رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 يناير، 2025 0 تعليق

مكانة العلماء وواجب الأمة تجاههم

  •  العلماء بما آتاهم الله من علم وحكمة يُعلِّمون الجاهل ويردُّون الغالي ويكشفون زيغ الزائغ والمبتدع
  •   من فضائل العلماء أن الله عزوجل خصَّهم بالذكر من دون البشر وقَرَن شهادتهم بشهادتِه وشهادة الملائكة وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيدهِ ودينه وجزائه
  •  من أصول أهل السنة ومنهج السلف احترام العلماء وتوقير الفقهاء والتأدب معهم غاية الأدب فإن الجناية عليهم خرق في الدين
  •   العلماء هم أصحاب البصيرة الذين أوتوا الحكمة فهم يقضون بها ويعلِّمونها للناس وبهذه البصيرة يتفرسون ويَسْتَشِفُّون عواقب الأمور فهم يرون الفتنة وهي مقبلة والناس يرونها وهي مدبرة
  •   الواجب على جميع المسلمين توقير العلماء واحترامهم وإكرامهم ومعرفة قدرهم وحقوقهم وإنزالهم منازلهم والتأدب معهم في جميع شؤونهم
  •  الدفاع عن العلماء دفاعٌ عن الدين والبلاد والأمن والاستقرار لأن العلماء هم صمام الأمان فلو سقط العلماء من أعين الناس لأخذ الناسُ دينهم من الرؤوس الجهال
  • النيلُ من العلماء وإيذاؤهم يُعَدُّ إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله فشعائر الله أعلامُ الدين الظاهرة
  • العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات؛ ولاسيما العالِمَ العاملَ فإن الله يجعله إماما للناس يقتفون آثاره ويمشون بعلمه ويستضيئون بنوره في دياجير الظلمة
  • الطعن في العلماء يعني الطعن في الحق الذي يدعون إليه ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في العالم لأجل شخصه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه

إعداد: ذياب أبو ساره - وائل سلامة

رفع الله -تعالى- شأنَ العلم وشأن أهله، وبيَّن مكانتهم، ورفيع منزلتهم في القرآن الكريم والسُنَّة النبويَّة فقال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ وإنَّ الأنبياءَ لم يُورِّثوا دينارًا إنما وَرَّثوا علمًا»، ولما كان للعلماء هذا المقام الرفيع وتلك المنزلة السامية في الدين كانت الوقيعة فيهم ليست كالوقيعة في غيرهم، والطعن فيهم أكبر إثمًا وأعظم ضررًا وخطرًا عند الله من الطعن في غيرهم؛ فالوقيعة في أهل العلم والدين مسلك المنافقين قديما، وما زال أتباعهم يسلكونه إلى يومنا هذا لما له من أثر على الدعوة وأهلها وتنفير الناس من علمائها.

أولاً: مكانة العلماء في القرآن الكريم

مكانة العلماء وفضلهم في القرآن الكريم عظيمة، وقد جاءت العديد من الآيات التي تشير إلى تلك المكانة، وإلى ذلك الفضل، ومن ذلك ما يلي:

شرف العلم والعلماء

     قال -تعالى-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران: 18)، قال القرطبي -رحمه الله- وهذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته، وقال السعديُّ -رحمه الله-: في هذه الآية فضيلةُ العلم والعلماء؛ لأن الله عزوجل خصَّهم بالذكر، من دون البشر، وقَرَن شهادتهم بشهادتِه، وشهادة الملائكة، وجعل شهادتهم من أكبر الأدلة والبراهين على توحيدهِ ودينه وجزائه.

العلماء أصحاب بصيرة

      قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف:108) فالعلماء هم أصحاب البصيرة الذين أوتوا الحكمة، فهم يقضون بها، ويعلِّمونها للناس، وبهذه البصيرة يتفرسون ويَسْتَشِفُّون عواقب الأمور، فهم يرون الفتنة وهم مقبلة، والناس يرونها وهي مدبرة.

يرفعهم الله في الدنيا والآخرة

      أهل العلم يرفعهم الله عزوجل على الناس درجات في الدنيا والآخرة، كما قال -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (المجادلة: 11)، قال القرطبي -رحمه الله- قوله -تعالى-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}؛ أي: في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع الله المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم.

هم أئمة الناس

      العلم يجعل صاحبه إمامًا للناس يأخذ بنواصيهم إلى مرضاة الله عزوجل: قال -تعالى-: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} (الأنعام: 83)، قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره: وقوله -تعالى-: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء}، كما رفعنا درجات إبراهيم عليه السلام في الدنيا والآخرة، فإن العلم يرفع الله به صاحبه فوق العباد درجات، خصوصًا العالِمَ العاملَ، المعلمَ، فإنه يجعله اللهُ إمامًا للناسِ، بحسب حاله، تُرمَقُ أفعالُهُ، وتُقْتَفى آثارُهُ، ويُستضاء بنورِه، ويُمشى بعلمه في ظُلمة ديجوره.

أهل العلم مكانتهم أعلى من غيرهم

     قال -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9)؛ قال السعدي -رحمه الله-: هم أهل العقول الزكية الذكية، فهم الذين يؤثرون الأعلى على الأدنى، فيؤثرون العلم على الجهل، وطاعة الله على مخالفته؛ لأنَّ لهم عقولًا ترشدهم للنظر في العواقب، بخلاف من لا لُبَّ له ولا عقل، فإنه يتخذ إلِهَه هواه.

العلماء هم الصدّيقون

     قال -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (الحديد: 19)، فالصديقون هم العلماء أتباع الرسل، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة، والصديقية هي كمال الإيمان بما جاء به الرسول علمًا وتصديقًا وقيامًا به، فهي راجعة إلى نفس العلم؛ فالصديقية شجرة أصلها العلم، وفروعها التصديق، وثمرتها العمل.

أهل العلم أكثر الناس خشية لله

      قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر: 28)؛ قال السعدي -رحمه الله-: «فكل من كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية، وأوجبت له خشية الله الانكفاف عن المعاصي، والاستعداد للقاء من يخشاه، وهذا دليل على فضيلة العلم، فإنه داع إلى خشية الله، وأهل خشيته هم أهل كرامته؛ كما قال -تعالى-: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (البينة: 8).

العلماء طوق النجاة من الفتن

     قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء: 7)، قال السعدي: وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله المنزل، فإن الله أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم وتزكية لهم؛ حيث أمر بسؤالهم، وأنه بذلك يخرج الجاهل من التبعة، فدل على أن الله ائتمنهم على وحيه وتنزيله، وأنهم مأمورون بتزكية أنفسهم، والاتصاف بصفات الكمال».

ثانيًا: مكانة العلماء في السنة النبوية

       بيَّن القرآن الكريم مكانة العلماء وفضلهم، كذلك جاءت السنة النبوية بهذا البيان الواضح، وجاءت العديد من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - مبينة لفضل العلم وأهله ومن ذلك ما يلي:

  العلماء هم الموفقون للخير

        قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «مَن يُرد الله به خيرًا يفقِّهْهُ في الدين، وإنما أنا قاسمٌ والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمةً على أمر الله، لا يضرُّهم مَن خالفهم حتى يأتي أمر الله»، دل الحديث على أن تفقه العبد في دينه من علامات إرادة الله -تعالى- الخير به؛ إذ بتفقُّهه في دينه يصلح عمله، وبتفقُّهه في دينه يرشد غيره إلى الحق والخير؛ فيكون له مثل ثواب عمل مَن أرشده، وهذا كله يبين عِظَم فضل العلم، وعِظَم أجر أهله العاملين به، ومَن لم يتفقَّهْ في الدين فقد حُرم الخير.

فضل العالم على العابد

      قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سلك طريقًا يطلب فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضَعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر».

العلماء هم الأمناء على هذا الدين

     العلماء -بما آتاهم الله من علم وحكمة- يُعلِّمون الجاهل، ويردُّون الغالي، ويكشفون زيغ الزائغ والمبتدع، قال - صلى الله عليه وسلم -: «يحمِل هذا العلم من كل خلَفٍ عدولُه؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطِلين، وتأويل الجاهلين».

العالم والمتعلم معصومون من لعنة الدنيا

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ألا إن الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكرُ الله، وما والاه، وعالمٌ أو متعلمٌ».

الدنيا حِيزت للعلماء

        قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلمًا؛ فهو يتقي فيه ربه، ويصِل فيه رحمه، ويعلَم لله فيه حقَّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علمًا، ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو نيته، فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته، فوِزرهما سواء».

دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلماء

     قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فبلَّغها، فربَّ حاملِ فقه غير فقيه، وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغِلُّ عليهن قلبُ مؤمن: إخلاص العمل لله، والنصيحة لولاة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».

ثالثا: واجب الأمة تجاه العلماء

قررت الشريعة الإسلامية الغراء ملامح العلاقة بين الناس وعلمائهم، وجعلت لذلك حدودا وآدابا لا يجوز للمسلم تجاوزها حتى لا يقع في المحظور الشرعي، ومن ذلك ما يلي:

توقير العلماء ومعرفة حقهم

        الواجب على جميع المسلمين توقير العلماء، واحترامهم، وإكرامهم، ومعرفة قدرهم وحقوقهم، وإنزالهم منازلهم، والتأدب معهم في جميع شؤونهم، كما أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ».

الأدب معهم واحترامُهم

        ذهب الإمام النووي إلى أن الأدبَ مع العلماء يزيد على الأدب مع الآباء؛ لكون العلماء ورثةَ الأنبياء، فواجب على الأمة النزولُ على رأي العلماء، والرد إليهم عند الاختلاف؛ لأن الرد إليهم أمرٌ كالصلاة والزكاة والصيام والحج وبقية الأوامر؛ قال -تعالى-: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (النساء: 83).

توريث الأجيال احترامَ العلماء

        حق على الأمة المسلمة أن تورث الأجيالَ احترامَ العلماء، قال إبراهيم بن الشهيد: قال لي أبي: «ائت الفقهاء والعلماء، وتعلَّم منهم، وخُذْ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم؛ فإن ذاك أحبُّ إلي من كثير من الحديث»؛ وكذلك طلبة العلم يبينون للعامة من هم العلماء، فيرشدونهم إليهم ليسألوهم، وأنَّ العالم حجة بينك وبين الله، وكثير من الناس قد لا يفرق بين العالم وبين الأديب والشاعر والواعظ والصحفي ونحو ذلك من القصّاص والكُتّاب، ويظن أن كل ما قيل في المحراب فهو صواب، وهنا يأتي دور طلبة العلم لكي يبينوا للناس من هم العلماء؛ لأن الناس يريدون الاستفتاء، ويريدون الرجوع إلى أهل العلم فمن الذي يدلهم؟!

الدفاع عنهم والذب عن أعراضهم

        إن الدفاع عن العلماء دفاعٌ عن الدين والبلاد والأمن والاستقرار؛ لأن العلماء هم صمام الأمان، فلو سقط العلماء من أعين الناس، لأخذ الناسُ دينهم من الرؤوس الجهال، ومن الرويبضة وهو التافه يتكلم في أمر العامة، وإن التهاون في هذا يعد من الخيانة والرضا بالفساد والضلال، مما يهدد الأمة جميعا؛ فيجب على الأمة كلها أن تعرف فضل العلماء، وأن تهُبَّ للدفاع والذب عن ورثة الأنبياء؛ لأن اللهَ أكرمهم، ورفع قدرهم، ولهذا كان من أصول أهل السنة ومنهج السلف احترام العلماء وتوقير الفقهاء، والتأدب معهم غاية الأدب، فإن الجناية عليهم خرق في الدين، قال الإمام الطحاوي: «وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل».

رابعًا: أهمية الدفاع عن العلماء

        مما سبق يتبين لنا أنَّ العلماء هم حملة الشريعة والقدح فيهم قدح في الشرع وصدّ عنه، وقد كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - الذب عن أعراض المسلمين وهكذا كان هدي أصحابه رضوان الله عليهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من ذبّ عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار» وقال -صلى الله عليه وسلم -: «من ردّ عن عرض أخيه ردّ الله عن وجهه النار يوم القيامة»، وقال -صلى الله عليه وسلم -: «من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة»، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا ظهر مبتدع يقدح فيهم بالباطل فلابد من الذب عنهم وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل، وإنما وجب الرد عنهم لأنهم نقلة الشريعة وأمناؤها فإسقاطهم إسقاط للشرع وصيانة أعراضهم مقصد عظيم، وضرورة لا غنى عنها».

       ولا شك أن إهمال الدفاع عن العلماء الربانيين حماة الدين وحراس العقيدة من كثرة الطعن فيهم وظلمهم ولمزهم بالألقاب المنفرة يولّد فسادًا كبيرًا ومن ذلك، أن الطعن فيهم يعني الطعن في الحق الذي يدعون إليه، ومعلوم أن أهل الباطل لا يطعنون في العالم لأجل شخصه ولحمه ودمه إنما يطعنون فيه لمنهجه وجهاده وحسن بلائه.

         كذلك فإن الصمت وعدم الدفاع عن العلماء قد يكون فتنة لعوام المسلمين والمبتدئين من طلبة العلم الذين لم ترسخ العقيدة في قلوبهم، فينحرفون عن السنة بسبب الشبهات والأباطيل التي قد لا يجدون لها جوابًا فينقلبون على أعقابهم فيبغضون علماء السُنَّة بعد محبتهم، ويوالون أهل البدع بعد بغضهم لهم وعداوتهم إياهم.

السعدي: تعظيم العلماء من تعظيم شعائر الله

          قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: تعظيم العلماء وتقديرهم من تعظيم شعائر الله؛ قال -جل وعلا-: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: 32)، قال -رحمه الله-: شعائر الله أعلامُ الدين الظاهرة، ومعنى تعظيمها: إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، فتعظيم شعائر الله صادرٌ من تقوى القلوب؛ فالمعظِّم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله، وعلى هذا؛ فالنيلُ من العلماء وإيذاؤهم يُعَدُّ إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله.

ابن باز: هذا من سلوك أهل النفاق

        سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- عن الذي يقع في أعراض العلماء، ويحرص على النَّفرة منهم، وعدم الإقبال عليهم والسماع منهم، فهل هذا تعطيلٌ لشرع الله -تعالى-؛ لأن الإنسان إذا أبغض العالمَ ولم يتعلم مات جاهلًا أو مُعْرِضًا، وما نصيحة سماحتكم في هذا؟

        فقال -رحمه الله-: الذي يتعرض لعلماء السُنَّة ويُحذِّر منهم إنما يصير منافقًا، خبيث القلب، خبيث العقيدة، فيجب الحذر منه، والأخذ على يديه، والتَّنبيه عليه.   حتى يُوقف عند حدِّه، وحتى يُعاقب بما يستحقّ؛ لأن التحذير من أهل العلم والتَّنفير منهم حتى لا يُستفاد منهم، وحتى لا يتعلم منهم شرع الله؛ إنما يكون من أهل النفاق والعناد للحق، وكراهته للإسلام، أما التَّحذير من علماء السُّوء وعلماء البدعة: كونه يُحذِّر من علماء السوء والبدع حتى لا يغترَّ بهم الطالب؛ فهذا مشكورٌ على عمله وعلى جهاده بعد التَّبصر وبعد التَّيقن، فيجب على طالب العلم أن يتَّقي الله، وأن ينتبه في ترغيبه وترهيبه مع أهل العلم والبصيرة، يجب أن يُرغِّب في الاتصال بهم، والأخذ عنهم، والله يقول: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فالترغيب بالاتِّصال بهم، ولا يأبى ذلك ولا يُعاند فيه إلا فاسد الضمير، منحرف العقيدة.

ابن عثيمين: التطاول على العلماء عمل مُحرّم

        سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن هؤلاء الذين يقعون في أهل العلم ويتطاولون عليهم فقال: الذي أرى أن هذا عمل محرّم، فإذا كان لا يجوز لإنسان أن يغتاب أخاه المؤمن وإن لم يكن عالماً فكيف يسوغ له أن يغتاب إخوانه العلماء من المؤمنين؟! والواجب على الإنسان المؤمن أن يكف لسانه عن الغيبة في إخوانه المؤمنين، قال الله -تعالى-: {يايَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}، وليعلم هذا الذي ابتلي بهذه البلوى أنه إذا جرّح العالم فسيكون سببًا في رد ما يقوله هذا العالم من الحق، فيكون وبال رد الحق وإثمه على هذا الذي جرّح العالم، لأن جرح العالم في الواقع ليس جرحًا شخصيًا بل هو جرح لإرث محمد -صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّ العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي عندهم وهو موروث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحينئذ لا يثقون بشيء من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جُرح».

الفوزان: يجب توقير العلماء واحترامهم

        قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان -حفظه الله-: يجب توقير العلماء واحترامهم، وأن يعرف قدرهم، وأن يتلقى عنهم العلم، قال -جل وعلا-: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، فيجب الرجوع إلى أهل العلم في التعلم، في الفتوى، في السؤال، في القضاء، في كل شؤون المسلمين، هم الذين يحملون حل هذه الأمور وهذه المشاكل فيرجع إليهم، فإذا شككنا فيهم؛ زهدنا الناس في طلب العلم، وزهدناهم في أهل العلم، وحينئذ من الذي يتولاهم؟ يتولاهم أهل الضلال، يوجهونهم على رغبتهم؛ ليكونوا سلاحا يطعنون به الإسلام والمسلمين، فأهل العلم شرفهم الله، ومدحهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيأتي من ينقصهم، ويزهد فيهم، ويصفهم بالأوصاف الذميمة، هذا مخالف لله ولرسوله، محادٌّ لله ولرسوله، غاشٌّ للمسلمين، فيجب التنبه لمثل هذه الأمور.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X