رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 21 نوفمبر، 2016 0 تعليق

مقدمة حول العلوم الإدارية وتطبيقاتها في مجال الإدارة الإسلامية

فإن العاملين في مجال الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- في عصرنا الحديث - ولاسِيّما الأعمال ذات الطابع الجماعي- يجدون أنفسهم مضطّرين إلى التواصل مع العلوم الإدارية الحديثة، التي تطورت بوصفها فنا مستقلا عبر السنين الطويلة الماضية، وحاجة بشرية مُلِحّة لإدارة الموارد البشرية والمالية، ولاسِيّما مع كثرة التحدّيات التي يواجهها العمل الإسلامي، ولاسيما تلك التي تتعلق بمواجهة المخططات التي يدبرها أعداء الدين لهدم عُراه وتذويب هوية المسلمين، كذلك مع اتساع رقعة انتشار الإسلام في المجتمعات، التي بطبيعتها لها احتياجاتها الدائمة، وعلى رأسها تبليغ الدِّين، وصياغة واقع حياة الناس وفق قواعده الربّانيّة وضوابطه الشرعية.

مجال العمل التطوعي

     ثم إن مجال العمل التطوعي يختلف بطبيعته عن الأعمال النظامية، التي تستند إلى سلطة القانون واللوائح الإدارية المنضبطة وآليات الثواب والعقاب الواضحة، فضلاً عن كون العمل التطوعي -غير الهادف للربح- يختلف في أهدافه وآلياته ومعايير نجاحه عن الأعمال التجارية الهادفة للربح.

     كل هذا جعل أغلب المواد التعليمية والتثقيفية المتاحة للتداول بعيدة في أهدافها وآلياتها وطرائق تطبيقها وأمثلتها العملية -فضلاً عن لغتها المستخدمة- بعيدة بدرجة كبيرة عن الاستفادة منها؛ مما جعل الكثيرين يُعرِضون عن علوم الإدارة الحديثة؛ لما فيها من حشوٍ وتعقيد وإِغرابٍ في كثير من الأحيان.

التحدي المادي

     إن التحدي المادي الذي واجهته الدول في طريق تطوير مواردها وأسباب قوتها وازدهارها الحضاري وتحقيق النفع العام لأبنائها، وكذلك الرغبة الدائمة لذوي الأهداف الربحية في توسعة أنشطتهم وزيادة أرباحهم، كل ذلك ساق المجتمعات الغربية -ولاسيما الأمريكية ثم الأوروبية- في تطوير علوم الإدارة التي نشأت كسائر العلوم بوصفها مجموعة من المهارات العملية المكتسبة والخبرات المتراكمة عند أصحابها، ثم دخلت مرحلة التنظير وجمع هذه المهارات في منظومات ثقافية وتنموية، تتيح نقل الخبرات والاستفادة منها وتطويرها، وتلافي أخطاء الماضي في سبيل تطوير مجالات العمل المتنوعة ونطاقاته.

     لذلك لم يكن مستغرَباً أن تجد هذه المجتمعات قد قطعت أشواطاً بعيدة في تطوير أسباب بقائها وازدهارها حضارياً؛ مما مكّنها من التغلب على العديد من المجتمعات الضعيفة التي غفلت عن هذه المهارات والعلوم، وهكذا تحوَّل هذا العلم الإنساني -الذي هو هداية من علم الله سبحانه- إلى أداة ناجعة ومؤثِّرة في أيدي كل من سعى إليها واستخدمها، بغض النظر عن نصيبه في الآخرة، فأنت تجد المجتمعات الغربية التي طوّرت آليات إدارة مجتمعاتها ترتقي سريعاً في عالم القوة المادية؛ بينما يكاد يكون نصيب مجتمعاتنا المُسلِمة هو التبعية التامة، اقتصادياً وسياسياً وتكنولوجياً، وما يستتبعه ذلك من تبعية القِيَم والمُثُل التي يجد الطرف الضعيف نفسَه في مجالها مهزوماً نفسياً، متتبعاً خطوات الغالِب حذو القذة بالقذة؛ مما يهدد هوية مجتمعاتنا المُسلِمة، فضلاً عن بقائها في صراع الوجود الطاحن.

سلوكيات إدارية وقيادية

     الناظر في تاريخنا الإسلامي يجد سلوكيات إدارية وقيادية ومهارات فائقة، لم تجد من يخدمها ويقدِّمها في قوالب نظرية تعليمية تفيد الأجيال المتلاحقة، التي تحتاج إلى الاسترشاد بنور النبُوّة وسنن الأنبياء والصالحين في قيادة الأمم وإدارتها، تجد ذلك مبثوثاً في قصص الأنبياء، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهَدْي «الخلفاء الراشدين»، وسِيَر القادة المتميزين عبر التاريخ.

التشويه المُتعمَّد

     لم يجد هذا التراث العملي الضخم سوى التشويه المُتعمَّد من قبل المستشرقين؛ مما جعل هذا بوابة واسعة لترسيخ الهزيمة النفسية في نفوس أبنائنا -ولاسيما أبناء الصحوة الإسلامية- الذين يريدون الخير لمجتمعاتهم، ولكن يواجهون عقبات عِدّة، من أهمها ضعف القدرة على إدارة تجمعاتهم واستغلال مواردهم المتنوعة، فضلاً عن الغفلة عن القيمة النسبية النبيلة في معايير وأهداف وضوابط الإدارة من المنظور الإسلامي.

     وهدفنا في هذه السلسلة -من المقالات التالية إن شاء الله- هو إلقاء الضوء على مفاهيم الإدارة الحديثة، وآلياتها وتطبيقاتها، مع الاسترشاد بنور الوحي، بِلُغَة سهلة غير معقّدة؛ تتيح للعاملين في المجال الدعوي والخدمي العام التطوعي أن يقفوا على خطة رشد لتنظيم مجهوداتهم، وتطوير النموذج الإداري الخاص بهم، وفق المعايير الشرعية، مع الاستفادة الكاملة من الجهود التي بذلها المسلمون وغيرهم في مجال تطوير علم الإدارة.

كتبه: د. أحمد عبد الحميد عنوز

 

 

الإدارة في الإسلام جزء من النظام الاجتماعي

  

     إن الإسلام يحدد الغاية من الوجود، ويوجد التوازن بين الفرد والوجود والمجتمع باعتبار أن الفرد هو جزء من الكون، ونلاحظ في كثير من الآيات القرآنية هذا الربط بين الفرد والكون.   {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ   مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}(الذاريات: 56)

{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162)

     ولقد أوجد الله -سبحانه وتعالى- شريعة ونظاماً اجتماعياً، لينظم حياة الناس الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية تنظيماً يتناسق مع سر وجوده وهو عبادة الله، والعبادة هنا لا تعني الانقطاع عن العمل والتجرد عن الدنيا مما يتنافى مع رسالة الإنسان في تعمير الأرض ونشر الحكم الإلهي فيها. {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}(هود: 61).

إن العبادة تشمل كل عمل مفيد في الحياة، وتبدأ بأيسر شيء: الصمت وحسن الخلق، وذلك كما قال رسول الله: «ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن: الصمت وحسن الخلق» رواه ابن أبي الدنيا عن صفوان بن سليم.

وتنتهي العبادة بالجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله ليس الضرب بالسيف على رقاب أعداء الإسلام فحسب، بل إن المرء في طلب رزق عياله هو جهاد في سبيل الله.

     وان من أوائل وظائف النظام الاجتماعي الإسلامي المتمثل في الدولة الإسلامية، أن توفر للفرد المناخ الملائم ليحقق الفرد عبادة الله في الأرض، وتنفيذ أحكامه التي نزلت في محكم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولن تتحقق هذه العبادة في مفهومها الصحيح الواسع؛ بحيث يجعل الإنسان حياته وسائر أقواله وأفعاله وتصرفاته وعلاقاته مع الناس طبق الأوضاع التي وضعتها الشريعة الإسلامية، إلا إذا كان المجتمع منظماً بالكيفية التي تهيئ للفرد أن يصوغ حياته على النهج الإسلامي المطلوب. ويبدأ عملية التكوين الأساسي من الأسرة -الخلية الأولى للمجتمع- ثم المؤسسة التعليمية، ثم المؤسسات: الاقتصادية، والسياسية والإدارية، وبذلك يكتمل النظام الاجتماعي الإسلامي مصدقاً للآية: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج: 41)، ومن وظائف النظام الاجتماعي الإسلامي إقامة العدل بين الناس و تنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية.

     والإدارة هي إحدى الوسائل التي تستخدمها الدولة الإسلامية للوصول إلى غاياتها ووظائفها، ولكي تتمكن الإدارة من أداء مهمتها كما ينبغي، فلابد أن ترتبط بمبادئ وفلسفة المجتمع الإسلامي، والإدارة مرتبطة بالبيئة الإسلامية والفرد العامل ملتزم بمبادئ الشريعة الإسلامية؛ حيثما كان في المنزل أو المتجر أو الحقل، أو المنظمة الإدارية، أو المنتدى الاجتماعي، فهو يعبد الله وهو يرعى الله في كل خطوة يخطوها. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «اتق الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

     والموظف في محل عمله هو مسلم يرعى الله ويتقيه في كل خطوة من خطوات يومه، فهو إذاً يدخل إلى منظمته الإدارية مهيأ لسلوك معين هو مخافة الله في كل ما يأتي من الأمر أو يدع، إذاً فهو لديه خلفية أخلاقية إسلامية، هي التي توجه سلوكه داخل المنظمة بسلوكه خارجها، فهو سلوك واحد، ملتزم بأوامر الله واجتناب نواهيه في أي موقع يجد نفسه فيه، وهذا الالتزام الخلقي التعبدي العقائدي هو الذي يوجه سلوك العاملين في المجتمع المسلم وفي المنظمة الإدارية في الدولة الإسلامية، إذاً هناك ارتباط خلقي وثيق، بين المجتمع المسلم وبين المنظمة الإدارية.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك