصنيف المذكور، بينما وصلت حالة أكثر من 755 ألف شخص في السودان إلى المستوى الخامس، وهي حالة المجاعة الكارثية، أي أقصى معدلات تصنيف المجاعة.الدمار وانعدام الأمن
عام ونصف العام مرت على اندلاع الحرب، خلفت الدمار وانعدام الأمن؛ مما أدى إلى نزوح ملايين السودانيين من منازلهم بالعاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وسنار ومدن عدة إلى ولايات آمنة ودول الجوار القريبة محطمين أرقامًا قياسية للنزوح الداخلي واللجوء على مستوى العالـم، أما القلة التي لم تغادر منازلها في العاصمة الخرطوم وبقية المدن المتأثرة بالحرب، فإن مشاهد الخراب من حولهم والأحياء الخاوية وصعوبة الحياة وأصوات المدافع ومظاهر العسكرة المستمرة، لا تقل فظاعة عن مشاهد عدم الاستقرار والفاقة التي يعانيها النازحون إلى مدن أخرى، وغيرهم خلال رحلة النزوح.تزايد أعداد النازحين واللاجئين
وقد فاقت أرقام النزوح واللجوء كل التصورات، مع توقعات بأن يتجاوز عدد المحتاجين إلى المساعدات 30 مليون مواطن، والنازحين 12 مليونًا، نتيجة الوضع المأساوي الذي يعيشه السودانيون العالقون منهم في مناطق القتال والنازحون داخليا أو حتى أولئك اللاجئين الذين تمكنوا من الفرار إلى دول الجوار، بينما تجاوزت أعداد اللاجئين السودانيين في دول الجوار وحول العالم مليونين ونصف المليون لاجئ، والغالبية من هؤلاء الذين شردوا (55 في المئة) هم من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، بحسب إحصائيات المنظمة الدولية للهجرة (IOM)، وبحسب مصادر هذه الإحصائيات نفسها، أدت الهجمات في الأسابيع الأخيرة على مناطق في ولاية سنار وحدها إلى تشريد أكثر من 151.750 نسمة (نحو 30.350 أسرة) فقط في الفترة بين 27 يونيو وحتى 11 يوليو 2024.ارتفاع الاحتياجات الإنسانية
كما لا يزال الحصول على الغذاء يمثل الحاجة ذات الأولوية للنازحين في جميع أنحاء البلاد؛ إذ ارتفعت أسعار الحبوب في الأسواق الرئيسية في أجزاء السودان المتضررة مباشرة من النزاع إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف مقارنة بأسعار العام الماضي، تليها خدمات الرعاية الصحية والمياه والمرافق الصحية التي لا تزال مزرية، ولا سيما في أنحاء إقليمي دارفور وكردفان وتفتقر العديد من مجتمعات النازحين إلى إمكانية الوصول إلى الأدوية الأساسية اللازمة للأمراض المزمنة ولا يمكنهم الوصول إلى مرافـق الرعاية الصحية العاملة.تدهور النظام الصحي وتفشي الأمراض
أما النظام الصحي القومي في بعض الولايات بالكاد يعمل وهو متوقف عن العمل بشكل أساسي مع وجود تحديات خطيرة في توفير الإمدادات الطبية والوقود للمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، وينهار برنامج تحصين الأطفال، وتنتشر الأمراض المعدية؛ حيث أوردت التقارير وجود أكثر من 11 ألف حالة يشتبه في إصابتها بالكوليرا وأكثر من 4,660 حالة إصابة بالحصبة وأكثر من 8,300 حالة يشتبه في إصابتها بحمى الضنك، وما يقرب من 1.3 مليون حالة إصابة بالملاريا في جميع أنحاء البلاد.مستويات حادة من الجوع
وكان برنامج الغذاء العالمي قد أعلن مؤخرا أن هناك أكثر من مليون نسمة على الأقل يواجهون مستويات حادة من الجوع في العاصمة الخرطوم وحدها، فيما أورد تقرير معهد (كلينجندايل) الهولندي أن عدد الوفيات الناتجة عن الجوع بلغ مليونين وخمسمئة ألف وفاة، مع توقع أن يموت 15 في المئة من سكان ولايات دارفور وكردفان، التي من المرجح أن تكون الأكثر تضررًا، من الجوع والمرض بحلول سبتمبر 2024.أكبر كارثة إنسانية
والوضع في السودان جعل البلاد تشهد أكبر كارثة إنسانية؛ من حيث إحصائيات التشريد والنزوح وانعدام الأمن الغذائي ومعاناة الأطفال في العالم وفي التاريخ المعاصر، هذه الكارثة والمعاناة ذات الأبعاد الأسطورية، ليست نتيجة ظروف طبيعية أو جفاف أو جدب أراضٍ، بل هي من صنع بشر ونتيجة لإجرامهم مباشرة في حق الأبرياء، وكما وصفتها (روز ماري ديكارلو) وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية بأنها برمتها من صنع الإنسان.النهب المباشر للمعونات الغذائية
وقد زاد من تفاقم الأزمة منذ الأيام الأولى للحرب مهاجمة مخازن ومستودعات صندوق الغذاء العالمي ونهبها؛ حيث تم نهب مستودعات الصندوق في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور؛ مما أدى إلى فقدان ما يصل إلى 4000 طن متري من المواد الغذائية، وفي غضون شهرين، بين اندلاع الحرب في أبريل 2023 ويونيو 2023، تم نهب ما لا يقل عن 162 شاحنة مساعدات و61 مكتبا و57 مستودعا في دارفور وحدها، وفي يونيو 2023، تم نهب برنامج الغذاء العالمي في الأبيض، عاصمة شمال كردفان، الذي يحتوي على المساعدات الغذائية المخصصة لـ4.4 مليون مدني في ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان فضلا عن ولايات دارفور المتاخمة، وقدرت الخسائر المسجلة لبرنامج الأغذية العالمي وحده بأكثر من 60 مليون دولار أميركي بحلول تاريخ ذلك الهجوم. وفي بيان بتاريخ 28 ديسمبر 2023 أعلن صندوق الغذاء العالمي عن أنَّ مستودعاته في ولاية الجزيرة قد نهب منها أكثر من 2500 طن متري من المساعدات الغذائية، شملت مخزونا من البقول والذرة الرفيعة والزيوت النباتية والمكملات الغذائية، كانت كافية لتغطية الاحتياجات الغذائية لـ1.5 مليون سوداني لمدة شهر إلى جانب الأطعمة المغذية المتخصصة المصممة لمنع وعلاج سوء التغذية لدى أكثر من 20 ألف طفل وامرأة حامل ومرضعة.تعطيل النشاط الزراعي
وعلى مستوى أكثر حدة، أدت الهجمات والأعمال الحربية إلى تعطيل النشاط الزراعي في البلاد بشكل كبير؛ حيث أدت الحرب إلى إعطاب زراعة أكثر من مليونين وأربعمئة ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة التي كان يمكن أن تساهم في معالجة الأزمة الغذائية في البلاد بشكل كبير، فيما راح مشروع الجزيرة الزراعي، وهو أكبر مشروع للري الانسيابي في العالم، ضحية لهذه الحرب، وأيضا أشارت دراسة مشتركة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث سياسات الغذاء إلى أن نحو 60 في المئة من الأنشطة الزراعية في ولايات سنار وغرب كردفان توقفت، في حين بلغ حجم خسائر الأراضي الزراعية في ولاية الخرطوم ما نسبته 68 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، ونتيجة لهذا فإن 59 في المئة من الأسر الريفية تواجه حاليا في السودان مستويات انعدام الأمن الغذائي بدرجة متوسطة أو شديدة.أوضاع كارثية
إن ما يحدث في السودان، ليس مجرد أزمة غذاء، بل معاناة كارثية تتصاعد بمتوالية هندسية بشكل مخيف، وهو ليس مصادفة أو مجرد أحداث مؤسفة أو نتيجة كارثة طبيعية، بل هي جريمة بفعل فاعل، وما يحدث في السودان، ليس محض جوع أو مجاعة، بل هو جريمة تجويع متعمد.
لاتوجد تعليقات