رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ياسر سرحان الديب 15 يناير، 2019 0 تعليق

مقومات بناء الشخصية العلمية لقارئ القرآن الكريم ومقرئه

 

استفاضت نصوص الكتاب والسنة لدى العلماء وكثرت بينهم، في تحذيرهم من تكفير المعين بلا دليل أوضح من شمس النهار؛ لأن نتيجته الواقعية سيئة، سواء أكانت بالأقوال أم بالأفعال, ومن أصول أهل السنة حسن الظن وحسن الرجاء لأهل القبلة أمواتاً وأحياء.

     إن من أجلّ الأعمال وأعلاها قدرا تعليم كتاب الله -تعالى- وتعلمه، وهذا يقتضي اتصاف القائم به بصفات تؤهله لإتقان هذه المهمة النبيلة؛ ولذا فقد قمت بجمع بعض هذه الصفات تذكرة لنفسي وإخواني وأبنائي من مقرئي كتاب الله -تعالى- ومقرئيه لعل الله -تعالى- يزكي أعمالنا، ويرفع درجتنا في الدنيا والآخرة، وسنتناول قارئ القرآن الكريم ومقرئه وصفاته الذاتية، والعلمية، والتربوية التي تؤهله للمشاركة بمقومات شخصية تميزه في درب خيرية تعلّم القرآن وتعليمه، وسنتناول في هذه الحلقة فضل تعلم القرآن وتعليمه، وعناية السلف به وحرصهم على علو الإسناد.

     إن حفظ القرآن شرف عظيم، ومنزلة رفيعة، يتسابق إليها الصالحون، ويتقاعس عنها المتقاعسون، إن أعظم ما تصرف إليه أعنة التأمل، ويميل به حب القلوب، كيف يتأمل كتاب الله؟ فلم تزل نفحاته تتعطر، ورشحات  فضائله  تتقطر؛ فطوبى لمن اشتغل به، وعاش بين أنواره وأسراره، يقتنص الفرص، ويحصل الفوائد، ترى على وجهه نور القرآن، وتحس من قلبه وكلامه سكينة كلام الرحمن، لا يختم ختمة إلا ليبدأ  أخرى. ولله در الإمام الشاطبى يوم يقول:

ومَنْ شَغَلَ الْقُرْآنُ عَنْهُ لِسَانَهُ

                                          يَنَلْ خَيْرَ أَجْرِ الذَّاكِرِينَ مُكَمَّلاَ

وَمَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِلاَّ افْتِتَاحُهُ

                                          مَعَ الْخَتْمِ حِلاًّ وَارْتِحاَلاً مُوَصَّلَا

وهو بين افتتاحه وختمه يعيش في رياض يانعة، وحدائق ماتعة، يهب عليه من الوجد والسرور ما يكاد القلب أن يطير معه حبا وشوقا وأنسا؛ فلا تسل عن لذته وفرحته، ومتعته وسلوته وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته وعلى قدر إتقانهم يكون قربهم من ربهم .

أشرف العلوم وأعلاها

     وتعليم القرآن وتعلمه من أشرف العلوم وأعلاها منزلة، والمشتغلون به داعون إلى الخير، وأعظم الخير نشر العلم وأفضل العلم كلام الله -عز وجل-، وهم مثابون مأجورون -بإذن الله عز وجل-؛ وذلك لأن نفع تعليم القرآن من النفع المتعدي الدائم الذي يثاب عليه صاحبه ولو بعد مماته، عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «من علَّم علمًا فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل؛ ولهذا فقد حرص الصالحون من عباد الله والراغبون في الخير على تعلم القرآن وتعليمه؛ فاستثمروا في ذلك أوقاتهم، وعمروا به مجالسهم، وبذلوا جهودهم من أجله، والأمثلة على أقوالهم وأحوالهم في ذلك كثيرة.

تفضيل تعليم القرآن وتعلمه

بل إن من العلماء مَنْ فَضَّل تعليم القرآن وتعلمه، وقدَّمه على الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام؛ فقد سئل الثوري عن الجهاد وإقراء القرآن أيهما أفضل؟ فرجح الثاني

     محتجًا بالحديث خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه، وإن الله -تعالى- قد مَنَّ على الأمة الإسلامية بخصائص وفضائل لم تُعطَ لأحدٍ من الأمم السابقة، ومن ذلك ما أكرمها الله وشرَّفها وفضَّلها بالإسناد؛ فهذه الأمة مِيزَتْ عن غيرها من الأمم بالإسناد أو الإجازة، سواء كان ذلك في القرآن، أم في الحديث، أم في العلوم الشرعية الأخرى.

علو السند

    وأشرف ما ينبغي أن يحرص عليه حامل القرآن هو علو السند وهو: تقليل عدد الوسائط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو المصباح وكلما اقتربت من ضوء المصباح، كان أشرف لك؛ فلذلك كان العلماء يحرصون على الأسانيد العالية، ويبذلون حر المال في سبيل تحصيل هذه الأسانيد، وهذه مقتبسات من كلام أئمة أهل العلم في فضل علو السند، قال الإمام الطوخي: قرب الأسانيد قرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، وقال الحافظ يزيد بن زُرَيْعٍ -رحمه الله تعالى-: لكل دين فرسان، وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد، وقال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: طلبُ علوِّ الإسنادِ من الدين.

     وقال ابن كثير في الباعث الحثيث: ولمَّا كان الإسنادُ من خصائصِ هذه الأمة؛ وذلك أنه ليس أمَّةٌ من الأمم يمكنُها أن تسندَ عن نبيِّها إسنادًا متصلاً غير هذه الأمة؛ فلهذا كان طلب الإسناد العالي مرغَّبًا فيه، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: «الإسناد العالي سنة عمَّن سلف، وقيل ليحيى بن معين في مرض موته: ما تشتهي؟ قال: «بيت خال، وإسناد عال؛ ولهذا تداعت رغبات كثيرٍ من الأئمة، والجهابذة، والحفَّاظ، إلى الرحلة إلى أقطار البلاد طلبًا لعلو الإسناد، وعلو الإسناد أبعدُ من الخطأ، والعلةِ من نزولِه».

طلب السند

     ولا شك أن طلب السند في قراءة صحيحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر محمود شرعًا، كيف لا؟ وقد جاء عن بعض السلف -رحمهم الله تعالى- الرحلة في طلب  الحديث، أفلا تكون الرحلة في طلب سند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءة صحيحة أمرًا محمودًا؟

طلب الإجازة من غير متقن

ولكن يعيب في هذا الشأن طلب الإجازة القرآنية من غير متقن؛ فيتعلق صاحبها بالسند دون قراءة صحيحة، وبعبارة أخرى عينه الأولى على المقرئ، والعين الأخرى على الإجازة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.

     ويجب التنبيه إلى أن الإجازة القرآنية طريق لإتقان القرآن الكريم، ولكنها ليست شرطًا فيه، كما أنها ليست شرطًا للتصدر للإقراء؛ إذ كم من حاصل على الإجازة القرآنية في قراءة، أو أكثر وقراءته يشوبها قليل، أو كثير من اللحون الجلية، فضلًا عن اللحون الخفية.

أفضل المراكز

     وإن من أفضل المراكز التى تهتم بالأسانيد والإجازات القرآنية في دولة الكويت -حفظها الله- هو مركز الإمام بن الجزرى للحلقات والأسانيد القرآنية، الذى نشرف ونفتخر بالانتساب إليه مع هذه الثلة  المباركة من أهل القرآن، ونشكر القائمين عليه، وندعو الجميع بشرف الالتحاق به والحرص على ذلك، مع التحلى بخلق أهل القرآن، وبالحصول على الإجازة في كتاب الله -تعالى- حتى يكون القارئ قد اتصل إسناده بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه إلى جبريل الأمين، ومنه إلى رب -العزة والجلال- وهذا شرف عظيم وخير عميم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك