رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 30 يوليو، 2017 0 تعليق

مقام الدعوة الإسلامية بين اللين والشدة!

     الأصل في دعوة المخالف - ولو كان كافرًا أو مبتدعًا - استعمال الرفق واللين في دعوته؛ عسى أن يرقق الله قلبه بسبب ذلك، وفي هذا أدلة كثيرة من الكتاب والسنة وفعل السلف تغني شهرتها عن إيرادها، كقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} ولكن؛ من ذاك الذي زعم أن اللين هو الأسلوب الأنسب مع كل مخالف حتى وإن كان معاندًا مارقًا، وباغيًا معتديًا، ومتهكمًا ساخرًا؟! بل كما أن اللين مناسب في موضعه، فالشدة أيضًا مناسبة في موضعها.

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

                                         مضر كوضع السيف في موضع الندى

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فإنّ الظالم باغ معتد مستحق للعقوبة؛ فيجوز أن يقابَل بما يستحقه من العقوبة، لا يجب الاقتصار معه على التي هي أحسن، بخلاف من لم يظلم؛ فإنه لا يجادَل إلا بالتي هي أحسن، والظالم يكون ظالماً بترك ما تبين له من الحق واتباع ما تبين له أنه باطل والكلام بلا علم، فإذا ظهر له الحق فَعَند عنه كان ظالمًا». (الجواب الصحيح 3/ 72).

يأتيك سؤال يلقيه ملحد تافه يسب إلهك، ويتطاول على نبيك، ويتهكم على دينك، ولا ينتظر منك إجابة أصلاً، بل يلقي كلمته ليظن أنه يحرجك ويضعك موضع التهمة.

فإذا رددت عليه بما يرد نُباحه، ويلجم عُواءه، خرج من ينكر عليك بأنك خالفت مقتضى الحكمة، أو سلكت سبيل النفرة!

     وتفيقه بعضهم ببعض الآيات عن اللين كقوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم}، وقوله: {فقولا له قولاً لينًا لعله يتذكر أو يخشى}، وليس الأمر فيمن ينصح بأدب أو يختلف حول الأسلوب الأنسب في الرد، ولكن فيمن يتطاول ويتهم وكأن هذا الرد هو سبب نُفرة الناس عن الدين.

     وكأنهم ما علموا أن الذي قال الله له: {فبما رحمة من الله لنت لهم}، هو الذي قال له: {واغلظ عليهم}، والذي قال له: {فقولا له قولاً لينًا}، قد قال في مقام دعوته: {وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا}، والحليم الأواه المنيب إبراهيم -عليه السلام- هو الذي قال لقومه: {أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله}، والذين هم محل الدعوة قيل فيهم: {الصم البكم الذين لا يعقلون}، وقيل فيهم: {إن هم إلا كالأنعام}، وقيل فيهم: {كمثل الحمار يحمل أسفارًا}، تُرى هل القرآن - عندكم - يعارض بعضه بعضًا؟ أم نزلت هذه الآيات بلا حكمة فيها حاشا وكلا؟ أم إنه لا مفر من القول بأن هذه في مقامات مختلفة؟

وعندئذ فلا محل لإنكاركم عند استعمال الشدة في مقامها.

     لا نختلف أن الأليق استعمال اللين في سائل يبغي الحق ويسأل مستفهمًا، حتى وإن كان منكرًا للدين، بل وإن جاءنا معتديًا باغيًا، فنصبر عليه ونوضح له ما خفي عليه، لكن ليس من الحكمة أن يُستعمل الأسلوب نفسه مع من وصفتُ حاله في بداية الكلام، فلو لم يكن في الشدة عليه إلا إظهار عزة المسلم وذلة الكافر ودفع كيده لكفى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك