رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 27 سبتمبر، 2016 0 تعليق

مقاصــد الحــج

     الحج عبادة عظيمة يجتمع المسلمون فيها على صعيد عرفة بجمْعِ مهيبِ، والكل تائبِ منِيبِ، يُبَاهِي اللهُ بهم ملائِكتَه، قال صلى الله عليه وسلم : «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللُه فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْـمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ؟»، رواه مسلم.

     وأيُّ منفعةٍ أعظمُ مِنْ أن يرجعَ العبدُ مِن ذنوبِه كيوم ولدتْه أمُّه؟ قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ حَجَّ لِلهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، رواه البخاري «وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ»، رواه البخاري ومسلم.

فمغفرةُ الذنوبِ وتكفيرُ السيئاتِ مِنْ أعظمِ منافعِ الحج.

• في الحَجِّ: تجديدُ التوحيدِ، وتحقيقُ التجريدِ للحميدِ المجيدِ، فتتجدَّدُ عقيدةُ التوحيدِ بمشاهدةِ البيتِ العتيقِ الذي بُنِي لذلك الأمرِ الرشيدِ، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(الحج: 26).

 • وفي الحَجِّ: تهذيبٌ للنفوس مِن الاختلافِ في الآراء، وتطهيرٌ للقلوب مِن الأحقادِ والأهواء، {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}(البقرة: 197).

 • وفي الحَجِّ: تظهرُ للمسلمين وحدتُهم، وتتجلى ألفتُهم، ولهذا «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ، مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلّاَ لـِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ »، رواه مالك في (الموطأ). قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا في وسطِ أيام التشريق، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ: أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى»، رواه أحمد.

     إنها الترجمةُ العمليةُ للوحدةِ والاجتماع، ونبذِ الفرقةِ والاختلاف، تحقيقًا لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}(آل عمران: 103)، {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال: 46). لقد جمعَ اللهُ -تعالى- للحجِّ حُرمتين: «حرمةَ الزمانِ، وحرمةَ المكان»، ليقوى الشعورُ بحرمةِ هذا الركن العظيم مِن أركان الدِّين، وليكون الحاجُ في جميع أحوالِه مستشعرًا قُدسيةَ الزمان والمكان، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّه اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}(التوبة: 36).

     وأما حُرمةُ المكان، فقد جاء أيضًا في القرآن: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}(النمل: 91).

     الحجُّ سبيلُ توحيدِ الأُمَّة ولَمِّ شتاتها وجمْعِ كلمتِها. وبعد ذلك أعقبَ اللهُ -تعالى- بذِكْرِ النفاق وعلامات المنافقين تحذيرًا للأُمةِ مِن مكائدِهم ودسائسِهم؛ إذ النفاقِ أشدُّ خطرًا على الأُمَّة في تقويضِ بنائِها، وبعثرةِ جهودِها، وعرقلةِ سيْرها. اللهم كفنا شرَ الأشرار، وكيدَ الفُجار. اللهم ارزقنا الفقهَ في دينك، والبصيرةَ في شرعك، والتوفيقَ لطاعتك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك