مكانة القدس في الإسلام
\مكانة القدس عند المسلم السوي عظيمة؛ فهي قطعة من قلبه، وهي تحتل المرتبة الثالثة بعد مكة والمدينة. ومكانة القدس في الشريعة: قال -تعالى-: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} (الإسراء).
والمسجد الأقصى: هو بيت المقدس، الذي هو إيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل؛ لهذا جمعهم الله -تعالى- للنبي - صلى الله عليه وسلم - هنالك، فأمَّهم في مَحِلَّتهم ودارهم، فدل على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المقدم، -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقوله -سبحانه-: {الذي باركنا حوله} والبركة: ثبوت الخير الإلهي في الشيء، لقد بارك الله في أرض فلسطين بالخصب والثمار والأشجار والأنهار وعذوبة المياه والسهول والجبال، وأيضا بالموقع الاستراتيجي المهم؛ حيث إن فلسطين هي حلقة ربط آسيا بإفريقيا، وهي بوابة العبور التي كان دائما يحرص عليها كل من يحاول دخول أفريقيا أو دخول آسيا من جهة أفريقيا، وهي إحدى أقدم دول العالم في الحضارات السابقة، قال -تعالى-: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)} (الأنبياء)، والأرض التي بارك الله فيها هي أرض فلسطين.
المسجد الأقصى
والمسجد الأقصى من أقدم المساجد، التي أمر الله ببنائها لعبادته وتوحيده؛ فقد وضع بعد المسجد الحرام بأربعين سنة، ويسن شد الرحال لزيارته؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى» (صحيح الجامع)، أخرجه أحمد وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه . وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ولنعم المصلى هو!» أخرجه الحاكم.
وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو! وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض؛ حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا» (أخرجه الحاكم)؛ فأجر الصلاة بالمسجد الأقصى بمئتين وخمسين صلاة.
أرض مقدسة
وأرض فلسطين أرض مقدسة كما وصفها موسى -عليه السلام-، ونحن أحق بموسى من يهود قال -تعالى-: حاكيا عن موسى - رضي الله عنه -: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)} (المائدة).
ملجأ الأنبياء
وفلسطين هي ملجأ الأنبياء عند اشتداد البلاد عليهم من الظالمين، هاجر إليها إبراهيم ولوط من العراق، قال -تعالى-: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)} (العنكبوت)، وقال -تعالى-: {ونجيناه}، أي إبراهيم، {وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)} (الأنبياء)، كذلك هاجر إليها موسى -عليه السلام.
بوابة السماء
جعل الله فلسطين، وبيت المقدس خصوصا بوابة السماء عندما طلب من نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - الذهاب إليه، لقد كان من الممكن الصعود مباشرة من مكة إلى السماء ولكن بحكمة يراها -سبحانه- جعل الصعود (المعراج) عن طريق بيت المقدس؛ ليؤكد لنا أهمية بوابة السماء التي نُصِب فيها المعراج، وهو الدرج أو السلم، الذي صعد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء ليقابل ملك الملوك وعلام الغيوب -سبحانه.
بسطت الملائكة أجنحتها الدائمة على بلاد الشام، وفلسطين من أرض الشام، عن يزيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: «يا طوبى للشام»، قالوا: يا رسول الله، وبم ذلك؟ قال: «تلك ملائكة الله باسطة أجنحتها على الشام» (أخرجه الترمذي)؛ فملائكة الله -سبحانه- تحف وتحوط أرض الشام بإنزال البركات ودفع المهالك والمؤذيات، وعن ميمونة بنت سعد مولاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: يا نبي الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: «أرض المحشر والمنشر» (أخرجه أحمد). فأرض فلسطين هي أرض المحشر والمنشر.
لا يحل التفريط فيها
هذه هي منزلة القدس في دينكم -أمة الإسلام-؛ فلا يحل التفريط فيها، وعلينا بذل الغالي والنفيس لإنقاذها من اليهود، والله -جل جلاله- انتدبنا لذلك، وحثنا على الدفاع عن المقدسات، ونصرة إخواننا الذين يتعرضون لبلاء عظيم من اليهود، لقد قتلوا الصغار والكبار وملؤوا السجون بالشباب، وأخذوا يسومونهم أشد العذاب، هدموا البيوت، قال -تعالى-: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)} (النساء).
وقال -سبحانه-: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} (الأنفال:72)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما، ونصرة الظالم بمنعه من ظلمه»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه، أخرجه الشيخان عن أبي موسى - رضي الله عنه -، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام...» أخرجه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه».
طباع اليهود
أعلمنا الله في كتابه الكريم والنبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته المطهرة بطباع اليهود؛ حتى نعرف كيف نتعامل معهم على بصيرة؛ فاليهود أساؤوا الأدب مع ربهم الذي خلقهم، فنسبوا له الولد، قال -تعالى-: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (التوبة:30)، والذي لا يتأدب مع ربه لا يتأدب مع عباده، كما وصف اليهود الله الكريم المنعم الجواد بالبخل، قال -سبحانه-: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (المائدة:64)، كما وصفوه -سبحانه- بالفقر وهو الغني عن عباده {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (آل عمران:181)، ومن دعواهم الباطلة استباحتهم أموالنا، وأنه لا حرج عليهم ولا إثم في أخذها، قال -تعالى- حاكيا عن هؤلاء الأشقياء: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)} (آل عمران).
معاناة النبي - صلى الله عليه وسلم- معهم
لقد عانى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غدرهم ونقضهم العهود؛ مما حمله على محاربتهم والقضاء على شرورهم وخياناتهم، وصدق الله -تعالى-: {الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56)} (الأنفال:56). عن أنس - رضي الله عنه -: أن عبدالله بن سلام أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدمه إلى المدينة، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمها إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟
فقال: «أخبرني بهن جبريل آنفا» قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تخرج من المشرق، فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكله أهل الجنة، فزيادة كبد الحوت، وأما الشبه، فإذا سبق ماء الرجل، نزع إليه الولد، وإذا سبق ماء المرأة، نزع إليها» قال: أشهد أنك رسول الله.
وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي بهتوني، فأرسل إليهم، فسلهم عني.
فأرسل إليهم، فقال: «أي رجل ابن سلام فيكم»؟ قالوا: حبرنا، وابن حبرنا، وعالمنا، وابن عالمنا، قال: أرأيتم إن أسلم، تسلمون»؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج عبدالله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال: يا رسول الله، ألم أخبرك أنهم قوم بهت؟!
علينا أن نفقه هذه النصوص، ونأخذ منها العظة والعبرة، ونعامل هذا العدو اللدود الذي لا يرقب إلا ولا ذمة على ضوئها، فهذا العدو لا حدود لأطماعه، ومخططاته مكر تزول منه الجبال؛ لتدمير أمة الإسلام، ولا يوثق بعهوده ومواثيقه وسلامه المزعوم.
السبيل لتحرير القدس
السبيل لتحرير القدس وأرض الإسراء أن نعد الأمة لفريضة الجهاد في سبيل الله -تعالى- التي فرضها الله علينا في كتابه الكريم، قال -سبحانه-: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216)، وقال -سبحانه-: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)} (التوبة)
لاتوجد تعليقات