مقبرة (مأمن الله) ليست في أمان!!
مقبرة مأمن الله التاريخية في مدينة القدس، تعد أقدم وأعرق مقبرة إسلامية في فلسطين، أقيمت على أرض وقفية إسلامية، كانت مساحتها الأصلية 200 دونم (1000متر مربع) لم يتبق منها اليوم سوى 20 دونماً، حيث أقيمت على أرضها حديقة عامة عليها، وحول جزء منها إلى متحف، فضلاً عن شق الطرقات والشوارع، مع اعتراف اليونسكو بها بوصفها أحد المعالم التاريخية التي يجب الحفاظ عليها .
بعد أن احتلت المنظمات والعصابات الصهيونية عام 1948 الجزء الغربي من القدس، سقطت مقبرة (مأمن الله) من ضمن ما سقط من أراضي القدس وفلسطين، وأقرت قوات الاحتلال قانوناً بموجبه عدتجميع الأراضي الوقفية الإسلامية وما فيها من مقابر ومقامات ومساجد وأراضٍ تدعى «أملاك الغائبين» ويديرها «حارس أملاك الغائبين» وله حق التصرف بها، وبذلك أصبحت مقبرة « مأمن الله» ضمن « أملاك حارس أملاك الغائبين» لدى « دائرة أراضي الاحتلال «، ومنذ ذلك الحين دأب الكيان اليهودي على تغيير معالم المقبرة وطمس كل أثر فيها ومنذ أيام وبانشغال العرب والمسلمين في التغيرات الدول العربية بدأ الاحتلال الصهيوني في تنفيذ مخططاته التي ستلتهم ما تبقى من مساحة المقبرة منها مخطط بناء ما يسمى متحف التسامح ذلك الذي لا يتسامح مع عظام الموتى الذي جعلهم يتقلبون – بجرفهم – وهم في قبورهم!!
جريمة تعد من جرائم التطهير العرقي للموتى المسلمين في القدس، بحجة إقامة متحف والغريب أسموه «متحف التسامح» برعاية سلطة التطوير في بلدية القدس، ولم يجدوا لإقامته إلا مقبرة «مأمن الله» التي يضم ثراها رفات المجاهدين والعلماء والصالحين من الصحابة والتابعين منذ الفتح الإسلامي إلى الحقب التاريخية التي عقبتها .
يدعي القائمون على المشروع أنه مخصص للترويج للتفاهم بين الديانات المختلفة والتسامح بينها!!! فأي تسامح يبدأ بنبش القبور الإسلامية وانتهاك حرمتها وحرمة من فيها من الأموات، واستفزاز مشاعر المسلمين بالاعتداء على قبور أجدادهم وتاريخهم ؟!! وكيف ستقام منارات للسلام والمحبة وسط مقبرة للمسلمين ؟!! بعد أن نبشوا قبورها وبعثروا عظامها وحطموها وألقوها على الطرقات ؟!
وما زال مسلسل الاعتداءات على مقبرة مأمن الله مستمر، فقد تم خلال الثلاث سنوات الماضية الاعتداء أكثر من 30 مرة على هذه المقبرة، ضمن مخطط عنصري لإزالة القبور وتكسيرها ونبشها وتدمير معالمها، وهذا عمل إجرامي غير مسبوق بالتاريخ الإنساني، فهل سمعنا في التاريخ أن الغزاة والمحتلين قاموا بالاعتداء على ما فوق الأرض ونبش ما في باطنها من قبور وتاريخ .
فسياسة طمس المقبرة والمعالم الإسلامية في القدس والعمل على نبش القبور وبعثرة جماجم الموتى والموجودة منذ عهد عمر بن الخطاب إلى يومنا هذا، تُعد حلقة من حلقات طمس التاريخ والوجود على تلك الأرض المباركة، فتؤرقهم شواهد القبور وتاريخها التي تكشف الوجود الإسلامي . فمقبرة مأمن الله ساير تاريخها تاريخ المدينة، ويذكرها المؤرخ الفلسطيني عارف العارف صاحب «المفصل في تاريخ القدس» أنها أقدم مقابر القدس عهداً وأوسعها حجماً وأكثرها شهرة، وترى دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس أن المقبرة أقيمت قبل 1400 عام ، وفيها عدد كبير من قبور الصحابة والمجاهدين الذين دفنوا فيها أثناء الفتح الإسلامي عام 15 هـ -636م وما بعده، وفي المكان ذاته عسكر صلاح الدين الأيوبي يوم جاء ليستعيد القدس من الصليبيين عام 1087 م.
حقاً كانت تلك القبور قبل وجود اليهود على تلك الأرض المباركة وستبقى بمشيئة الله بعد زوالهم فقد استقر فيها العرب أكثر مما استقر فيها اليهود؟! وتمكن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية وغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوراة التي حرفتها أيديهم؟! وسادت فيها العربية أكثر مما سادت العبرية .
وقد طالبت الهيئات الإسلامية ومنها مفتي القدس وقاضي القضاة ومدير دائرة الأوقاف، بوقف العدوان على مقبرة «مأمن الله» بكونها مقبرة إسلامية، ووصفوا، ما تقوم به مؤسسات الاحتلال من أعمال حفريات على أرض مقبرة «مأمن الله»: «بأنه جريمة بشعة بحق المسلمين وانتهاك صارخ لحرمة الأموات». وأُصدرت فتاوى عديدة تحرم تدنيس المقابر والاعتداء عليها ونبش قبورها، وناشدوا عبر منابر متعددة كافة الهيئات والمؤسسات المختصة وجمعيات حقوق الإنسان بالوقوف في وجه الهجمة ضد الأحياء والأموات؛ وبتنفيذ كافة القرارات الصادرة عن المحكمة الشرعية ذات الاختصاص في هذا المجال .
أهكذا يكون حال العالم لو افترضنا أن ذلك حصل لمقبرة يهودية أو لقبر صهيوني حاقد، هل سيبقون صامتين، أم سيعدونه اعتداء على السامية واليهودية و.... وسينتفض العالم بمنظماته ومؤسساته من أجلهم!!
ولو كان عرقاً من أعراق اليهود قد دفن في تلك الأرض، هل يتجرأ قادة اليهود على نبشي عظامه؟ يقيناً لا!! لأنهم على يقين أن باطن تلك الأرض المباركة لا يحمل عظام فلاشي أفريقي ولا قوقازي سوفياتي ولا أشكنازي أمريكي أو أشكنازي أوروبي!!
إن من واجب المسلمين المحافظة على حرمة من دفنوا فيها من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من المسلمين، وعدم إسقاط حقنا بأوقافنا مهما طال الزمان، وستبقى على صفتها «أوقاف إسلامية» إلى قيام الساعة.
وصيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك؛ لا يفوتني أن أوضح أن الدعوة لحماية مقابر المسلمين في القدس وغيرها من عبث اليهود، لا يعني تقديس القبور وتعظيمها والبناء عليها، والطواف حولها والتمسح بها، وتعظيم ترابها والأخذ منه للبركة، وتقديم القرابين والهدايا لها، ونثر الطيب والرسائل عندها.
فكل هذه الأفعال جهل وضلالة في أعظم أصول الدين ومسائل العقيدة، ونحن مأمورون بتسوية القبور وعدم رفعها، وهذه وصية النبي محمد [ : «ولا تدع قبراً مشرفاً إلا سويته». ونحن مأمورون باتباع سنة النبي وهديه مع القبور والمقابر ، وكذلك فعل اتباعه من الصحابة وغيرهم من علماء المسلمين ولا نتجاوز في ذلك ولانبتدع ... والحمد لله رب العالمين ....
وفوجئت وأنا أبحث في ردود فعل المسلمين على تلك الجريمة ووجدتها متواضعة إلا من أصوات أهل القدس وبعض علمائهم، فأين أنتم يا مسلمون؟ وأين الأقلام التي جندت نفسها للدفاع عن الكيان اليهودي ووجوده وممارساته؟ لماذا لا تكتبون بشأن حرمة المقابر ومن دفن فيها؟.. وحين تصفحت الصحف العبرية الصادرة في الكيان اليهودي وجدت مقالا – قديماً - للكاتب اليهودي «عمير ربابورت» في جريدة هآرتس مستنكرا الفعلة الشنعاء والجريمة النكراء، حيث عنون مقاله بعبارة مركزه جمع فيها ملخص ما حدث وما يحدث قائلاً: «في مقبرة مأمن الله: الموتى يتقلبون في قبورهم». حيث أن الجرافات والمعدات الثقيلة قلبت الأرض والقبور حتى جعلت الموتى وهم بلا حراك يتقلبون في القبور، ويضيف: «لقد أرونا العظام»!! وتساءل في ختام مقاله عن الضرر الذي سيصيب اليهود وسمعتهم من إقامة متحف باسم مناضل يهودي ضد النازية فوق عظام الموتى المسلمين بوصفه نموذجاً حياً للتسامح!!.
لا أدري كيف يحلو لليهود التغني بالسلام والتسامح!! فأي تسامح يقوم على الاعتداءات والاغتصاب وإهانة الأموات ونبش القبور؛ فيا معشر اليهود: قبل أن تتكلموا عن السلام أو التسامح ندعوكم لاحترام الموتى ورفاتهم، وقبل ذلك الأحياء وكرامتهم . لا شك أن ممارسات اليهود تؤكد أنهم أهل الخيانة والغدر، فبأي شرعةٍ أو قانون تأخذ أرضاً وقفية إسلامية ومقبرة تاريخية للمسلمين ويعبث في قبورها لإقامة متاحف ومنارات خدّاعة!!
لا شك أن مقابرنا تؤرقهم، كيف لا وهي شاهدت حية صامتة على الوجود الإسلامي، ففيها تاريخنا وأخبار فتوحاتنا وبطولاتنا التي قام بها علماء وقادة ، فتحوا الأمصار، وانتصروا على غارات المغول، وردوا حملات الصليب، وحموا الديار ودافعوا عنها، فأين اليهود من تلك الأخبار والسير؟!
لاتوجد تعليقات