رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: زين العابدين كامل 30 سبتمبر، 2019 0 تعليق

مقاصد المكلفين (6


ما زلنا نطوف حول أمر النية وأهميتها للعبد، وقد سلطنا الضوء في المقال السابق على مسألتين وهما: أن أعمال البدن قد تتوقف بخلاف النية فهي باقية لا تتوقف، وأن قاصد فعل الخير يُؤجر ويُثاب حتى وإن لم يصب المراد، وفي هذا المقال نسلط الضوء بمشيئة الله -تعالى- على مسألة أخرى وهي: أن العمل بغير نية كالجثة الهامدة التي لا روح فيها.

     من المعلوم أن الله -تعالى- لا يقبل العمل الذي يُتقرب به إليه إلاّ بأمرين: أن يكون العمل خالصًا لله -تعالى- وهذه هي النية الصالحة، وأن يكون وفق ما جاء به الشرع، فلا تعتريه بدعة، وفي هذا يقول ابن مسعود: «لا ينفع قول إلاّ بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلاّ بنيّة، ولا ينفع قول وعمل ونيّة إلا بما يوافق السنة».

     وبهذا يتضح أن العمل بلا نية لا فائدة منه؛ فالعبادات التي تخلو من النية لا قيمة لها أبدًا؛ لأن الأصل مفقود وهو النية، ولذلك فإن العبادات التي تنبعث بنيّة غير صادقة لا تعد باطلة فحسب، بل يعذَّب صاحبها بسبب قصده الفاسد، كهؤلاء الذين يفعلون العبادات من أجل الدنيا ومن أجل الناس ومن أجل الشهرة ونحو لك؛ فالعبادات التي يقوم بها المراؤون والمنافقون وعباد الدينار والدرهم، وزرها عظيم، وحسابها شديد، ولا قيمة لها على الإطلاق، وصدق الله إذ يقول: {وَقَدمنْا إِلى ما عَمِلُوا منْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هباءً منثورا} (الفرقان:23) وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (النور:39).

     فهؤلاء الكفار الذين يفعلون الأعمال من باب الرياء والسمعة والشهرة، لا تنفعهم عبادتهم شيئًا؛ لأن نياتهم فاسدة؛ ولذلك رتَّب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأجر والثواب والمغفرة في كثير من الأعمال على النيّة الصادقة الصالحة، الخالصة من الرياء وإرادة الدنيا، والأدلة في السنة النبوية على هذا المعنى كثيرة، ومنها: يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه» (أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي). فالصوم الذي تُغفر به الذنوب هو الذّي يقوم به العبد حق قيام لله -تعالى- وحده، إيمانًا بالله وفرضيته للصوم، واحتسابًا للأجر والمثوبة من عند الله -تعالى-، وفي الحديث الآخر يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدَّم من ذنبه « (أخرجه البخاري ومسلم).

     وفي حديث أبي هريرة  رضي الله عنه مرفوعا: «إن أحدكم إذا توضأ فأحسن وأتى المسجد، لا يريد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد» (أخرجه البخاري) فهذا هو الشرط، ألا يخرج إلا إلى الصلاة فِي المسجد فقط، فلو خرج لحاجة لَهُ وكان المسجد فِي طريقه فدخل المسجد فصلى ولم يكن خروجه لذلك، لَمْ يحصل لَهُ هَذَا الأجر الخاص، وإلى هذا ذهب فريق من أهل العلم.

     وكذا الأمر أيضا في اتباع الجنازة يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم-: «من تبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معها حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين» (متفق عليه) وكذا في أمر المساهمة في الجهاد يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، كان شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة» (أخرجه مسلم).

     ولو أردنا أن نتتبع النصوص في هذا الموضوع لطال المبحث، والذي يعنينا هنا أن نعلم أنَّ النيَّة الصالحة روح العمل، والعمل من دونها كالجثة الهامدة التي لا روح فيها، ويؤكد هذا المعنى ويقويه ويوضحه الحديث الذي دائمًا حوله ندندن، «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلٍّ امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه» (متفق عليه)؛ ولذا فإن الحساب يوم القيامة يكون على نية العبد.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك