مكان الأقصى ومكانته – المسجد الأقصى وأرض المسرى

 

لم تعد مشاهد الدمار التي يتعرض لها أهل غزة مجرد خبر أو تقارير تتداول، بل إن هذه المشاهد أصبحت دليل إدانة ووصمة عار في جبين دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان، فهذه المعاناة التي يعيشها سكان القطاع تتفاقم يومًا بعد يوم مع استمرار جيش الاحتلال، في عدوانه المتواصل الذي لم يستثن المشافي ولا المدارس، التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين، كما لم يستثن المساجد، فضلا عن منازل المدنيين،  وكما قال منسق الشؤون الإنسانية الأممي، (مارتن غريفث): إن شعب غزة عاش عقودًا من المعاناة، ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يستمر في خذلانهم.

 

ندوة أقامتها جمعية إحياء التراث

النجدي: فضائل المسجد الأقصى

قدومي: الأقصى..الحقيقة والتاريخ

 

• الناشي: بعد مرور أكثر مِن أسبوعين على الأحداث نجد استمرارية لانتهاكات حقوق الإنسان على الأصعدة كافة ولا سيما استهداف المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة التي في الحقيقة كشفت للجميع حجم التجاوزات والانتهاكات في حق إخواننا المستضعفين هناك
• النجدي: يعقوب عليه السلام اسمه: إسرائيل وهذا اسمه في التوراة وينبغي للإنسان أن يصون هذا الاسم ولا يجوز أن نطلقه على هذه الدولة المُحْتَلَّة التي اجتمع فيها شتات من جميع أنحاء العاَلَم
• الأقصى مهوى قلوب الأنبياء، وتعظيمهم له كثيرٌ في النصوص من الكتاب والسُّنَّة
• قدومي: نحن في صراع كبير في المصطلحات وفي المسميات وفي الحقائق وفي الثوابت ولهذا فإن البناء المعرفي المبني على أصل الكتاب والسنة ضروري جدا لتوعية الأجيال القادمة بحقيقة الصراع
• المسجد الأقصى له مكانة عظيمة في دِين الله عز وجل وعند المسلمين وقد خَصَّه اللهُ سبحانه وتعالى بخصائص وفضائل لا توجد في غيره من المساجد
• من فضائل المسجد الأقصى أنه قِبْلَة المسلمين الأولى فالنبي صلى الله عليه وسلم  لما بُعِث كان يستقبل بيت المقدس وهو في مكة فيجعل الكعبةَ بينه وبين بيت المقدس ولما هاجر إلى المدينة صلى الله عليه وسلم  مَكَث ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا يصلي إلى بيت المقدس
• بعض الحركات اليهودية تقول: إن الحركة الصهيونية قد ظلمتنا كثيرًا لأنها جمعتنا في أرضٍ والله قد كَتَب علينا الشتات
• أقام قطاع العلاقات العامة والإعلام بجمعية إحياء التراث الإسلامي يوم الأحد: 22/10/2023م، ندوة بعنوان: (المسجد الأقصى وأرض المسرى)، استضاف فيها الشيخ محمد الحمود النجدي، الذي كانت محاضرته بعنوان: (مكان المسجد الأقصى ومكانته)، ود. عيسى القدومي، الذي كانت محاضرته بعنوان: (المسجد الأقصى الحقيقة والتاريخ).
• في بداية الندوة بين رئيس قطاع العلاقات العامة والإعلام: سالم أحمد الناشي، أن هذه الندوة تأتي ضمن أنشطة جمعية إحياء التراث الإسلامي وقطاع العلاقات العامة والإعلام، دعمًا للأحداث الأخيرة التي تقع في دولة فلسطين، وتحديدا في غزة. فبعد مرور أكثر مِن أسبوعين على تلك الأحداث، التي بدأت في 7 من شهر أكتوبر، ونجد استمرارية لانتهاكات حقوق الانسان على الأصعدة كافة، ولا سيما استهداف المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، التي -في الحقيقة- كشفت للجميع حجم التجاوزات والانتهاكات في حق إخواننا المستضعفين هناك.
• وأضاف الناشي: لا شك أن هذا الذي يقع لإخواننا في فلسطين شيء مؤسف للغاية، ومشاركة منا في ظلِّ هذه الظروف التي تستوجب الاهتمام بهذا الحدث، وقطاع العلاقات العامة والإعلام -بحمد الله- قد أصدر عددين من مجلة الفرقان عن أحداث غزة، وقد حاولنا قَدْر المستطاع أن نغطي -بحسب إمكاناتنا وظروفنا- مثل هذه المناسبة الأليمة.

 

مكان المسجد الأقصى ومكانته

• في كلمته التي ألقاها رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي الشيخ: محمد الحمود النجدي -حفظه الله-، أكد أنَّ المسجد الأقصى -حَرَّره اللهُ- له مكانة عظيمة في دِين الله -عز وجل- وعند المسلمين، وقد خَصَّه اللهُ -سبحانه وتعالى- بخصائص وفضائل لا توجد في غيره من المساجد، فمِن ذلك: ما ذكره القرآن العظيم من كونه مَسْرَى الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد استفتح الله -سبحانه وتعالى- سورة الإسراء بقوله -تبارك وتعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1)؛ فهذا المسجد هو مسرى الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُسْري به مِن أول مسجد أُسِّس في الأرض، وهو المسجد الحرام، إلى ثاني مسجد بُنِي في الأرض وهو المسجد الأقصى.

صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء

• ولما وَصَله النبي - صلى الله عليه وسلم - صَلَّى فيه ركعتين إمامًا بالأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- الذين جُمِعوا له في تلك الليلة (ليلة الإسراء)، وكيفية جميع الأنبياء للنبي - صلى الله عليه وسلم - غير معلومة لنا؛ فلم يُذكر في الحديث كيف جمع الله -عز وجل- الأنبياء: هل جمعهم له - صلى الله عليه وسلم - بأرواحهم فقط، أم بأرواحهم وأجسادهم؟ هذا علمه عند الله -عز وجل.

تسمية المسجد الأقصى

• وأيضا جاء في كتاب الله -عز وجل- تسمية المسجد الأقصى بالأرض المقدسة، كما في قوله -سبحانه و-تعالى- على لسان موسى -عليه السلام-: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا ‌الْأَرْضَ ‌الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة: 21)، والأرض المقدسة هي الأرض المُطَهَّرة. قَدَّس الشيء: يعني طهارة. وأيضًا: قدَّسه يعني: عظَّمه ورَفَع شأنه، فالتقديس هو التطهير.

مهاجر للأنبياء السابقين

• ومن فضائل هذا المكان المبارك: أنه مهاجر للأنبياء السابقين، كما ذكر الله -عز وجل- عن نبيِّه إبراهيم ولوط -عليهما الصلاة والسلام-: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا ‌إِلَى ‌الْأَرْضِ ‌الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 71)، فهذه هذه الأرض مهاجر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ووصفها الله -عز وجل- بالبركة؛ لكثرة الخير الذي فيها، وقال -عز وجل-: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً ‌تَجْرِي ‌بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} (الأنبياء: 81)، وفي قوله -عز وجل عن قوم سبأ-: {‌وَجَعَلْنَا ‌بَيْنَهُمْ ‌وَبَيْنَ ‌الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً} (سبأ: 18)، فهذه الأرض وهذا المكان، مكان بارك الله -تعالى- فيه؛ لكثرة مَن بُعِث في ذلك المكان من النبيين.

قِبْلَة المسلمين الأولى

• وأيضًا من فضائله: أنه قِبْلَة المسلمين الأولى، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما بُعِث، كان -وهو في مكة- يستقبل بيت المقدس، فيجعل الكعبةَ بينه وبين بيت المقدس، ولما هاجر إلى المدينة - صلى الله عليه وسلم - مَكَث ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا يصلي إلى بيت المقدس، وكان يود لو أنه صَلَّى إلى قبلة إبراهيم - عليه السلام -، فنزل في ذلك قوله -عز وجل-: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ ‌شَطْرَ ‌الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة: 144)، فَصُرِف بعد ذلك إلى الكعبة - صلى الله عليه وسلم .

ثاني مسجد أُسِّس في الأرض

• ومن فضائله: أنه ثاني مسجد أُسِّس في الأرض، كما جاء في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «‌الْمَسْجِدُ ‌الْحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «‌أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ» (متفق عليه)، فالمسجد الحرام بناه إبراهيم الخليل - عليه السلام -، والمسجد الأقصى بناه حفيده وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم -عليهم الصلاة والسلام-، ويعقوب -عليه السلام- اسمه: إسرائيل؛ هذا اسمه في التوراة، وينبغي للإنسان أن يصون هذا الاسم، ولا يجوز له أن يسبه، فبعض الناس يطلق أولًا هذا الاسم على هذه الدولة المُحْتَلَّة، الدولة التي اجتمع فيها شتات من جميع أنحاء العاَلَم، وسموا أنفسهم بهذا الاسم الشريف! فلا يجوز أن تُسمَّى هذه الدولة بهذا الاسم الشريف، وإنما تُسَمَّى باسمهم.

ثالث المساجد التي تُشدُّ إليها الرحال

• ومن فضائل المسجد الأقصى: أنه ثالث المساجد التي تُشدُّ إليها الرحال، فلا يجوز للمسلم أن يشدَّ الرحال والسفر إلا إلى ثلاثة مساجد في الأرض؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «‌لَا ‌تُشَدُّ ‌الرِّحَالُ ‌إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (متفق عليه).

مهوى قلوب الأنبياء

• فهذا المكان مهوى قلوب الأنبياء، وتعظيمهم له كثيرٌ في النصوص من الكتاب والسُّنَّة؛ فقد وَرَد أن موسى - عليه السلام - لما حضرته الوفاة وجاءه ملك الموت، سأل اللهَ أن يدنيه من الأرض المقدَّسة رمية بحجر، أي: لما حضرته الوفاة أحبَّ أن يموتَ بهذه الأرض المباركة المقدسة، وهذا المعنى موجود أيضًا في مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال -كما في الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنها-: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ ‌أَنْ ‌يَمُوتَ ‌بِالْمَدِينَةِ، فَلْيَفْعَلْ، فَإِنِّي أَشْهَدُ لِمَنْ مَاتَ بِهَا» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، فالأنبياء كانوا يرغبون في الموت في هذا المكان المبارك المقدَّس.

الصلاة فيه تكفِّر الخطايا

• ووَرَدَ أيضًا في الحديث: أن قصد الصلاة فيه تكفِّر الخطايا والذنوب، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لَمَّا ‌فَرَغَ ‌سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ ‌الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ» (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني)، ومعنى «أَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ» أي: ظهرتا في حياة سليمان -عليه السلام- وتبيَّن العطاء فيهما. وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة جدًّا، وهي: أن مَن قصد هذا المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، ولا يريد شيئًا آخر، من قصد سوق أو زيارة أحدٍ، وإنما خَرَج مِن بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المكان، وفي هذا المسجد، إلا خرج مِن ذنوبه كيومِ ولدتُه أمُّه. ورجا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكون الله -عز وجل- قد أعطى سليمان -عليه السلام- ذلك.

فضل الصلاة فيه

• ومِن فضائل هذا المسجد أيضًا: أن الصلاة فيه تعدل وتضاعف إلى مئتين وخمسين صلاة، وهو ما جاء في حديث الحاكم وغيره من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: «تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا ‌أَفْضَلُ ‌مِنْ ‌أَرْبَعِ ‌صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى! وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا - أَوْ قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» (رواه الحاكم، وصححه الألباني). فهذا الحديث دليل على أن الصلاة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة في سائر المساجد، ومن صلى في المسجد النبوي كأنما صَلَّى في المسجد الأقصى أربع صلوات، فتكون الصلاة في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاة، تضاعف إلى هذا العدد. وقد ورد في بعض الأحاديث أن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة، لكن هذا الحديث سنده ضعيف، فالصحيح أن الصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة.

دليل من دلائل النبوة

• ثم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - دليلًا من دلائل النبوة، وخَبَرًا من أخبار الغيب، فقال: «وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا - أَوْ قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»، «وشَطَن فَرَسِه» أي: الحبل. والمعنى: أنه سيأتي عليكم زمان لأن يكون للرجل مثل مقدار الحبل ينظر منه إلى المسجد الأقصى، أحبَّ إليه من الدنيا جميعًا؛ يعني أن الناس سيُحرمون حتى من رؤية المسجد الأقصى والنظر إليه؛ فضلًا عن دخوله والصلاة فيه.

الدجال لا يدخل الأرض المباركة

• ومن فضائل المسجد الأقصى والأرض المباركة: أن الدجال لا يدخلها، كما وَرَد في الصحيحين عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه -: أن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قال: ‌‌«لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ ‌الدَّجَّالُ، إِلَّا ‌مَكَّةَ ‌وَالْمَدِينَةَ، وَلَيْسَ نَقْبٌ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ صَافِّينَ تَحْرُسُهَا». وأيضًا وَرَد في الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث جنادة بن أمية الأزدي: أنه ذهب إلى رجلٍ مِن الأنصار يسأله عما سَمِع مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر في الدجال، فقال هذا الصحابي: «‌أَنْذَرْتُكُمُ ‌الدَّجَّالَ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ، وَإِنَّهُ فِيكُمْ أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ وَإِنَّهُ جَعْدٌ آدَمُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ...» إلى أن قال: «وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدَ الطُّورِ، وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَمَا يُشَبَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» (رواه أحمد في مسنده، وقال محققو المسند: «إسناده صحيح»)، فهذه المساجد الأربعة لا يدخلها الدجال، وهذا من فضائل المسجد الأقصى.

هلاكَ يأجوج ومأجوج يكون فيه

• ومن فضائله: أن هلاكَ يأجوج ومأجوج يكون بذلك المكان وقريبًا منه، كما جاء في حديث مسلم: «إن يأجوج ومأجوج يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخَمَر، وهو جبل بيت المقدس، فيقولون: «لَقَدْ ‌قَتَلْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ، هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ! فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا! أي: زيادة في فتنتهم وفي ضلالهم، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ، أي: دودًا فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...» (رواه مسلم).

المسجد الأقًصى ..الحقيقة والتاريخ

• وفي محاضرته أكد د. عيسى القدومي أن الفضائل التي ذكرها شيخنا الفاضل د. محمد الحمود النجدي في الحقيقة هي ثوابت شرعية في مكان المسجد الأقصى ومكانته، ولعل بعضنا يتعجب عندما نتحدَّث عن مكان المسجد الأقصى؛ هل المسجد الأقصى هو مسجد بيت المقدس؟ وهل المسجد الأقصى هو مسجد القدس؟ وهذه الأدلة الثابتة، هي في الحقيقة صفعة في وجوه كلِّ مراكز الدراسات التي أرادتْ أن تقللَ مِن شأن المسجد الأقصى ومكانته، لكن مراكز الاستشراق في السابق قبل احتلال أرض فلسطين كانت تعمل على قَدَمٍ وساقٍ؛ تمهيدًا لهذا الاحتلال.

التشكيك في أحاديث المسجد الأقصى

• ولهذا فـ( إجناتس جولد تسيهر) (Ignác Goldziher)‏‏ (1850 - 1921) (مستشرق يهودي مجري عُرف بنقده للإسلام وبجدية كتاباته، ومن محرري دائرة المعارف الإسلامية، ولقد اشتهر بغزارة إنتاجه عن الإسلام حتى عد من أهم المستشرقين لكثرة إسهامه وتحقيقاته عن الإسلام ورجاله)، شَكَّك في كلِّ الأحاديث التي وردتْ حول مكانة المسجد الأقصى، وأشاع أن كلَّ ما جاء مِن هذه الأحاديث ليست صحيحة، بل كُتِبَت متأخرة؛ بسبب الخلاف بين الأمويين وبين عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه -، وزَعَم (تسيهر) أن عبدالملك بن مروان مَنَع الناس مِن الحج أيام محنة عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه -، وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلًا من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فطلب منه ذلك فاستجاب الزهري وافترى تلك الأحاديث على حد زعمه!

عناية الصحابة بالمسجد الأقصى

• وعناية الصحابة -رضي الله عنهم- بالمسجد الأقصى واضحة ظاهرة، كما في حديث أبي ذر - رضي الله عنه - المذكور آنفا، وفيه: «تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟»، فهذه المذاكرة من الصحابة -رضي الله عنهم- حول المسجد الأقصى في حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي وجوده، نحن نتأسى بهم الآن في ذلك، فكانوا يتحدثون عن المسجد الأقصى، وكم مِن الأحاديث التي جاءت في سؤال الصحابة عن المسجد الأقصى، كحديث: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ؟»، وحديث: «وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا؟»، فهذا يدل على أن قلوب العباد تعلَّقَت بحبِّ المسجد الأقصى.

سؤال الصحابة عن الأقصى

• وأرجع إلى الحديث عن مكانة المسجد الأقصى عند الصحابة في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ففي عهد الصحابة كان سؤال الصحابة عن المسجد الأقصى، وكان إيضاح النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكانة المسجد الأقصى بقوله: «وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى!»، وكم من الأحاديث الكثيرة التي دَلَّت على هذه المكانة، إلا أنه كان من المنافقين والكفار، وكذلك من اليهود مَن شكك في الإسراء، وشكك في مكان المسجد الأقصى، و حيي بن أخطب اليهودي عندما ذهب هو وأخوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتأكد من أنه هو النبي، وعندما اختبره رجع بوجهٍ آخر، كما تقول صفية -رضي الله عنها- قالت: قال عمي لأبي: أهو هو؟ يعني هو النبي؟ قال: نعم الله، قال: وما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت! فالعداوة منهم مستمرة إلى يوم القيامة حتى يقتل آخرهم مع الدجال.

كيف نعيد المسجد الأقصى؟

• ولهذا عندما تكالبت الأمم الأوروبية واحتلوا المسجد الأقصى في أيام الحروب الصليبية، استشار صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- في ذلك القاضي عبدالرحيم البيساني، المعروف بـ (القاضي الفاضل) (526هـ - 596هـ)، أحد الأئمة الكتَّاب، ووزير لدى صلاح الدين؛ حيث قال فيه صلاح الدين: «لا تظنوا أني فتحت البلاد بالعساكر، إنما فتحتها بقلم القاضي الفاضل»، الذي جعل التعليم على منهاج الكتاب والسنة سببا لفتح المسجد الأقصى؛ حيث أنشأ مدرسة في الإسكندرية على عقيدة أهل السُّنة والجماعة؛ فكان مشروع التحرير ومشروع النصر هو المشروع العلمي، فالمشروع العلمي هو الذي يرجع الأمة إلى مكانتها، بأن تتمسك بالكتاب والسنة على منهج أهل السنة والجماعة، ومنهج السلف وعقيدة السلف، وأن تكون هذه هي الانطلاقة.

أهمية البناء المعرفي

• ولهذا أنا أقول البناء المعرفي هو بناء أساس في كلِّ قضية من قضايا الأمة، فبداية العلم الشرعي هو الأساس، وكذلك البناء المعرفي من ربط الماضي بالحاضر، واليهود حقيقة عبثوا بالحاضر، ولكن هل يستطيعون أن يعبثوا بالماضي؟ لا، فإن التاريخ ثابت ومُسَجَّل، والمستقبل ليس عندهم أو بأيديهم، وإنما هو عند الله وبيده وحده -تبارك وتعالى-، ولهذا هم يعتمدون على الأكاذيب التي يكتبونها في الحاضر، مِن أن المسجد الأقصى ليس له مكانة، وأن المسجد الأقصى مكانه ليس القدس! ولهذا (إسحاق حسون) (Isaac Hasson) (أستاذ يهودي في الجامعة العبرية في القدس، قسم اللغة العربية وآدابها، كان تركيزه الرئيسي للمنح الدراسية حول القدس في الإسلام، والانتقال من الجاهلية إلى الإسلام)، عندما حَقَّق مخطوط فضائل البيت المقدس للواسطي قال: «إن المسجد الأقصى ليس محل إجماع في مكانته عند المسلمين؛ حيث إن بعض المسلمين يقول: إنه مسجدٌ في السماء!»

قياس المستوى الإيماني للمسلمين

• ولهذا هم يريدون أن يدرسوا فضائل المسجد الأقصى حتى يعرفوا ويقيسوا المستوى الإيماني للمسلمين، ومدى تعلقهم ببيت المقدس. لماذا؟ لأن عندهم مراكز الدراسات التي تدرس الحروب الصليبية؛ يقولون: إن الحروب الصليبية والصليبيين تمكَّنوا في فلسطين أكثر مما تمكَّن اليهود، وأن الدافع لهذا المشروع دافع ديني عند هذا وذاك.
• فكل هذه المراكز التي شكَّكت بداية في ثوابت الإسلام -بما يسمونه افتراءً بحوثًا-، ثم في مكان المسجد الأقصى ومكانته، وكذلك تحدثوا عن الحروب الصليبية بالتشكيك، وعندما ذَكَر بعضهم الكلام الدقيق يقول: لا بد أن ندرس ما الذي جعل يخرج مثل صلاح الدين الأيوبي، ويحرِّك هذه الهمم من جديد؟!
• وهذه الدراسات حقيقة موضع اهتمام كبير، كما قال الشيخ مشهور بن حسن (مواليد فلسطين/ 1960) - حفظه الله -: إن مراكز الدراسات الصهيونية عندها اهتمام كبير في الدافع الإيماني عند المسلمين بحب الأوطان، كحبِّ مكة والمدينة، وحب المسجد الأقصى، والتعاطف بين المسلمين؛ ولهذا هم أشاعوا ويشيعون الكثير من الأكاذيب، أشاعوا أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض! وأشاعوا أنها أرض صحراء خالية، وأشاعوا أنهم لهم حق تاريخي فيها، وأشاعوا أن المسلمين قد بنوا المسجد الأقصى على رماد الهيكل وعلى هدم الهيكل!
• ونجد أن الحديث عن نبي الله سليمان من أنه لما فَرَغ من بناء مسجد بيت المقدس، سألَ اللهَ -عز وجل- خِلالًا ثلاثةً: «سألَ اللهَ حُكمًا يُصادِفُ حُكمَه، فَأُوتِيَه، وسألَ اللهَ مُلكًا لا ينبَغي لأحدٍ من بعدِه، فَأُوتِيَه، وسألَ اللهَ حينَ فرغَ مِن بناءِ المسجدِ ألا يَأْتِيَه أحدٌ لا يَنهَزُه إلَّا الصَّلاةُ فيهِ، أن يُخرِجَه مِن خطيئَتِه كَيومِ ولدَتْهُ أُمّه، أمَّا اثْنَتانِ فقَد أُعطِيَهُما، وأَرجو أن يكونَ قد أُعطِيَ الثَّالثةَ».
• فهذا الحديث يشير إلى أن كلَّ مَن أتى من الأنبياء بعد بناء التأسيس للمسجد الأقصى -وهو ثاني بقعة في الأرض عرفت عقيدة التوحيد بعد المسجد الحرام- إنما بناؤه للمسجد بناء تجديد وليس بناء تأسيس. واليهود يسمون حائط البراق عندنا بحائط المبكى؛ بزعم أنه الجزء المتبقي من الهيكل المزعوم -هيكل سليمان- الذي بناه سليمان -عليه السلام.

وثيقة في غاية الأهمية

• وهناك وثيقة في غاية الأهمية، جاء فيها: إن المسجد الأقصى وثيقة أممية، مِن مُحَكَّمين من العالم أجمع، وثلاثة محكمين ليسوا بمسلمين، وواحد فيهم فقط مسلمٌ، عندما أقروا أن حائطَ البراق وقفٌ إسلامي، وهو جزء من المسجد الأقصى، ولا يحق لليهود أن يغيروا من معالمه، وليس له اسم في التاريخ إلا «حائط البراق»، وفيه الحلقة التي قد ربط فيها الأنبياء البراق؛ كل هذه الأمور في هذه الوثيقة، إلا أنهم قد أعطوا بعض الصلاحيات لشتات اليهود، وصدرت عن «لجنة البراق الدولية».

تحقيق لجنة البراق الدولية

• والحقيقة أن «لجنة البراق الدولية» قد حَقَّقت في الأمر، وقَدَّم المسلمون مرافعاتهم، وأثبتوا أن المسجد الأقصى حقٌّ للمسلمين، واستمر اليهود على مدار ثمانية أيام يدفعون هذا الأمر، وكان التحقيق مستمرا من الصباح إلى المساء؛ ولهذا طلب علماء المسلمين من «محمد أمين الحسيني» (مفتي فلسطين، ورئيس الهيئة العربية العليا) أن يسمح لهم (أي: للمسلمين) أن يترافعوا عن المسجد الأقصى؛ لأن المسجد الأقصى للمسلمين جميعًا، وليس لكم وحدكم يا أهل فلسطين، وقد سُمِح لهم بذلك؛ فترافع علماء من مصر، وعلماء من المغرب، وعلماء من عموم المسلمين، فوفروا لهم ذلك من الهيئة العربية العليا، والهيئة الإسلامية العليا -كما سميت بعد ذلك بهذا الاسم-. وقد أثبتت هذه الحقيقة من أن حائط البراق والمسجد الأقصى حق للمسلمين ووقف للمسلمين، في كل الكتب السياسية، وأنه في كل العهود كان للمسلمين، وهم يتكلمون عن العهد النبوي، أما نحن فنقول: إن أنبياء الله -تبارك وتعالى- كلهم كانوا على الإسلام، وكانوا يدعون إليه مع اختلاف الأحكام والشرائع.

الإثبات الشرعي والتاريخي والعقدي

• والمرافعات التي ترافع بها علماء المسلمين موجودة في أرشيف مجلة الفتح لمحب الدين الخطيب، التي بدأت من 1926 إلى 1948. وعي في غاية المدافعة، وفي غاية الإثبات الشرعي والتاريخي والعقدي، وكذلك السياسي، أن حائط البراق جزءٌ من المسجد الأقصى، وقد صُنِّف لها مصنف قد طبعته لجنة العالم العربي بجمعية إحياء التراث الإسلامي بعنوان: (حائط البراق وقف الإسلامي بالشرع والقانون)، من وقائع الشهادات والمرافعات لإثبات الحق أمام لجنة البراق الدولية في عام 1930م. إذًا لا شك أن كل الإثباتات: الشرعية -والإثباتات الشرعية طبعًا مُسَلَّم بها-، وكذلك التاريخية، وكذلك السياسية، أن المسجد الأقصى للمسلمين وقد تمكَّنوا من ذلك، ولكن ماذا فعل اليهود في ذلك؟ غَيَّروا وبدَّلوا.

حتى يغيروا التاريخ

• وحتى يغيروا التاريخ يأتون بمثل هذا الرجل (أمنون كوهين)، الذي ألَّف كتابًا طبعه بالعربية، جمع فيه أبحاثًا وأسماه: (دراسات في تاريخ المدينة)، والكتاب كله يدور حول مباحث شرعية، لكنه يشكِّك في مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين، وقد كتب في مقدمة الكتاب -وكذلك على ظهر الكتاب-: نريد أن نوجد تاريخًا مشتركًا، إلى متى سيظل الصراعُ بيننا وبين المسلمين؟ واقترح أن: «يتنازل اليهود عن بعضٍ مِن روايتهم التاريخية، ويتنازل العرب عن بعض مِن روايتهم، ثم الاتفاق معًا على عناصر مشتركة تضع أسسًا للسلام بين الطرفين»، ليحصل الاجتماع على رواية تاريخية جديدة، وهذه الرواية يمكن أن يتم الاتفاق عليها، ويمكن أن تكون هي التي تدرس في المدارس؛ ولهذا وزعوا هذا الكتاب جبًرا ليدرس لكلِّ دارسي التربية الإسلامية والتاريخ في المدارس العربية في القدس.

التغيير والتشكيك مستمر

• هم الآن أرادوا لهذا الكيان أن يكون كيانًا وظيفيًّا، ومركز الصراع الآن وبؤرة الصراع هو المسجد الأقصى كما كانت الحروب الصليبية، وكان ميزان قوة الأمة واندحارها وضعفها، هو: قضية مَن يحكم المسجد الأقصى؟ ولهذا هم يبذلون الكثير والكثير من أجل أن يبعدوا هذه الأمة، بل إلى الآن التغيير والتشكيك مستمر، مع السعي إلى هدم المسجد الأقصى، ومنع المصلين من الوصول إلى المسجد الأقصى، فهناك صراع قائم على أساس العقيدة منذ نشأته وبدايته.

  أكاذيب أشاعها اليهود

< وفي كتاب: (أكاذيب أشاعها اليهود) نحوًا من فَصْلٍ كاملٍ عن أن بعض العقلاء منهم أو بعض الدارسين يقول: إنه لا مستقبل لنا في هذه الأرض؛ فعلينا أن ننتقل منها، وكذلك بعض اليهود من بعض الحركات يقولون: إن الحركة الصهيونية قد ظلمتنا كثيرًا؛ لأنها جمعتنا في أرضٍ، والله قد كَتَب علينا الشتات، والحركة الصهيونية كل أتباعها كانوا ملحدين، وقد أرادوا أن يوجدوا لنا وطنًا قوميًّا لليهود في أرض فلسطين، ولو أنهم اختاروا أرضًا أخرى لكان خيرًا لنا، ولكان قد نسيت قضيتنا، لكنهم أتونا ببحرٍ من المسلمين الذين ما جاء في كتاب الله عندهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، يؤرقنا كثيرًا!  

مكانة المسجد الأقصى عند أهل الإسلام

• صارت همة الكثيرين التشكيك في مكان المسجد الأقصى ومكانته التي هي عند أهل الإسلام من الثوابت، وصار الآن هناك كثير من مراكز الدراسات «العبرية في الحقيقة» تتناول هذه الموضوعات، وتعمل على التشكيك في هذه الحقائق والمُسلَّمَات عند المسلمين كافة، وهذا الموضع حقيقة عندما يُبحث فيه نجد العجب العجاب؛ فمن أجل التهوين من مكانة المسجد الأقصى صار هؤلاء يحققون الأحاديث، ويصححون هذا ويكذبون هذا! وأصبح عندهم سبعة مراكز دراسات، وقد استمدت كلُّ هذه المراكز الدراسات مما أملاه المستشرقون في ذلك الوقت عليهم، وجعلوه هو المادة الأساس التي يبنون عليها هذه الأعمال؛ فزعموا أن مكان المسجد الأقصى ليس مكان القدس؛ بحيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أُسْرِي به من المسجد الحرام إلى مسجدٍ في الجعرانة -مثلًا- أو مسجد قريب من الطائف، أو مسجد قريب من المدينة؛ وذلك حتى يبعدوا أذهان المسلمين عن أن يكون هذا المسجد الذي أسري إليه هو مسجد بيت المقدس؛ فيعملون على التشكيك في هذه الأحاديث والأدلة الصحيحة، وهناك بحث من 110 صفحة هدفه فقط القول: بأن المسجد الأقصى ليس محل إجماع في مكانته عند المسلمين.

   

كيف نجح المسلمون في فتح القدس؟

• تساءل رئيس بلدية القدس السابق (تيدي كوليك) قبل موته بعامين، وقد كان يقرأ في تاريخ فتح عمر لبيت المقدس، ويستغرب من استمرار الوجود الإسلامي فيها إلى فترة الاحتلال الصليبي، فكان يتساءل قائلًا: كيف نجح المسلمون في فتح القدس في عهد عمر والاحتفاظ بها عربية مسلمة لقرونٍ طويلةٍ؟ ولماذا جاء عمر إلى القدس شخصيًّا لتسلم مفاتيحها بيده؟ وكان كوليك يرى أن هذه الخطوة الذكية من جانب عمر أضفت على القدس أهمية خاصة في نظر المسلمين، وتجعل أجيالهم المقبلة ملتزمة بالسعي لتحريرها من الاحتلال اليهودي.
• وقال (يوسي أهارونوش) عن صديقه (تيدي كوليك): تيدي الذي لم يكن من السهل أن يشعر بالإعجاب تجاه أي زعيم، مات وهو شديد الإعجاب بشخصية عمر بن الخطاب، وحرص على دراسة سيرته، وكان يعد رجل دولة وصانع قرار من الطراز الذي قلَّما عرفه العالم على مرِّ العصور، وأوضح أهارونوش أن دراسة تاريخ المدينة المقدسة جعلت كوليك قبل وفاته أقل ثِقَةً بمستقبل المشروع الصهيوني.

 

المستقبل للمسلمين في أرض المسرى

• نحن قد بُشِّرنا أن المستقبل للمسلمين في أرض المسرى، وهناك العديد من البشائر العظيمة في مستقبل فلسطين وأنها أرض المسلمين، لكن لابد لنا من دراسة ما جاء في الكتاب والسنة من فضائل مسجد بيت المقدس، وأن تكون هذه من الثوابت ومن البناء الأساس الذي يُبنى عليه البناء المعرفي في السعي لتحرير هذا المسجد المبارك.

 

صراع المصطلحات

 

• نحن في صراع في المصطلحات وفي المسميات وفي الحقائق، في صراع في الثوابت، ولهذا أؤكد القول على أن البناء المعرفي ضرورة لأبنائنا وأجيالنا، والبناء المعرفي لا يكون إلا بما جاء في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولهذا يقول العلماء: لو لم يكن في فضل المسجد الأقصى إلا هذه الآية، وهي أول آية من سورة الإسراء، لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة، ثم بعد هذا يأتي إنسان ليشكك في أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس، ويزعم أن الصحابة قد توهموا أن المسجد الأقصى في القدس! هذه كلها من الأكاذيب. وهؤلاء اليهود يزعمون أنهم كان لهم دور في دحر الصليبيين من بيت المقدس! فأين كان دوركم هذا؟ يقولون: فرسان الهيكل، فرسان المعبد! أين فرسان المعبد؟ ومَن هم؟ كل هذا أكاذيب في أكاذيب.

محطات كبيرة لاحتلال فلسطين

• وكذلك لابد أن أشير إلى أن من أجل احتلال فلسطين والمسجد الأقصى، كانت هناك محطات كبيرة جدًّا، من 1898م كان هناك المؤتمر الصهيوني الأول إلى 1948، فظلوا يعملون 50 عامًا لاحتلال فلسطين، وبعد ذلك خلال هذه الفترة قد مكَّنوا بعض اليهود في غربي القدس، وعندما احتل اليهود القدس 1967 مع اعتراف كل القوانين الدولية أن القدس هي منطقة محايدة، لا تكون لليهود؛ وذلك لأن قرار تقسيم فلسطين في 1947م قد أعطى لليهود 54 % من مساحة فلسطين، وأعطى للمسلمين 45 % و1 % هو القدس على أن تعود للمسلمين، إذًا حتى قرار التقسيم، وحتى وعد بلفور هو إعطاء وطن قومي لليهود على ألا تمس مقدسات المسلمين، ولا مساكنهم ولا وجودهم، ولكن كل هذا قد تم تجاوزه.
• وسأشير هنا أيضًا: إلى أنه في عام 1967م عندما تمكَّن اليهود من احتلال كل فلسطين، ومن ضمنها شرقي القدس، التي فيها المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وإذا بهم يأتون على حارة وقفية كاملة قد هدموها كاملة وهي حائط المغاربة المطلة على حائط البراق، الذي حولوه وغيروه إلى اسم: حائط المبكى.